الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب في قصيدة -رسالة- جميل دويكات

رائد الحواري

2017 / 5 / 13
الادب والفن



بعض الشعراء يستخدمون لغة بسيطة، لغة محكية، لغة سهلة، لكن وقعها يكون عميقا على المتلقي، حتى أنها يمكن أن تتجاوز تلك القصائد التي تكون لغتها راقية، فالنص الأدبي لا يمكن الحكم عليه إلا من خلاله هو، مما يقدمه من متعة وفكرة وشكل وطريقة تقديم ولغة.
الشاعر "جميل دويكات" يقدم لنا قصيدة محكية وبلغة عادية، لكنه تألق بها، فالعاطفة والحنين فيها يرفعانها إلى "عليين"، والأثر الذي تتركه في المتلقي لا يمكن أن يمحى أو يزول، ورغم قدم كتابتها إلا أنها تكاد أن تكون طازجة، وكأنها كتبت الآن، فخطاب الأم دائما له إثر استثنائي على المتلقي، وبما أن الخطاب صادر عنها، كان لا بد أن تكون القصيدة مؤثرة وفاعلة فينا.
تتفتح القصيدة بخطاب الأم لأحدى البنات تطالبها :
"ي بنتي هاتي مكتوبك
وخطيله على إلساني رسالة
وزبطي العنوان"
الكلام صادر عن أم لا تقرأ ولا تكتب، لكنها حريصة على اتقان العمل الذي تقوم فيه أو تشرف عليه، لهذا وجدناها تخاطب البنت بهذا الحرص، فتؤكد على سلامة وصحة العنوان لكي توصل الفكرة التي تريدها بدقة تامة.
بعدها تبدأ الحديث بالطريقة البديهية التي تتعامل فيها، فهي أم وتحمل من العاطفة ما يكفي لكل الخلائق، فتستخدم عاطفتها كبداية الرسالة فتقول:

"واحكيله عن احزاني
عن امراظي
ع نوبات الدهر هلت
على صدر الأهل طوفان"
فالألم الذي تواجهه لم تعد تقدر عليه، مرض، والحرمان من الأحبة وضغط الحياة لم تعد تحتمل، لهذا نجدها توجه اللوم لمن تحب، لمن خذلها، لمن تجد فيه خلاصها مما هي فيه، فهو الأمل وهو البلسم الشافي، فتخاطبه معاتبة:
"وقولي لو دخيل الله
ي هاجرني.... ي جافيني
يتاركني الهواجس تنهش الوجدان"
عتاب ناعم لكنه يوصل المعاناة التي تمر بها، فهي بحاجة إلى حضوره كحاجتها للدواء، لهذا وجدنا خطابها يحمل شيئا من القسوة، لهذا تعود من جديد إلى لغة العاطفة التي تتقنها أكثر من أي لغة أخرى:

"بتتذكر صبيحة يوم وعدتك
نثر دمعي على خدك
نفذ صبرك
قلت راجع ألف راجع
ل عبهر خلة الصبيان
نسيت إمك!

وخراريف السمر...
والغول واجبينة... والشاطر حسن شدك
وتراب الصبا إل شابت نواصيها
وأسراب الحجل هل واردة عل عين تضحك لك
نسيت أجبالنا ترفل بثوب الزهر في نيسان"
تستخدم الأم كل المحفزات والمرغبات التي يمكن ان تساعدها في جذب الغائب إليها، فتذكرة بكل ما هو جميل، بأيام الطفولة، والحكايا "الغول وجبينة والشاطر حسن" التي لا تمحى من الذاكرة، وكلها حكايا تثير العاطفة نحو الماضي الجميل، وأيضا تحمل فكرة لقاء الاحبة بعد البعد والمخاطر، وكأنها من خلال التذكير بهذه الحكايا تدفعه للتقدم من فكرة اللقاء والشوق الذي يتركه الغائب.
بعد أن تستخدم المحفزات الفكرية الجميلة التي كانت، تقدم له واقع الحال بعد أن رحل، والحالة المزرية التي وصل إليها ذاك الجمال وتلك الايام:
"وأرض معناتنا السمرا..
بعد هجرا...
خضب دم الأرض وجهك جداولنا
رسمها إخطوط مشروخة
على وجهك حفر وديان
وخلايلنا اللي تعرفها وطن مهجور
صارت دور
بتسكنها حيايا ناعمة وديجور
تصحنا الملح ب كواعنا خذلان
وكوم زيتونك الغربي
بعد رحمة أبوك ال شاخت أغصونه
رحل خيره
وصار إوتاد مظروبه بأرظ صوان"
هناك انقلاب كامل وقع بعد الغياب، الأرض، والأشجار، "العماير"، كلها أصبحت خراب مهجور، لا يوجد من يقوم عليها، وهنا يمكن ابداع خطاب الأم، فهي لا تكتفي بالحديث عن جمال الماضي وحسب، بل نجدها تستخدم خطاب علمي، لكي تقدم ابنها اكثر من الفكرة التي تطرحها، فهي تثير فيه النخوة للتقدم واصلاح الخراب الذي حصل، وهنا نشير إلى أن هناك رمزا جاء في "كرم زيتونك الغربي" يشير ـ بطريقة ما ـ إلى الجانب الآخر من الوطن المسلوب، يشير إل ما يحمله الشاعر في العقل الباطن من حنين.
بعدها تطمئن إلى أن فكرتها أصبحت واضحة، وأن الأب تفهم حالتها، وأن غيابه لم يعد مفيد لها ولا له، فتأخذ بالحديث بشكل عقلي منطقي لكنه يحمل العتب ايضا:
"عليش إنسيت كل أهلك..
و مربعنا اللي بندهلك
على اشوية ورق ... عمله بتقبظها
وإلوف ألوف ممتدة
من الأيد تعاودها لصاحبها
وما نابك غير هلغربة
إل كوت روحي بحقد ثعبان"
استخدام لفظ "الحية والثعبان" يحمل شيء من الرمزية، وكأنها تشير إلى أن هناك أخطارا اجتماعية تتعرض لها، ولا تجد من يحميها، وعليه أن يستعجل الحضور لرفع الأذى عنها.
لهذا نجدها تستخدم لغة العتب مرة ثالثة، كتأكيد على الحالة الصعبة التي تمر بها:
"رحلتوا بعيد تركتونا
تركتوا الخي والخيه
تركتوا النبع والميه
تركتوا الشجر والفيه
تركتوا الشمس مدلوحة جدايلها
على ايام الحصاد إتذوب ف النسيان
وبيوت إلكم هجرتوها
نبت فيها زهر مصيص
سكن فيها سرب غربان"
نقول أن الطبيعة والمرأة والكتابة كلها عناصر تستخدم للتخفيف عن حالة الشدة التي يمر بها الكاتب، الشاعر "جميل دويكات" يؤكد لنا هذا الأمر من خلال استخدام الأم للطبيعة لتقربه وتحفزه على التقدم إليها، فالحياة الريفية جذابه وتجعل المشاهد ينتشي بها، لما لها من أثر على النفس، فالأم تستخدمها في جذب الابن للتقدم منها من جديد.

تختم رسالتها بلغة العاطفة والحب، فقد ايقنت أن رسالتها وصلت، وأن الابن الغائب سيعود، فهي تعرف زرعها تماما، فهو بحاجة إلى رشة ماء لكي يخضر من جديد:
"حبيبي يل بعد روحي
تراني ناطره العوده
على خيوط السما اتجودي
ت نكرب أرض خلتنا
ونجدلها شجر رمان"
قبل ما اختم..
إلك حبي ... ولك قلبي...
ورظا ربي
وعليك إمعاتبه وزعلان
والحفيدي إللي ما شفته ولا اعرفته
ألف قبله وألف بسمة قلب ولهان."
استخدامها لفظ "حبيبي، إلك حبي، ولك قلبي، ورظا ربي، ألف قبلة" كلها تؤكد العاطفة التي ما زالت تنبع منها، وإلى أنها تتماثل/تنسجم بين ما تحمله من مشاعر وافكار، لهذا نجدها تستخدم مثل هذه الالفاظ الحانية.
اعتقد بأن الشاعر نجح في تقمص دور الأم وهذا يحسب له، وبكل تجرد نقول أن مثل هذه التقمص ما كان ليصلنا بهذه الجودة وهذا الشكل، لو لم يكن المتقمص شاعرا، ويستطيع أن يتوحد مع حبيبته الأم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??