الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين البتاويين ومقبرة النجف

محمد الذهبي

2017 / 5 / 13
الادب والفن


مابين البتاويين ومقبرة النجف ثلاث ساعات مع زحمة المواصلات والسيطرات، وهو مشدود على اعلى السيارة، والدموع شحيحة ربما، فقد رحل عن عمر ناهز الستة والستين عاما ولم يتزوج، بقي وحيدا منكسرا وحزينا، كم من القصائد بين البتاويين ومقبرة النجف وكم من الساعات، أتترنم بشيء هنالك في التابوت، ام غادر الشعر الجسد هو الآخر، قطعة الرخام التي خطت على قبرك ستكون الشاهد الوحيد عليك، انت ايضا مقتول ، قتلك من سرق جهدك ورماك بسبب زجاجات الخمرة التي لم تكن تفعل بك ماتفعله بالآخرين، هكذا كان صديقه يرثيه بدموع جارية، صداقة امتدت لاكثر من عشر سنوات، كان بها قليل الكلام معترضا على كل شيء في الجريدة وخارجها ومتذمرا مما وصلت اليه الحال، يعبر الشارع بنقمة كبيرة، شارع السعدون كان الفاصل بينه وبين قدح الخمرة، يخفّ مسرعا ليعود اليه توازنه، اما هؤلاء الصحاة في الجريدة فكانوا يعتقدون عكس ذلك تماما، لم يكن ليخطىء وهو مكتفٍ من الخمرة، يخطىء متى ماكان يشعر بالصحو فقط، فالصحو كان عدوه الاكبر، كان يحاول ان يتخلص من خوف داخله، و يتحسب كثيرا من ان يموت منفرداً ولا احد سيعرف بموته، ربما اتعفن داخل هذه الغرفة ولا احد يدري.
كان صديقه يخفف عنه، ويضحك من تلال الشمع المتبقي على المنضدة الفقيرة، لا اريد ان استغلك، هل قرأت هذه الكتب؟ نعم قرأتها، اتبيعها لي، خذ ماشئت، كلا سأشتري هذه المجموعة من فاوست الى مذكرات الجواهري، وخذ الباقيات هدية مني اليك، ماقيمة بقاء هذه الكتب هنا، هل قرأت قصيدتي الجديدة التي تتكلم عن ابي نؤاس، لقد اتصل بي شاعر كان يقيم خارج العراق واتفقنا ان نلتقي بالمقهى يريد مناقشة ماجاء فيها من افكار، عزيزي خليل لا اتصور انك تتكلم او تدافع اوتثار، الصمت يغطي جميع تفاصيلك، انتبه الى نفسه وهو يعيد شريط ذكريات سلفت وسلفت ايامها، رئيس التحرير اعرفه كنت معه اعمل بنفس الجريدة في السبعينيات وهو صديقي، غادرت الجريدة بعد ان اغلقت، هو يعرفني جيدا، ولكنه ازاحك من رئاسة القسم، نعم بسبب النفاق، يقولون له انني اشرب في اثناء الدوام الرسمي، هؤلاء مالهم ومالي؟ انا مكتفٍ بحياتي ولم ازاحم احدا، هل يفهمون سكوتي ضعفا؟ ربما، خذ هذه الليمونة اجعلها مزة مع العرق، مرة استدرجنا زميلا لنا وهو روائي يعمل في قسم العربية والدولية، وجلس على مائدة خليل، ولم يشرب، تعجب خليل، ولكن زميلنا الروائي اعتذر وقال انه اقلع عنها ولايمكن ان يعود، باستثناء القاص عبد الرزاق، فقد درج كما درجنا، وهو كبير في السن، كان خليل يستدل على كبر سنه بانه بعمر صدام،و يحثني على السكر وهو يردد: اشرب اشرب اشرب، لثلاث مرات، و يخزن الكثير من قناني العرق، لايكتفي بواحدة او اثنتين، لم يغادر البتاويين الا قليلا، يذهب الى اتحاد الادباء لدعوة او رؤية صديق.
غادرها عندما انهوا خدماته في الجريدة، وعمل قليلا في جريدة اخرى، وبدأ يرتب الى ترك غرفته فراتبه التقاعدي نتيجة العوق الذي اصابه في حرب الثمانينيات لم يعد يكفي لبدل الايجار،كيف يستقم الامر مع الخمرة اليومية، لقد قتلوك، نعم الكثيرون اشتركوا بقتلك، الاعداء وبعض الاصدقاء، حتى المعشوقة التي سرقت مرتبك الشهري اسهمت بقتلك، كنت تناديها وتريدها ان تعود حتى مع سرقة المرتب، يا لهذه الايام الموحشة عندما يتحول الشاعر الى قطعة اثاث تتحول من منطقة الى اخرى بدواعي ضرورة العيش، الانسان يتحول الى قنينة عرق فارغة، ينظفون منه المكان ويغادر هو بلا زهو يذكر، ولن تشفع له قصيدة او مقالة ، هكذا كانت الرحلة شاقة، ساعات للنوم، وساعات للسكر، وساعات للعمل تختلط في احيان كثيرة ليكون النوم والسكر الاوفرا حظا، خيط يعقده بعض المارة، العيد زجاجة صباحية ونديم مريح، لايشبه اعياد الآخرين، والعطلة هي الاخرى تمر بزجاجة، ربما تتخلل بعض الزجاجات فترة استراحة لكتابة قصيدة، تكون نهايتها مابين البتاويين ومقبرة النجف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع