الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية لروح والدي الطاهرة

عذري مازغ

2017 / 5 / 13
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


مرثية لروح والدي الطاهرة

لن يطفئني بحر من العزاء في فقدانك، حزين جدا بشكل حارق، أشعر كأنما الأقدار تختصر المسافات لعناقك، لا يخيفني الموت ولا موتك كان هاجسا يغرقني في الحزن، ما يحزنني كثيرا هو الأسف في ان لا أحيى تلك البهجة الجميلة في محياك، بهجة الحياة وانت مقبل على توديع الأهل والأحباب تعلن مراسيم الوداع الأخير، تستقبلهم واحدا تلو الآخر إلا أنا، يحرقني كثيرا أني لم أكن ضمن تلك الوفود من الأحبة الذين ودعوك. لم أكن من بينهم أنا الشخص الذي يحبك كثيرا، الشخص الذي كنت تطمئن للحديث إليه، الشخص الذي في كثير من المواقف المعقدة ترجع إليه، الشخص الذي يستمع إلى نبضك وهمومك في الكفاح الحياتي الشخص الذي أنت أيضا عبرت في كثير من المواقف عن اعتزازك به، أشعر بحرقة كبيرة لأني خذلتك في ان نبتهج معا في الإبتهاج الأخير، أمنيتك الأخيرة في كفاحك الأخير، كفاح مرضك المهني "السيليكوز"، كفاحك الأخير هو ان ننعم معا بدفء أخير، أن نعانق بعضنا البعض فقط: اللعنة للهجرة ولظروفها!، للعالم الذي يفرقنا بخرافات يبرر بها صناعة الآلام الإنسانية!، اللعنة لهذا العالم الذي يبتهج حين يجعل من الجغرافية حدودا خرافية وملكية خاصة تحدد حركة الوطء والسير واستنشاق الهواء.
أشعر بحرقة كبيرة في أني خذلت روحك المرحة التي علمتني أن أكون في الظروف الصعبة، كائنا يحمل جزء من نبلك: أن لا أكون متسولا مهما قست الظروف!
"كافح، وحين تشعر بالإنهزام عاود كفاحك، لا تستسلم".
هكذا نصحتني، وهكذا خذلتك عملا بنصيحتك، خدعت بنصيحتك أنت المكافح، العامل المنجمي الصلب بشكل كان يستحيل بالنسبة لي أن تودعنا هكذا، ليس في صمت كما يعلن الكثيرون، بل بنفس المرح، مرح الضرورة والقبول بسنة الحياة، خذلتك لأني ألفت فيك مكافحا شهما لا ينهزم، خذلتك لاني تصورت أنك ستنتصر أيضا على الموت ولو على سبيل أن يكون لنا لقاء أخير. خذلتك في المواقف الحاسمة ربما، أتذكر أني أنا من ألح عليك بترك العمل في المنجم عندما كنت تشكي إلي تعبك، لقد تصورت أن الأمر انتهى هنا، وأنك لم تصبك بعد سموم "السيليكوز"، أشعر بذنب كبير في الأمر ، حين علمت بمرضك، في البداية قالوا سرطان غير مشخص وشككت في الأمر: والدي لا يدخن، لا يشرب الخمر، و إيكولوجي في حياته، يمتنع حتى عن شرب كوكا كولا. بالنسبة لي ، شخص مثل والدي، يستحيل أن يصاب بالسرطان!
"وقعت أخطاء في التحاليل الطبية"
"لا نعرف بالتحديد مرضه"
طبيب لا يستطيع أن يغامر: "خذوه ليموت ببطء في منزله وأمام أهله" (الإشفاق الطبي في المغرب)، "لن أغامر في أخذ عينات من جسمه لتشخيص المرض، أخاف أن يموت في يدي" هؤلاء أطباء في المغرب، أطباء مشفقون!
اللعنة!
لن أتكلم عن ظروفي التي منعتني أن أبتهج الإبتهاج الأخير مع والدي، لا أحب الشفقة، لا أستحق عزاء في الامر! والدي مكافح كبير جدا، يكفيكم أن تعرفوا أنه اعال عائلة من 21 شخص، كان مناضلا منجميا رائعا يستحق أن أفتخر به، لم يكن يوما مهادنا برغم ثقله العائلي، كان مناضلا صامتا بسبب أميته، لكنه شارك العمال في كل إضراباتهم بدون استثناء، لم ولن يستطيع أحد أن يسجل له موقفا هجينا برغم أميته، أو برغم ثقله العائلي، شارك في كل إضرابات العمال منذ عمله بالمنجم سنة 76 حتى سنة 92 يوم خرج بسبب التعب من العمل المنجمي.
أقدر كثيرا موقف أسرتي في أن تتحمل الوطء الكبير لمرضه، وأنا بغض النظر عن أني كنت معه في أحرج مواقف حياته أو لم اكن، في كفاحه ضد المرض، خذلته لظروف خاصة في أني لم أودعه الوداع الأخير، هذا هو حزني الذي لن يطفأه بحر من العزاء، لهذا أيضا عزلت نفسي في أن أستقبل العزاء.
أحب أن أتألم وحيدا!
يستحق والدي مني كل الإحترام.
و لسبب ما أحب أن يخلد ليرتاح في سلام! لم يمت بعد في نفسيتي، لا زلت أستشعر روحه ودفئه!
لروحه المجد!
شكرا لجميع الأحبة الذين واسونا، شكر وعزاء كبير لأسرتي التي تحملت وطأة مرضه، عزائي الكبير لأختي فاطمة الرائعة التي تحملت القسط الكبير، ولجميع أفراد اسرتي بدون استثناء.
لن يغفر لي العزاء، فعلاقتي بوالدي جد شخصية، أكثر من علاقة الأصدقاء، لذلك أمتنع: لن أغفر لنفسي أني خذلته !
مؤلم جدا الأمر بالنسبة لي ! كان فقط يتمنى أن يراني قبل موته !
محزن الامر ! لم يراني !
وهذا محزن جدا.!
اللعنة للهجرة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الذكر الطيب
Almousawi A.S ( 2017 / 5 / 14 - 10:22 )
لوالدك الذكر الطيب
والبقاء في حياتك
وللأسرة الكريمة الصبر
فليس امامنا الا الاستمرار
والتعايش مع الحياة وقوانينها
وبمثل هكذا امر استذكر الكاتب لهولندي
قادر عبد الله أو حسين سجادي
الذي في لحظة غفلة يفقد رؤية اباة
بسبب الضباب
فيخطر الموت ببالة
وتمنى انة سيخلد اباة ليبقى معة
وذلك باسنشاقة عميقا شهيقا
لكي يستطيع من استحضارة زفيرا عند الحاجة
لك الصحة والعمر المديد


2 - تعازينا الحارة
مريم نجمه ( 2017 / 5 / 14 - 11:02 )
الكاتب عذري مازغ الصديق المحترم

تعازينا الرفاقية الحارة برحيل الأب المناضل المكافح لك وللأهل والأصدقاءالصبر وطول العمر
الرحمة والسلام لروحه

ملحمة رثاء موجعة حقاً وقوية اللعنة للهجرة وأسباببها وغصاتها , كلنا مرينا بنفس المعاناة يا أستاذ حرقة الوداع وداع من أحببناهم كن قوياً يا رفيق فطريق الكفاح طويل وهذه لسعة وضربة منه ..
..
لروح الفقيد الرحمة .. و ليكن ذكره مخلداً


3 - هكذا
عبد الرضا حمد جاسم ( 2017 / 5 / 14 - 21:52 )
له الذكر الطيب
و لكم و محبيه و اهله الصبر
انها مسيرة بين محطتين
اولهما الرحم و ثانيهما القبر


4 - البقية في حياتك
camarade. sarfati ( 2017 / 5 / 15 - 13:06 )
رفيقي، أعلم أن كلمات التعازي في مثل هذه الحالات لا تزيد إلا حزن، لكن ما عسانى أن نعمل وسنة الحياة أن يغادر كل من وصل نهاية طريقه أن يغادر هذا العالم المليء بالظلم. صدقني أنا أعلم بما تشعر وتحس به فقد فقدت والدتي من قبل، وأعرف شعورك حاليا بشكل جيد، لذلك أقول لك لا تختلي بنفسك، واجلس مع أصدقاء أو رفاق طيبين فذلك سيساعدك في تحمل ما أنت فيه الآن.
تعازي الحارة رفيقي

اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ