الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله في فكر عمر الخيام 18/ 25

داود السلمان

2017 / 5 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الشعور بالضياع وامراض القلب
يقول الخيام:
لم يبرح الــــداء فؤادي العليل
ولم أنل قصدي وحان الرحيل
وفات عــــــــمري وأنا جاهل
كتاب هذا الدهر جّم الفـصول
ايضاح وشرح:
تمر في حياة كل انسان، وعكة نفسية فكرية، يشعر من خلالها اختلال الموازين الذهنية لديه، نتيجة لتراكمات نفسية صبت حممها في لحظة معينة، فغامت في وجهه الدنيا ثم امطرت هموم ومعاناة، خصوصا اذا شعر الانسان بأن احلامه قد تبددت، وان كثيرا من طموحاته لم تتحقق برغم ما سعى ويسعى دائما لتحققها، لكن الدنيا هكذا هي وتقلبات القدر في كل ساعة وحين، لا يسلم منها أي بشر وغيره يدب على الارض. وهذه الوعكة الفكرية- كما اطلقنا عليها- تأت دائما عندما يتقدم العمر بالإنسان، فيشعر بدنو اجله ومفارقته من يحب: اهله، اولاده، اصدقائه، مقربوه، وفوق هذا وذاك: شعوره بمصيره المجهول بعد الموت، وهذه هي الفكرة التي شغلت جميع الفلاسفة منذ الرعيل الاول والى يومنا هذا.
وعلاوة على كل هذا، تنتاب الانسان، احايين كثيرة، بأن فؤاده بات عليلا، لم يبرحه الداء ولو للحظة واحدة، وان الرحيل بات عنه قاب قوسين او ادنى، وان سنوات عمره تساقطت كحبات المسبحة، واحدة تلو الاخرى، والطامة الكبرة يكتشف نفسه انه جاهلا في كل شيء حيث مرت جميع الاشياء من امامه كطيف عابر، فعلم ان كتاب الدهر، الذي سُجلت فيه سنوات عمره، من افراح واتراح، احزان ومسرات، فاذا بها فصول طويلة، لا يدري اولها من نهايتها، حتى اخيرا يغرق في فوضى الحيرة. وهذا، كما يبدو ما مر به الخيام في هذه اللحظة، التي كتب بها هذه الرباعية.
*الشعور بالضياح
متى يشعر الانسان بالضياح؟
علماء النفس يعطون عدة اسباب نفسية اذا وجدت وتهيء لها الظروف الممكنة الملائمة، حينها يشعر الانسان بالضياع: ضياع نفسه، ضياع مستقبله، واشياء، هو نفسه لا يدري ما هي.
ومن هذه الاسباب:
-"من يشعر بالضياع يكون لديه تعريف مشوه عن نفسه: الأشخاص الذين يمرون بفترات يشعرون خلالها بالضياع يكونون بالغالب غير محبين لأنفسهم. فغالبا ما يحملون نظرة مشوهة عن أنفسهم تعيقهم عن رؤية قدراتهم ومهاراتهم الحقيقية. كما ويرفضون تقبل فكرة أن شخصيتهم مميزة وتحمل العديد من الصفات التي يتمناها غيرهم".
-:"يحدث هذا لكثير من الناس، انهم يستمعون فقط إلى صوت العقل عند اتخاذ قرارات بشأن حياتهم، وينسون أن الخيال يحمل العديد من الإجابات، علينا جميعًا البحث عنها. لقد عشنا في عالم سيطر عليه العقل إلى حد كبير لفترة طويلة جدا ، لذلك يجب على الانسان عكس هذا الاتجاه والبحث في أعماق نفسه من أجل إيجاد العزاء وتصحيح الاتجاه. عندما نمنع سلسلة مستمرة من الأفكار التي تتداعى داخل عقولنا، يمكننا حينها سماع أصواتنا، بما يوجهنا ويذكرنا بطبيعتنا الحقيقية والمحتملة".
-:"كثير من الناس لا يفهمون ما الذي جاء بهم هنا حقا، أو قد لا يعتقد أن لدينا هدفًا روحيًّا على الإطلاق. ومع ذلك، إذا نظرت إلى الخارج في أي وقت ولاحظت حالة الكوكب، أو تساءلت عما إذا جئت هنا لتفعل ما هو أكثر من مجرد الجلوس في مكان تسع ساعات يوميًا تعمل في لا تحبه. فقد استيقظت بالفعل على حقيقة أن لديك مهمة كبرى هنا على الأرض. ليس عليك أن تعرف بالضبط ما الذي يحدث من أجل أن تشعر وكأنك كائن كامل؛ الاعتراف فقط أنك معجزة تتكون من طاقة نقية يجب أن يجعلك تشعر بالراحة".
-:" ثمة عالم يسيطر عليه المنطق لا يمكن أبدا أن يحقق ما ينجزه العالم القائم على القلب. في أعماق قلبك، لديك إجابات على أسئلة الحياة الأكثر إلحاحًا، ولكن العقل سوف يغطي دائما عليها لصالح التفكير الرشيد والخطي. ومن أجل أن تعثر على نفسك، عليك أن تكون على استعداد لقطع العلاقات مع ذاتك التي تسيطر على عقلك، والدخول بدلاً من ذلك في فضاء قلبك، والذي لا يحكم، أو يطلب، أو ينتقد، أو يسخر منك. ابدأ تلك الرحلة، ولن تشعر بالضياع والاكتئاب لفترة أطول".
-:"من خلال محاولة السيطرة على كل جانب من جوانب حياتنا، فنحن لا نترك مساحة للفرص للعثور علينا. الكون يعرف بالفعل ما عليك القيام به، ولكن يجب أن تسمح لنفسك أن تنطلق وتعانق رحلتك. اسمح للكون بمساعدتك، حتى تتمكن من العيش بشكل ينير روحك ويجعل الظلام محتملاً".
وهناك ايضا اسباب كثيرة وراء شعور الانسان بحالة الضياع، اعرضنا عن ذكرها واكتفينا بهذه النقاط، التي اعتبرناها مهمة وتفي بالغرض. والذي يحب الاطلاع على هذا الموضوع بشكل واسع فعليه مراجعة كتاب" دع القلق وابدأ الحياة" وغيره من كتب علم النفس وهي كثيرة جدا.
*امراض القلب وعلاجها
كما تصاف الاجساد بأمراض مختلفة، والنفوس بأمراض نفسية، كذلك القلب يصاب بأمراض عينية وامراض معنوية. وعلماء النفس والتربية والاخلاق يؤكدون على تعرض القلب لنوع من الامراض، وهو من باب الشعور الداخلي النفساني بوجود هذا المرض.
وعلماء الاخلاق يرون: إن في "كل عضو فائدة، وفائدة القلب الحكمة والمعرفة، وخاصة النفس التي للآدمي ما يتميز بها عن البهائم، فإنه لم يتميز عنها بالقوة على الأكل والوقاع والإبصار أو غيرها بل بمعرفة الأشياء على ما هي عليه، وأصل الأشياء وموجدها ومخترعها هو الله عز وجل، الذي جعلها أشياء، فلو عرف كل شيء ولم يعرف الله عز وجل فكأنه لم يعرف شيئا، وعلامة المعرفة المحبة فمن عرف الله تعالى أحبه وعلامة المحبة أن لا يؤثر عليه الدنيا ولا غيرها من المحبوبات كما؛ قال الله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم، فمن عنده شيء أحب إليه من الله فقلبه مريض".
اضافة الى أن "مرض القلب مما لا يعرفه صاحبه، فلذلك يغفل عنه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه، فإن دواءه مخالفة الشهوات وهو نزع الروح، فإن وجد من نفسه قوة الصبر عليه لم يجد طبيبا حاذقا يعالجه، فإن الأطباء هم العلماء وقد استولى عليهم المرض فالطبيب المريض قلما يلتفت إلى علاجه".
*علاج امراض القلب
كما ان الجسد اذا تعرض الى مخاطر امراض مختلفة هو بأمس الحاجة الى علاج جذري يقلع المرض من اعماقه، وهو من اختصاص الاطباء الحاذقون ذوي الاختصاص، كلٌ مختص بالعضو من الجسد ويعرف اسباب معالجته، كذلك علماء النفس والاخلاق والتربية تقع على عاتقهم معالجة القلب المريض، ويقولون أن حب الدنيا وحب الشهوات هي السبب الرئيس الذي يقف وراء مرض القلب، وهذا هو قول علماء الاخلاق. وعلاج ذلك ممكن.
فمن هذا ما "قال يحيى بن معاذ الرازي جاهد نفسك بأسياف الرياضة والرياضة على أربع أوجه القوت من الطعام والغمض من المنام والحاجة من الكلام وحمل الأذى من جميع الأنام فيتولد من قلة الطعام موت الشهوات ومن قلة المنام صفو الإرادات ومن قلة الكلام السلامة من الآفات ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات وليس على العبد شيء أشد من الحلم عند الجفاء والصبر على الأذى وإذا تحركت من النفس إرادة الشهوات والآثام وهاجت منها حلاوة فضول الكلام جردت سيوف قلة الطعام من غمد التهجد وقلة المنام وضربتها بأيدي الخمول وقلة الكلام حتى تنقطع عن الظلم والانتقام فتأمن من بوائقها من بين سائر الأنام وتصفيها من ظلمة شهواتها فتنجو من غوائل آفاتها فتصير عند ذلك نظيفة ونورية خفيفة روحانية فتجول في ميدان الخيرات وتسير في مسالك الطاعات كالفرس الفارة في الميدان وكالملك المتنزه في البستان وقال أيضا أعداء الإنسان ثلاثة دنياه وشيطانه ونفسه فاحترس من الدنيا بالزهد فيها ومن الشيطان بمخالفته ومن النفس بترك الشهوات".
وايضا ما قاله جنيد البغدادي: " أرقت ليلة فقمت إلى وردي فلم أجد الحلاوة التي كنت أجدها فأردت أن أنام فلم أقدر فجلست فلم أطق الجلوس فخرجت فإذا رجل ملتف في عباءة مطروح على الطريق. فلما أحس بي قال يا أبا القاسم إلى الساعة فقلت: يا سيدي من غير موعد. قال بلى سألت الله عز وجل أن يحرك لي قلبك فقلت: قد فعل فما حاجتك. قال فمتى يصير داء النفس دواءها فقلت إذا خالفت النفس هواها فأقبل على نفسه فقال اسمعي فقد أجبتك بهذا سبع مرات فأبيت أن تسمعيه إلا من الجنيد ها قد سمعتيه ثم انصرف وما عرفته".
خلاصة:
والظاهر من كلام الخيام آنف الذكر، أنه مر بهذه المرحلة، اعني مرحلة مرض القلب، او انتابه الشعور بذلك، لأسباب مختلفة، ولظروف قد مرت به وهو بهذه الحال؛ فراح يدعو ويبث شكواه الى الله تعالى ويطلب منه العون والمساعدة على ذلك، لأنه ما عاد يصبر على ما يقاسيه من الم وشجن وضياع لا يدرك كنهه، وهل توجد جهة يشكو لها الانسان المخلوق افضل من الله، الذي خلقه وصيره، ويعلم ما تكنه نفسه من خلجات نفسية يقاسيها، وخطوب تحتاج الى معالجة جذرية. وهذه قمة الايمان بالله والاعتراف بربوبيته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في