الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهاصات المعارضة الشعبية الجديدة في اميركا

جورج حداد

2017 / 5 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


إرهاصات المعارضة الشعبية الجديدة في اميركا

إعداد: جورج حداد*
جاء انتخاب البيزنسمان دونالد ترامب ليحدث انقلابا في آلية الحكم في الولايات المتحدة الاميركية. فقد كانت هذه الآلية تقوم (حتى ترامب) على الحكم بالوكالة. اي ان رهطا من محترفي السياسة، المنقسمين الى فريقين (حزبين) متشابهين كقطرتي الماء كان يتولى الحكم نيابة عن الطبقة الرأسمالية الاحتكارية الاميركية. وجاء انتخاب ترامب ليكشف افلاس هذه الآلية، وانها بصوة ما اصبحت تهدد حكم الطبقة الرأسمالية الاحتكارية الاميركية وتضع مصلحة الوكيل (اي: الرهط السياسي "الحاكم") مكان مصلحة الموكل الاصيل (اي: الطبقة الرأسمالية الاحتكارية ذاتها). فجاء انتخاب ترامب لينزع هذه "الوكالة" وليقدم الطبقة الرأسمالية الاحتكارية الاميركية ذاتها كي تتولى مقاليد الحكم بنفسها، بمواجهة جماهير الشعب الاميركي، الذي اصيب بصدمة لم يعهدها من قبل. ويقتضي ذلك تغييرا جوهريا في اشكال المقاومة الشعبية لحكم ترامب. وحول هذا الموضوع كتب مايكل والزر مقالا في مجلة Dissent (المعارضة) (التي تعرف نفسها بأنها مجلة الثقافة والسياسة لليسار، ومايكل والز هو محرر بارز فيها) ـ كتب مقالا في المجلة المذكورة حول الاشكال الجديدة للمعارضة. ونعرض فيما ييلي اهم ما جاء في هذا المقال:
"1-
فجأة، الجميع في اليسار بدأوا يتكلمون عن المقاومة. هل هذه الكلمة المثيرة لها معنى جوهري؟ نحن لا يمكننا ان نتصور شيئا شبيها بالمقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تشمل النشاطات السرية، والتجسس، والتخريب، وهجمات حرب العصابات (حينما يكون ذلك ممكنا). ولكننا في الوقت نفسه ايضا نقصد شيئا مختلفا عن السياسة المعارضة العادية. انه من المهم ان نفهم هذا الاختلاف الاخير لان الليبيراليين واليساريين في عهد ترامب يحتاجون الى دعم المقاومة والمعارضة الدمقراطية معا. ان المقاومة هي سياسة دفاعية، ولكننا نحتاج ايضا الى سياسة هجومية ـ سياسة موجهة نحو كسب الانتخابات، او، كما نحتاج للقول: الى الاستيلاء على السلطة.
ان المقاومة هي شكل من اشكال العصيان المدني التعاوني. وهي تتضمن الحضور الملموس والتضامن. وهي تستلهم القانون الاخلاقي وحقوق الانسان. وهي عادة ما تكون غير قانونية ولكنها غير عنفية. وهي ذات اساس محلي ومجتمعي. ونشطاؤها هم مواطنوون غاضبون ومسؤولون من المستويات الدنيا.
نحن علينا ان نعززها ونحتفل بها ـ ونعترف في الوقت ذاته ان هذه هي نصف سياسة. ان اعتصامات عمال السيارات في فلينت، ميشيغان في 1938 كانت مثالا للمقاومة؛ لقد كانت الحركة العمالية شيئا مختلفا. ان الطلاب السود الذين قاموا بحملة الجلوس في اماكن الغداء المخصصة للبيض في شمالي كارولينا سنة 1960 كانوا يقومون بمقاومة. لقد كانت حركة الحقوق المدنية شيئا آخر. وان حملة معسكر الوقوف بوجه تمديد انابيب الغاز في داكوتا هي عمل مقاومة. ان الدفاع واسع النطاق عن البيئة وعن حقوق السكان الاصليين هو شي آخر (مختلف). ان عمداء المدن المحصنة يقاومون الحكومة الفيديرالية ويحمون، بقدر ما يستطيعون، اللاجئين والغرباء الضعفاء. ولكن المسيرات والمظاهرات تهدف الى ابعد من ذلك، انها تهدف الى تغيير الحكومة الفيديرالية".
ويتابع:
"2-
ان المقاومة هي شكل قديم جدا للنشاط السياسي ـ اكثر قدما من الدمقراطية ذاتها. فقبل وقت طويل من قيام المنظرين السياسيين بتصور نظام سياسي مرن يمكن اصلاحه او اعادة تشكيله حسب الارادة، صاغوا طرقا للرد على القمع. ولم تكن تلك الردود عدوانية او تحويلية بل بالاحرى دفاعية ومحدودة. ان كتّاب العصور الوسطى وبواكير العصور الحديثة سعوا الى الدفاع عن القوانين الطبيعية، والحقوق المشروعة ضد الحكام المستبدين. وكانت المقاومة تتخذ شكل عصيان مدني بقيادة "قضاة صغار"، او قادة محليين، ضد التاج. لقد كانت عملا عاميّا او تعاونيا. وكانت تقوم على سمتين للحياة في القرون الوسطى. ولقد كانت تتطلب وجود مجموعة من القوانين والحقوق المعترف بها على نطاق واسع، سواء كانت سماوية او طبيعية او كلاسيكية. كما كانت تتطلب وجود هيئات ـ نقابات، كنائس، مدن ومقاطعات ـ قادرة على القيام بالنشاط المستقل، التعاوني والمنضبط.
ان الامتناع عن دفع الضرائب، ورفض نشر مراسيم الملك، والرفض السلبي للاستجابة لاوامره ـ تلك كانت الاشكال الاكثر شيوعا للمقاومة. وكان يمكن الاخذ بها على مختلف المستويات الاجتماعية، وصولا حتى اصغر المجتمعات التي كانت تتمسك بالتزاماتها المباشرة بالنواهي الالهية او القوانين الطبيعية وترفض الخضوع للسيد الاكثر صرامة".
"ولكن العصيان المدني في الازمنة الحديثة يمكن ان يتخذ اشكالا جماعية، كاعتصامات عمال مصانع السيارات في ثلاثينات القرن الماضي والطلاب السود في ستيناته.
ولكي تكون المقاومة اكثر فعالية اليوم، نحن نحتاج لكي تكون اقل وجدانية في نشاطنا السياسي واكثر اخلاقية، اقل فردية واكثر جماعية. وعلينا أن نناشد دون حرج التقاليد الدينية والإنسانية لسيادة القانون وحقوق الإنسان. وعلينا ان نتصرف جماعيا وليس بطرق غريبة وذاتية يمكن ان تنفّر الحلفاء المحتملين.
والمقاومة هي مثال للنشاط الذي يقوم به مجتمع سياسي مؤسس فعليا. ولكنها يمكن ان تكون ايضا شكلا لفعل عفوي، يمكن ان ينتج اشكالا جديدة كليا من الجمعيات، ويبرز قادة جددا. وحتى لو كانت منظمة عفوية، فهي سيكون لها جذورها وتشترك في الهوية او الفعاليات والشعور الجماعي بالقوة والامكانية.
"3 ـ
ان حركات الحقوق المدنية ومعارضة الحرب في الستينات تمثل اوضح الامثلة الحديثة على سياسة المقاومة. وقد استندت اعتصامات الطلبة السود، الذين سرعان مع اخذ اهاليهم يدعمونهم، الى بيئتين جماعيتين: كليات السود، والكنائس الاميركية ـ الافريقية. ومن الواضح ان "القضاة الصغار" في جنوب اميركا لم يلعبوا دورا قياديا او حتى داعما؛ بل كانوا مناوئين بشدة. لذلك فإن نشطاء الحركة ادعوا ضد "القضاة الصغار" في مدنهم، مقاطعاتهم وولاياتهم لدى "القضاة الكبار" لدى الحكومة الفيديرالية. وقد فعل عمال مصانع السيارات في فلينت الشيء ذاته ـ مع انهم كانوا قد حصلوا على دعم الحاكم الدمقراطي للولاية ضد عداء الشرطة المحلية ومرتزقة الشركات. لذلك لم تكن تلك الاحداث تكرارا حرفيا للمقاومة التي كانت تجري في العصور الوسطى وبواكير الازمنة الحديثة. ولكنها كانت وثيقة للغاية؛ اذ كانت شكلا من النشاط الجماعي للدفاع عن الحقوق المدنية، المجذر في المجتمعات المحلية.
ان مشروع المقاومة خلال حرب فيتنام هو حالة شاذة اكثر. كان على الاغلب عملا فرديا، مع انه كان يوجد تحضيرات تعاونية ودرجة معينة من الدعم المتبادل. كان مشروع المقاومة حقا نشاطا "حركيا"، ولكنه لم يكن قائما على اساس جماعي ولم يعرقل عمل المجالس المحلية. ومع ذلك فقد الزمهم بالقيام بالكثير من العمل الاضافي والكثير من المتاعب للحصول على التوازن مع مرور الوقت.
ان المقاومة اليوم هي اكثر وضوحا في "حرمات المدن"، وهي اكثر شبها بنسخة العصور الوسطى وبواكير العصور الحديثة. ان المحافظين واعضاء المجالس البلدية التقدميين هم "قضاتنا الصغار"؛ انهم لم يكونوا يطلبون تدخل الحكومة الفيديرالية، وفي الغالب يرفضون التعاون مع عملائها. وكنا ايضا نعقد الامال على مقاومة الموظفين المدنيين في الحكومة الفيديرالية ذاتها. وكنا نريد منهم ان يضعوا حدودا للخروقات وان يدافعوا عن المعايير المقررة بالمعارضة الداخلية او الاستقالة المكشوفة ( انظر موقع Alt National Parks كمثال على المقاومة الداخلية). ان المسيرات والمظاهرات هي، على النقيض من ذلك، شكلا اعتياديا اكثر للنشاط السياسي الدمقراطي. انها يمكن ان تتخذ طابع المقاومة اذا ادت الى الاعتصامات لنقل في المكاتب الباردة، او اي شكل اخر من اشكال العصيان الجماعي.
"4 –
ان اليسار لا يحتكر المقاومة، كما يظهر من تاريخ "حقوق الولايات".
واليوم نحن لا نزال لا نؤيد "حقوق الولايات"، ولكن هذا يبقى جزئيا لاننا نضع تحت السيطرة عدة ولايات فقط. والتحدي المباشر للرئيس ترامب في 25 كانون الثاني حول الامر التنفيذي بشأن الهجرة جاء من المحامين العامين لولايتين هما واشنطن ومينيوتا، حيث تعود السلطة للدمقراطيين. ولكن في القسم الاكبر، فإن المدن (وبعض الجامعات) هي مواقع للمقاومة المعاصرة. وهذا الالتزام الليبيرالي/اليساري الجديد بالسياسة المحلية هو بالتأكيد أمر جيد. لقد كنا مركزين جدا، لفترة طويلة جدا وحصرية جدا، على واشنطن. وسيكون من الافضل اذا كان بامكاننا ان نضاعف المواقع التي ننطلق في النشاط منها ـ لتشمل الاتحادات المحلية، مثلا، والكنائس الليبيرالية، مثل كنائس السود في الجنوب في ستينات القرن الماضي ونصب جودسون التذكاري في مدينة نيويورك اليوم.
وانتهاج سياسة اكثر لامركزية وذات مشاركة اوسع سوف تساعدنا على بناء معارضة لحكومة اقصى اليمين لترامب. ولكن هذه ستكون، من جديد، سياسة نصفية. وفي المسيرات، والمظاهرات، والتجمعات في الساحات البلدية، التي تجتذب جماهير واسعة، يمكن ان نرى امكانيات النصف الاخر. ويوجد في ذلك طفرة دمقراطية مشجعة للغاية. ولكن الطفرة تميل لان تكون موقتة (مثل حركة "احتلوا") والاختبار الذي ينبغي ان تمر به كل حركة سياسية هو استمراريتها.
ان المقاومة هي فعل عفوي كما كانت الاعتصامات في ثلاثينات وستينات القرن الماضي؛ فهي اخذت القادة العماليين والقادة السود بشكل فجائي. ولكن العفوية لا تكسب في الانتخابات، ولا تفرض اعادة تشكيل المجلسي الوطني لعقود العمل ولا تلزم بالتصويت على قوانين الحقوق. فلذلك نحن نحتاج الى التنظيم، والى التفكير الستراتيجي، والى الانضباط التاكتيكي. والى جانب المقاومة المحلية، نحن نحتاج الى حملة سياسية وطنية. ونحن نحتاج الى العمل في مؤتمرات المقاطعات، كما فعلت "حركة حزب الشاي" خلال عهد اوباما، وفي كل ولاية. ولكن الهدف ينبغي ان يكون، بالطبع، استعادة الحكومة الفيديرالية.
واذا نجحنا في القيام بذلك فعلى الاغلب اننا سنجد انفسنا ندافع عن الاوامر التنفيذذية للرئيس الدمقراطي الجديد ضد المقاومة المحلية الاخرى. وفي يوم ما سوف نجد انفسنا نناضل ضد ما نحتفل لاجله اليوم. ولكن ما سنقوم به في الاشهر المقبلة يمكن ان يعبر مجرى تلك المعارك المستقبلية. اذا نحن أنشأنا ووطدنا سياسة محلية خاصة بنا، دفاعية الان ولكنها مرتبطة بسياسة تحولية وطنية، فلن نكون مرتبطين بالحكومة الفيديرالية كما كنا في السابق. ان سياسة المقاومة يمكن ان تنتج يسارا يقف على رجليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ