الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقلنة الحقل الديني – إشكالية تحديد المجال -

جلال مجاهدي

2017 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


العلاقة بين الدين و العقل كانت و لا زالت من بين أكثر الموضوعات إثارة للجدل , و التقييم الموضوعي و البحث الفكري في المجال دائما ما يتأثر بالمنطلق , على اعتبار أن المتدين دائما ما يحاول أن يبخس من قيمة العقل لترجيح كفة التسليم بما يؤمن به و العقلاني على عكسه , يقوم بإعمال العقل في تمحيص ما يقدمه الدين من تفسيرات للوجود و ما يقرره من تعاليم.

الاختلاف البين و الصدع الكبير بين ما هو عقلي و ما هو عقدي , من الصعب رأبه , فالأول يحيل على أشكال الادراك العقلي و المنطقي للمعطى و الثاني يحيل على التسليم و القبول بالاقتناع الوجداني الإيماني بما يقتضيه الدين , هذا التمايز و التضاد يجعل من كل طرف يطلق أحكاما قيمية على الطرف الآخر , فالعقلي يصف العقدي بالمتوهم و الخرافي و العقدي يصف العقلي بالكفر و الفسق و ما إلى ذلك.

على مر الأزمان تكون الجهاز المفاهيمي الخاص بكل دين و تطور و أصبحت له آليات تفسيرية و دفاعية خاصة و ميكانيزمات تعقيلية داخلية , كما تكون و تطور الجهاز المفاهيمي العقلي من جهته في استقلال تام عن العقدي , و هكذا وصلا إلى مرحلة متطورة يستعصي معها إيجاد تقارب بينهما , فالعقلي خرج بخلاصات مفادها أنه من العبث البحث عن أدلة عقلية على وجود الغيبيات كالآخرة و الملائكة مثلا و من اللاعقلانية البحث عن مبررات عقلية للطقوس و الممارسات الدينية كما قال كانط , في حين يقرر الديني أن العقل البشري قاصر عن إدراك الحقائق و ما عليه في هذه الحالة سوى التوقف و التسليم و القبول و بأن الدين لا يعاني من أي خلل بل العقل هو الذي يعاني من النقص .

غير أن هذا الانفصال بين العقلي و الديني , إنما هو في حقيقته اشتراك في هدف التفسير أملاه لغز الوجود , و للحقيقة فقد حاول كل منهما فك هذا اللغز بطريقته إلا أن كليهما وقفا في مرحلة معينة , فالعقلي و لحد الآن لم يخرج من دائرة الإنكار إلى الإثبات و لم يقدم أي تصور عن الكون و نشأته و عن الهدف من الحياة و الوجود و غيرها من الأسئلة و اكتفى بالنقد و الانكار و الحال أن عقل الانسان نفسه لا يقبل المكوث في حالة الإنكار , أما العقدي فبرغم تفوقه في هذا الشأن و تمكنه من ملأ الفراغ , فإنه قد انكمش على نفسه كآلية دفاعية بسبب تبنيه دغمائية الحقيقة المطلقة و لم يقم بتطوير نفسه في اتجاه الالتقاء بالعقلي .

الفصل بين العقيدة كعقيدة و العقل كعقل إن كان لا يطرح إشكالات على مستوى التجريد لكون الأمر هو معطى فكري و اعتقادي , إلا أنه يصبح معضلة حينما يحاول الديني نقل تصوراته على الواقع , تعميم التصور الاعتقادي و الممارسة الدينية على كل المجالات بما في ذلك التي هي خارجة عنه , هو ما يجعل العقدي يتعدى حدود نفعه, عقلنة الحقل الديني لا تعني القيام بمحاكمة العقائد في حد ذاتها من حيث هي عقائد أو غيبيات, بل فقط المسائل التشريعية الدينية التي تمتد للواقع متى كانت هذه التشريعات تمس بالحياة الخاصة للناس أو سلامتهم و بالحياة العامة , العقلنة تقتضي تحديد المجالات , فمجال الدين يبقى عقديا و مجال العقل يبقى دنيويا .

الدول العربية و الاسلامية هي من أشد الدول حاجة إلى عقلنة الحقل الديني و تحديد مجاله , مع إعادة قراءة الموروث الديني بشكل عقلاني و نخله و جعله يساير تطور الزمان و العلوم و لا يصادمهما و هو ما يحتاج منها إلى شجاعة و جرأة بالغتين خاصة و أن المجتمعات العربية و الاسلامية أصبحت في العقود الأخيرة متأثرة بفكر أشباه المثقفين و أشباه المتدينين الذين ملأوا الفضائيات و مواقع الانترنيت سخافة و ضجيجا و أفضل شيء هو السير في هذا الاتجاه تدريجيا في حدود الممكن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل