الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابو نواس متصوّفاً!

داود السلمان

2017 / 5 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ابو نواس، الحسن بن هاني، الشاعر العباسي، الذي يُعرف عنه بالمجون والالحاد ومدح الخمر، والتغزل بالغلمان، وحب الطرب الغناء، ولا يفارق موائد الخمر الا ما ندر. نقول أنه كان متصوفاً ويتغزل بالذات الالهية، ويعتذر لله ما بدر منه من ذنوب، وتقصير في اداء الطقوس التعبدية، والانصياع لله، وقد افنى معظم حياة في اللهو والطرب والجلوس في موائد الخمر. نرى أنه كان صوفيا، شديد التصوّف.
فاذا كان من ابسط معاني التصوّف أنه يعنى: الزهد والقناعة والرضا والصدق والوفاء والأمر بالمعروف، واتقان العمل والمراقبة الصادقة لله تعالى، وحب الانسان لأخيه الانسان، والحرص على طلب العلم وعدم الصراع على الدنيا، والأخذ بالأسباب التي توصل لطاعة الله، واحترام الناس، باعتبار انهم من خلق الله وهم عباد له. وهو من يجازيهم على افعالهم، فأن كانت افعالهم خيرا، فسيجازيهم خيرا، وأن كانت افعالهم شرا، فهو أن اراد سامح وغفر، وأن اراد عاقب وانتقم.
وطرق الوصول الى الله كثيرة ومتعددة، وابواب التوبة مفتوحة ومشرّعة، وان الله يقبل التوبة من عباده، لأنه الخالق المصور ولا تهمه اساءة عباده بقدر ما تهمه الطاعة والثبات والاعتراف بالربوبية، حتى وأن كانت متأخرة، كون الغاية هي القربة، واسباب القربة لله تكمن في ميادين كثيرة، ومنها مد يد العون والمساعدة للعباد، ومنهم: الملهوف والمحتاج.
وقد ناجى ابو نواس ربه، واعترف بالقصور الذي بدر منه، ثم أنه كان على علم بأنه الله سوف يغفر له ويسامحه على كل حال حتى قال هذه الابيات المشهورة:
يَا رَبِّ إن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً ***** فَلَقد عَلِمتُ بِأنَّ عَفوَكَ أعظَمُ
إن كَانَ لا يَرجوكَ إلاَّ مُـــحسِنٌ ***** فَبِمَن يَلوذُ ، وَيستَجيرُ المُجرِمُ
أدعوكَ ربِّ كَما أَمرتَ تَضرُّعاً **** فإذا رَدَدتَ يَدِي فَمَن ذا يَرحَمُ
مَا لِي إليكَ وَسيلَةٌ إلاَّ الرَّجا ****** وَجَميلُ عَفوِكَ .. ثُمَّ أنّيَ مُسلِمُ
وهذه الابيات لها قصة ذكرها (الدميري) في كتاب "حياة الحيوان الكبرى".
و كذلك هو القائل:
اِلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ اَهلاً ***** وَ لاَ اَقْوَي عَلَي النَّارِ الْجَحِيْمِ
فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَ اغْفِرْ ذُنُوْبِي *****فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ
وَعَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ *******وَثَبِّتْنِي عَلَي النَّهْج الْقَوِيْمِ
فالذي يقول هذا الكلام، ليس هو بالجاهل الغافل، الذي لا يدرك وجود الله، وعظمته، وانه واجب الوجود، بحسب الفارابي، والذي وجوده الرحمة والرأفة والمغفرة، لأنه خلق الخلق ليس للانتقام وادخالهم الجحيم، بقدر ما اراد لهم الخير والبركة، وأن رحمته سبّاقة لعقوبته.
وكل هذا لا يخفى عن فكر ابو نواس وهو الشاعر الاديب، الذي لا تخفى عليه خافية فكرية، باعتبار انه المثقف الواعي.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24