الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزمي بشارة الفيلسوف الثائر (الحلقة الأولى)

كمال طيرشي

2017 / 6 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تزامنا مع الهجمة الكبيرة من لدن الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية على دولة قطر، و بنفس النبرة الحاقدة أعلنت هذه الدول قطع العلاقات الدبلوماسية و القنصلية مع قطر، و إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، نقف حائرين أمام هذا السلوك العمهي الذي يحاول طمس الحقيقة بتعتيمها وفبركتها، ففي هذه الآونة بالذات يلوح في مخيالنا موقف المثقف العربي من هذه الواقعة الخطيرة، فحينما نستحضر المثقف لا نعني به البتة ذلك الذي يقبع تحت وطأة أنظمة فاسدة، كرست منذ عهد بعيد القمع و كبت الحريات و اعتماد النهج الديكتاتوري في سياستها، من منطوق أنا و من بعدي الطوفان، بل إنني أـتحدث ههنا عن المثقف العضوي ، المثقف الثائر الذي انبرى قلمه لتنوير العقل العربي ، الذي لا يزال للأسف الشديد يقبع تحت رزح الطائفية و القبلية و الكره الدموي ضد معاصريه، و حقيق بنا ههنا أن نستحضر شخصية عربية فريدة قل نظيرها في عالمنا العربي جرأة و رباطة جأش ، و القصد ههنا نحو المفكر الفلسطيني الثائر عزمي بشارة ، هذا الأخير الذي بدأ حياته مناضلاً سياسيا، حيث ناضل نضالا مستميتا في سبيل القضية الفلسطينية وكابد لأجلها مكابدة روحية عميقة يشهد لها التاريخ، حيث نزل إلى واقع الناس و مارس السياسة بطريقة مباشرة، غير مبالي بالكيان الصهيوني الذي تربص به، و حاول ابعاده من المشهد السياسي الفلسطيني، إلا أنه أبى أن يبيع القضية الفلسطينية ووقف ندا لاسرائيل، لكن هيهات ثم هيهات أن تترك لحالك تعارك الصهاينة، فكانت الأقدار التي اضطرته إلى الخروج من الكنيست ، ومواصلة نضاله الدؤوب متنقلا بين العواصم العربية ، عسى أن يجد في وطننا العربي حكما رشيداً يستقبل فكره و يؤمن بقضيته و يدعمه في فلسفته القومية التنويرية الديمقراطية، إلى أن استقر حاله في دولة خليجية فتية واعدة ، تحمل آمالا واعدة و بروح شبابية تأمل في اخراج عالمنا العربي من عبودية الأنظمة الفاسدة، و التشرذمات الطائفية المقيتة، و النزوع نحو تمزيق لحمة الوطن العربي و تقسيمه دويلات صغيرة لا حول لها و لا قوة.
المفكر عزمي بشارة عرفته من خلال كتاباته الفلسفية الرصينة، و كان أقرب تواشج جمعني به من خلال كتابه الدين و العلمانية في سياق تاريخي، حيث تلمست في العمل قدرة فلسفية قل نظيرها في عالمنا العربي، جعلتني أقارنه ومن دون تحفظ بفلسفات كانط و هيجل في ألمانيا، صحيح ان عزمي بشارة بدا حياته فيلسوفاً ناقداً متشبعاً بالروح الفلسفية الألمانية ، لكن كان يفكر بعقل عربي سليم، و بهم قومي عربي يكون مسعاه الرشيد إعادة الحالة العربية الراهنة إلى مجدها الغابر و إلى نهضتها المهدورة .
من أجمل المشاريع الفكرية و الأكاديمية التي انبجست من عقل عزمي بشارة تأسيسه لمركز عربي متميز و فريد على الساحة العربية، شهدت له الكثير من المنابر الأكاديمية و الجامعية في وطننا العربي، حتى صار وجهة الكثير من الباحثين في شتى تخصصات العلوم الإنسانية و الاجتماعية، التحقت بالعمل في المركز العربي في صيف 2015، برغم المضايقات الكبيرة التي تعرضت لها في بلادي و التحذيرات الخطيرة التي تصور عزمي بشارة بأنه عبارة عن عميل للكيان الصهيوني و مساهم في دعم الإرهاب و الجماعات الإسلامية المتطرفة، الصراحة و الله شاهد على ما أقول في بادئ الأمر كنت اتابع تحليلات عزمي بشارة للثورات العربية على قناة الجزيرة، حيث كنا نجتمع كلنا أفراد العائلة متابعين التطورات الحاصلة في العالم العربي، و كنا معجبين بالطريقة المتميزة التي كان يقرأ بها عزمي بشارة للمشهد السياسي الحاصل ، و التطورات المتلاحقة بحصافة و ذكاء فريد، وهي الفرصة الأولى التي جعلتني أتابع فكره صوتا و صورة وعن كثب، بحكم أن علاقتي به لم تكن إلا من خلال الكتابات ليس إلا.
قبل مغادرتي مدينة مروانة و التوجه إلى دولة قطر ، استشرت بعض الأصدقاء من الباحثين الجزائريين ممن لهم قدم راسخة في العلم و المعرفة ، راجياً منهم تقديم النصح قبل أن أقدم استقالتي من العمل كأستاذ للفلسفة بالتعليم الثانوي و الالتحاق بالمركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات، إلا أنني صدمت بأن واجهت تجهماً وعبوساً على محياهم ، بالإضافة إلى تحذيرهم لي بطريقة توجست منها خيفة، و فكرت بعدم الالتحاق بالمركز، فكرت لأيام و أخذت وقتي الكافي من دعاء الاستخارة ، إلى أن قررت قرارا على رجعة فيه في الذهاب للاكتشاف بنفسي، فما يقال ليس كما هو في واقع الحال ، التحقت بالمركز العربي و إذا بي أجده بخلاف الصورة التي رسموها لي، و من باب الصدفة أن التقيت الدكتور عزمي بشارة في مكتبة المركز العربي في أول يوم التحق فيه بالمركز، فرحب بي ترحيبا جميلاً ، فانشرح صدري له من أول لقاء.
الصورة التي كونته عن شخصه قبل مجيئي إلى المركز، تهدمت من أول لقاء، ثم تتابعت الأيام و اكتشفت شخصية قوية، لا تعرف النكوص و التراجع ، باحث رصين و مجتهد ، لا يكل و لا يمل من العمل لساعات طويلة، و لديه فريق من الباحثين المتفانين في عملهم ، أعاطني صورة متفائلة لما يمكن أن يصنعه المثقف العربي ، لما تتاح له الإمكانيات و يفسح له المجال للعمل،هذا من جانب بالإضافة إلى قدرته الهائلة على الكتابة في مجالات عديدة ، فمرات تقرأ له كفيلسوف، معتمدا في ذلك على لغة فلسفية متخصصة لا يفهمها إلا أصحاب صناعة محبة الحكمة، وهذا ما تلمسته في كتابه : مقالة في الحرية ، حيث نجده يتنقل بين نصوص كبار الفلاسفة بطريقة سلسة و يبسط فيها تحليلا جامعاً مانعاً، بعبارات وجمل قصيرة ،تغنيك عن الاطلاع على المصادر المستغلقة المكتوبة بلغة معقدة ، و مبهمة، و الجميل فيه قدرته على متابعة كل متعلقات المركز بطريقة فريدة، و حرصه الشديد على أن جودة ما يصدره المركز العربي من أبحاث و دراسات أو مجلات تمس حقولاً معرفية متنوعة المشارب (فكرية ،تاريخية ، استشرافية، اجتماعية و سياسية).
و المثير كذلك أن عزمي بشارة برغم اهتمامه الكبير بدراسة السياسات، و الأمور المتعلقة بالثورات العربية ، إلا أنه لم يتملص من الدراسات الفلسفية ، حيث تجده بين الفينة و الأخرى يصدر كتابا يحمل في ضميمته عمقاً فلسفياً، كما نجده يتابع السيمنارات الأسبوعية التي تعالج أطاريح فلسفية و يجتهد لحضورها برغم أعماله الكثيرة و المتعبة، حينها أشعر بنشوة كبيرة فعالم الفلسفية جليل، و أجده بريء براءة الذئب من دم يوسف، بخلاف ما يجبل السياسة من تزلف و تملق و نفاق و ظلام دامس يخيم على محياها دوماً،مع احترامي الشديد للباحثين المتخصين في العلوم السياسية و العلاقات الدولية، فلكل وجهة هو موليها.
المفكر عزمي بشارة اليوم يتعرض لهجوم من الحاقدين ، الحاسدين ، و أنا ههنا لا اتزلف لشخصه بحكم أنني أشتغل في المركز العربي بغية أن أحظى بمرتبة رفيعة عنده ، فهذه الأمور لا تهمني و لا تشغل بالي و لا اكترث لها بتاتا، فانا أتحدث ههنا من باب الانصاف في شخصه، إنسان يحترم الموظفين في المركز العربي و يعتبرهم زملاء، بحيث لا تجد أي نوع من الاحتقار أو الايذاء و التسلط، برغم أن البعض من خارج المركز العربي يتعبرونه شخصا متكبراً ، يتعامل مع الموظفين بنوع من العليائية و الاحتقار،وهذا كلام لا صحة له ، و كله دعايات مغرضة تحاول الإساءة إلى شخصه، حتى أنني ألتقي ببعض الباحثين الذي تتسلط ألسنتهم شتماً في عزمي بشارة، و لما يعرض منصب وظيفة باحث بالمركز العربي تجده اول اللاهثين في سبيل الحصول عليه، حصلت معي هذه الأحوال كثيرا و تأكدت فيها أن مثل القط و الشحم صحيحة ، فالقط الذي لا يقتدر على الوصول إلى اللحم ليأكله يقول عنه سيء، هذا بالإضافة إلى الذين يقولون أنه وجد ضالته في مال قطر ووو، و هذه كلها ترهات لا أساس لها من الصحة، فعزمي بشارة مهموم بالقضايا الوطن العربي ، و الديمقراطية ، و التفكير في المال ماهو إلا دسيسة يعتمدها بعض أشباه المثقفين للقدح في شخصه.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزمي بشار وتبييض وجه الجزيرة الارهابي
احمد صالح سلوم ( 2017 / 6 / 7 - 08:57 )
كلام فارغ..هناك فيديو يختصرك ويختصر عزمي بشارة وهو الذي يدعوه مذيع الجزيرة العميل الصهيوني عزمي بشارة ان يبيض وجه مؤسسة الجزيرة الارهابية بتشويه سورية والتحريض على الدولة السورية ..اما هذا المركز العربي يكفي ان اغلب ندواته وباحثيه يجمعهم من الحاقدين على ايران لان لها تجربة تنموية مستقبة نسبيا والذين ينفذون اجندة استعمارية بذم الصين ..وشو هالمركز الذي لايأتي على سيرة الاندماج الاستهلاكي في العالم العربي الذي دفعت اليه بترولارات محميات الخليج ودمر الطبقة الوسطى في مصر وسوريا والعراق وجلب بدلا منها كائنات اخوانجية بعفن فكري اسلامي انحطاطي خرافي ..وهناك مئات مراكز الابحاث ليس في قطر بل في الغرب التي تمولها لوبيات المال والاستعمار كمركز عزمي بشارة تتحدث عن كل شيء ما عدا عن الاجندة الاستعمارية وتابوهاتها ومنها انها تقوم بمهمة واحدة هي تلميع وجه المؤسسات الاستعمارية من العيديد الى الجزيرة الى الفساد والنهب لمحمية قطر..

اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة