الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد العقل الحزبي في روجافا

صالح بوزان

2017 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة كرد ليست لديهم القراءة الصحيحة لهذه المرحلة التاريخية للقضية الكردية في سوريا. إنهم مازالوا يعيشون حالتهم النفسية لما قبل الثورة. لا ينظرون إلى ما تحقق من انجاز على أيدي المقاتلين الكرد نظرة موضوعية. هم لا يرون أمامهم سوى من ينافسهم على الصعيد الحزبي أو على صعيد النفوذ. وهكذا يصبح المنافس هو العدو الأساسي والأكبر. لا يعني هذا الكلام أن الانتقاد الموجه لسلطة الادارة الذاتية ولحزب الاتحاد الديمقراطي تدخل في خانة الأعداء. بل الانتقاد عمل وطني بامتياز في مختلف المناحي. ومن يضيق صدره بالانتقاد سواء أ كان مثقفاً أو حزباً أو زعيماً سياسياً يجب التشكيك في وطنيته وليس في وطنية المنتقِد. والنظام السوري خير برهان على ما نقول.
هناك أخطاء سياسية لحزب الاتحاد الديمقراطي لا شك فيها. وهناك أخطاء لإدارته الذاتية سواء نتيجة عقلية هذا الحزب وأيديولوجيته أو نتيجة الجهل بأمور الادارة أو ردة فعل بعيدة عن العقل السياسي المعاصر. إن من يحول الانجازات إلى وسيلة لكم الأفواه هو يفسح المجال من حيث لا يدري للعوامل الداخلية قبل الخارجية لزعزعت هذه الانجازات.
نعلم أن حزب الاتحاد الديمقراطي خرج من رحم حزب العمال الكردستاني ويحمل أيديولوجيته في إلغاء الأحزاب الكردية من أجل التفرد بالعمل السياسي. وهذا التفرد هو نفسه الذي يجري في ادارته الذاتيةً. كان موقفاً سياسياً صحيحاً عندما أشرك هذا الحزب العرب والآشوريين والتركمان في الادارة الذاتية. لأن المناطق التي تديرها الادارة الذاتية ليست كلها مناطق كردية والمواطنين فيها ليسوا كلهم كرداً. وبالتالي هذا الموقف السياسي العقلاني دلالة على أن هذا الحزب لا يحمل فكراً قومياً ذا خلفية عرقية. لكن ثمة انتقاد أن هذا الانفتاح على القوميات المختلفة قابله التشدد والتفرد من قبل هذا الحزب تجاه القوى الكردية الأخرى. هناك مشكلة في الأحزاب الكردية السورية لا يتحمل مسؤوليتها حزب الاتحاد الديمقراطي. بل تتحملها هذه الأحزاب نفسها. تكمن هذه المشكلة أن هذه الأحزاب لم ترق يوماً إلى مستوى معاناة الشعب الكردي السوري. ولم تحقق أي انجاز قومي ملموس خلال نصف قرن من نضالها الطويل على ساحة كردستان سوريا. كل ما في الأمر أنها شتت الحركة الوطنية الكردية منذ نشأتها بانشقاقات وولاءات لزعماء الكرد في كردستان العراق. يكفي أن نبرهن على صحة ما نقول أن في الساحة الكردية السورية اليوم يوجد أكثر من ثلاثين حزباً. يبدأ بحزب العائلة وحزب القرية وحزب العشيرة وحزب المنطقة لينتهي بحزب السكرتير الخالد. أن الخطاب الانشائي عن الكفاح الطويل وأن "سياسة حزبنا كانت صحيحة دائماً" هو مرض أخذته هذه الأحزاب من الحزب الشيوعي السوري عندما أخذ في الانحدار والانشقاقات.
أعتقد أن أية دراسة موضوعية لتاريخ وواقع هذه الأحزاب ستبين أنها تكيفت مع واقع النظام السوري القمعي قبل الثورة وتتكيف الآن مع المعارضة السورية العروبية والإسلامية بعد الثورة. هي أحزاب تنهشها انشقاقات داخلية لعدم وجود قضية مركزية جامعة تلتف حولها. ولا علاقة لهذه الانشقاقات بخلافات سياسية أو فكرية. أغلب ساسة هذه الأحزاب هم أبطال هذه الانشقاقات من أجل البقاء على كرسي السكرتير أو لإيجاد كرسي خاص به خارج حزبه الأم.
حين بدأت الثورة السورية وجدت هذه الأحزاب نفسها في حيرة من أمرها. بمعنى آخر. مع أي طرف يجب أن تقف. كانت تحاول أن لا تحسم أمرها. فهي لم تعلن موقفاً واضحاً مع الثورة ولو أنها وقفت ضد قمع السلطات للثوار. في الوقت نفسه لم تقطع حبلها السري والعلني مع النظام لفترة ليست قصيرة. كانت لديها تبريراتها. كانت تقول أن هذه الانتفاضة (تحاشت تسميتها بالثورة) ستُخمد قريباً. لأن النظام من القوة بحيث قادر على قمعها وتصفيتها. وبالتالي من الأفضل عدم تبيان موقف عدائي واضح ضد النظام. لأنه في حال انتصاره على الانتفاضة سينتقم بوحشية ليس من الأحزاب الكردية فقط. بل من الشعب الكردي بكامله. ولن يقف عندئذ أي طرف عربي سوري وأي مكون من مكونات الشعب السوري مع الكرد، ناهيك عن الدول المجاورة والعالم الغربي الذي سيغلق أذنيه. تماماً كما حدث في انتفاضة الكرد عام 2004. أعتقد أن هذا التقييم كان جانباً من الحقيقة يجب عدم تجاهله. والجانب الثاني يكمن في أن لجان التنسيقيات الكردية المنتفضة في الشارع أخذت تتجاوز هذه الأحزاب وتضعها على هامش الأحداث. كان حزب الاتحاد الديمقراطي لديه التقييم نفسه. ورغم أنه حزب فتي لم يقف مكتوف اليدين مثل بقية الأحزاب لينتظر فعل القدر. استغل خوف النظام من امتدادات الثورة إلى المناطق الكردية فعقد معه صفقته المعروفة. يتضح اليوم أن هذه الصفقة كانت تكتيكاً واقعياً. لو سعى الكرد بكل وزنهم لإسقاط النظام حينها لما سقط. وفي الوقت نفسه نستطيع أن نجزم اليوم لو سقط النظام لأدى إلى مجيء هذه المعارضة السورية إلى السلطة. هذه المعارضة التي تقف ضد حقوق الشعب الكردي السوري بفظاظة وعنصرية أكثر من البعثيين. لقد اتضح أن الشارع السوري لم يكن قادراً على اسقاط النظام. ولم تكن هناك إرادة دولية لإسقاطه. وبالتالي لكانت النتيجة سيطرة داعش أو ما يشبه داعش على المنطقة الكردية ولكنا وجهاً لوجه أمام أنفال كردية سورية على غرار أنفال كردية عراقية بكل تأكيد.
من يتهم حزب الاتحاد الديمقراطي بالولاء للنظام السوري أو الايراني هو كلام لا يستحق الرد عليه. لأنه طفولة سياسية في بازار الصراعات الكردية الحزبية وفي بازار المعارضة السورية التي تسعى للتملص من الاستحقاق الكردي. حزب الاتحاد الديمقراطي هو الذي استغل الاضطراب السياسي لدى النظام وجعله في خدمته لفترة ما وليس العكس.
لكن بعد أن حقق هذا الحزب انتصارات كبيرة وصار شبه حكومة وأنشأ سلطة الادارة الذاتية وجد نفسه أمام واقع لم يكن مهيئاً له. وجد نفسه بأمس الحاجة إلى كوادر علمية وإدارية ومهنية. وكما نعلم أن المثقفين والكتاب والشخصيات الجامعية المتعددة الاختصاصات ابتعدوا عن هذا الحزب منذ كان أغلب أعضائه ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني في الساحة السورية. حدث ذلك نتيجة العقلية الحزبية الضيقة والصارمة التي كانت تجبرهم على تنفيذ أوامر الكادر الحزبي. هذا الكادر الذي قد لا يفهم في الثقافة والعمل المهني والأكاديمي إلا القليل.



عندما أصبح هذا الحزب مسؤولاً عن شؤون الشعب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وضرورة الحفاظ على السلم الأهلي والتجانس الاجتماعي بحث بين صفوفه عن الكوادر المختصة فلم يجد سوى الحزبيين. كانت سرعة تشكيله لإدارته الذاتية غير مدروسة. وربما لعبت مسألة الدعاية دوراً أكبر في هذا التشكيل السريع. لاحظنا أن العديد من القوانين التي صدرت كانت غير واقعية. بل لا يمكن تطبيق بعضها أصلاً.
الكادر الحزبي يعرف إصدار القرارات وينشط بين الجماهير ويحرضها على المظاهرات ويحشدها حول شعارات معينة وغير ذلك. لكنه غير قادر على إدارة المجتمع المدني وإدارة المؤسسات. شنّ هذا الحزب هجوماً عنيفاً ضد كافة الفئات الجامعية والمثقفين في المجتمع لتهربهم من المسؤولية في الظرف التاريخي المستحدث. كان في هذا النقد جزء من الحقيقة والجزء الثاني أن مفهوم الوطنية والقومية عن هذا الحزب كان يختزل في أن يضع هؤلاء أنفسهم تحت أوامر الكادر الحزبي.
الكادر الحزبي الذي استلم العمل الاداري اعتبر دائرته هيئة من هيئات الحزب. وتصرف ضمن هذه القناعة. زد على ذلك فهو لا يملك حق اصدار الأوامر الادارية ضمن صلاحيته دون أن يأخذ رأي الكادر الحزبي الأعلى. فعلى سبيل المثال نجد الأسايش تعتقل بأمر من الكادر الحزبي الأعلى وتطلق صراح المعتقل أيضاً بأمره. كذلك يفعل القاضي. فهو يصدر نوعية الحكم بأمر من الكادر الحزبي. ويعفو عن المتهم بأمر منه، حتى لو كان هذا المتهم يستحق السجن خمس سنوات بحكم القانون. وهكذا بدأت أخطاء الادارة الذاتية أكثر وضوحاً.
من المؤكد أن ظروف الحرب لها قوانينها الصارمة حتى في أكبر الدول الديمقراطية. فحادثة التفجير الارهابي في فرنسا جعلت البرلمان الفرنسي يصدر قوانين استثنائية. ومن حق سلطة الادارة الذاتية أن تصدر قوانين استثنائية كونها في حالة حرب مع عدو يستهدف ليس هذا الحزب فقط وإنما الوجود الكردي بأكمله. لكن لا يجوز لهذه القوانين الاستثنائية أن لا تراعي مصالح الناس والحد الأدنى من حقوقهم المدنية والسياسية. لم يفهم حزب الاتحاد الديمقراطي بعد أن الشعب ليس جزءاً من الحزب. بل العكس هو الصحيح. أكبر الانتصارات في التاريخ الحديث تحققت عندما كان الشعب على قناعة بأن الطليعة التي تقوده تعمل لصالحه ليس في خنادق القتال فقط، بل كذلك على أرض الواقع في العمل المدني والاجتماعي والخدمي. أغلب الخيانات التي حدثت في حركات التحرر كانت تحدث عندما تهمل الطليعة هذا الجانب غير العسكري. فيستغله العدو ليخدع بعض فئات الشعب بأنه قادم ليؤمن له كل ما يريده في حال ساعده ضد طليعته.
سلطة الادارة الذاتية بحاجة إلى الاختصاصيين. بحاجة إلى قوانين موضوعية تلتزم بها هي قبل أن تطالب من الآخرين الالتزام بها. هي بحاجة إلى صحافة حرة لتراقب كل شيء مع مراعاة ظروف الحرب وقوانينها المؤقتة حتماً. هي بحاجة إلى كوادر في مختلف الاختصاصات لتعزيز الادارة الذاتية في الواقع. لكن لن يأتي إليهم أي كادر اختصاصي إذا استمروا على هذه العقلية بتحزيب الادارات والمؤسسات والمدارس والجامعات. عندما يتم توسيع الوطنية بحيث تتجاوز حدود الحزب وحدود السياسة. فأغلب الكوادر الوطنية ستساهم وبإخلاص لتعزيز هذه الوطنية وترسيخها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية