الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسيون الانتهازيون

محمد بقوح

2017 / 6 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يختلف السياسيون الانتهازيون كثيرا عن تجار الدين. فمن يختار صفّ الهيمنة والقمع والاستبداد، وفرض التهميش وتكريس البطالة والجهل والتفقير هو نفسه، وإن كان بوجه مُقنع متوار أو ملتح متجل، مَن يختار طريق التعصّب الفردي أو الجماعي التلقائي، والتطرّف والتشدّد المنظم، والانغلاق الفكري الساذج والترهيب العاجز عن الحوار، والتكفير المعادي للاختلاف والقتل المجاني المُدمّر لبراءة الإنسان وقيمة الحياة، بل وتحريض مفروض ومنهجي مستلب ضدّ كل ما هو تحديثي وديمقراطي يخدم الجميع دون ميز، ويحتفي بحرية الإنسان وبرقي حضارة الوجود البشري العريق.
السياسيون الانتهازيون ينتصرون للفساد، بمعناه الجزئي أو المطلق.. سواء بإرادتهم الذاتية التي تحركها منافُعهم التفكيرية والمتخيلة البغيضة، أو مُجبرين على ذلك بدافع القوى الخفية المُحركة لأهوائهم المتدفقة ولإراداتهم الهشّة، وهم لا يعلمون، لأنهم بذلك يقفون ضدّ وطنهم الأم، وضدّ الكون والانسان، ويُعبرون عن موقفهم المُضاد للتقدم الحضاري وللإنسانية والحياة جمعاء. وفي نفس السياق الموازي، يَنتصر تجار الدين، المهووسين بالانبطاح الشعبوي والتقليد السلبي وثقافة الموت والرجوع المقدس الأجوف إلى أصل الأمور والأشياء، مُستعملين طبعا ذكاء الثعالب الكامن في الكتب الصفراء، وبأموال التهريب والفساد والتحايل والتحريض يؤسسون مملكة قيم الظلام التي تهدد الأخضر واليابس، وبإعلامهم التجاري يضللون ويصدرون مدنا من الوهم الخالص. هي مساهمة لكائنات بشرية تحلم بصناعة حضارة من نكهة الليل والجمود وعصارة جهالة الزمن الغابر. بالمال والإعلام والتفكير الديني المتعجرف والسياسة الفاسدة الواهمة بامتلاك الحقيقة يكرسون تخلف الشعوب وتوغل الموت الحضاري للإنسان والطبيعة معا.. إنه الوجه الآخر لأخطبوط الفساد بمعناه الاجتماعي والأخلاقي المبتور العين والروح .. والمغطى والمستعمل بالممارسين المرتزقين بالسلوك الديني، سعيا للوصول إلى تحقيق معناه السياسي المبحوث عنه منذ فجر التاريخ من قبل ضعاف البصر .. كعكة السلطة .
لكن، حين يتواطؤ الرجلان، السياسي الانتهازي وتاجر الدين الوصولي، كما وقع في أكثر من محطة تاريخية - موقف سياسي في تاريخنا الاجتماعي البعيد والقريب، يتقوى حينذاك رأسُ الفساد السياسي ويتعجرف الاستبداد الديني، ليكون الوطن والمواطن كلاهما في مهب الريح، وعلى حافة السقوط والانهيار التام الذي لا بدّ أن يليه آنذاك الاستيقاظ المُفاجئ لقوة الضمير الشعبي للإنسان، ويشتعل فتيلُ الاستعداد الفكري والوجداني والجسدي للمرء مهما يكون ترتيبه الاجتماعي والطبقي لمواجهة واقع هؤلاء الفاسدين ذوي الخبرة العالية في فن التلصص، والمتسلّطين العابثين بالحياة كما لو كانوا أصلها المفترض وأسيادها الوحيدين، وباقي الناس عبيد في ضيعاتهم الشاسعة فيها يلهثون .. لهذا، يتحدّ جسد الكل المجتمعي للإنسان الخالص هنا بحافز الدفاع عن ما تبقى من الكرامة الشخصية لوجوده العام ككائن بشري، والدفاع عن هوية عيشه الكريم ببساطتها الواقعية حتى يتحقق لهم وقف هجومهم الشرس ضدّ مكتسباتهم الحياتية، وليس الاجتماعية فقط، وبالتالي، يواصل الإنسانيون المهمشون والمقموعون المقاومة كما لو أصبحوا في ساحة معركة حامية الوطيس .. مُقاومة لفعل السياسيين الانتهازيين الوصوليين سواء بوجههم الحاكم الظاهر أو الحاكم الرمزي .. فكلاهما على كل حال من طينة سلطة القمع الغابوي المفترس الذي حان الوقت لمواجهته بكل الوسائل الممكنة دفاعا عن حرمة الوجود في الحياة، ونيابة عن كل التجليات للكائن الطبيعي في هذا الكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24