الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب وامتحان العولمة .. دفاعا عن تسوية تاريخية

سعيد الدخيسي

2017 / 6 / 12
العولمة وتطورات العالم المعاصر


المغرب وامتحان العولمة ..
دفاعا عن تسوية تاريخية

بقلم : سعيد الدخيسي
أستاذ الاقتصاد السياسي
بجامعة محمد الخامس - الرباط


هذا المقال هو مقدمة كتاب بالفرنسية صدر لي عن دارالنشر " كلمات " ،الرباط ، 2014، والذي يحمل عنوان " المغرب وامتحان العولمة .. دفاعا عن تسوية تاريخية ".

الأحداث التي لا تزال تهز منطقة شمال-إفريقيا شجعتني على نشر هذا الكتاب وإشراك القراء في الأفكار الواردة فيه وذلك لدافعين . الدافع الأول هو أن الأسباب الكامنة وراء هذه التحولات قد تم تناولها بشكل مستفيض في هذا الكتاب. السبب الثاني هو أن هذا المؤلف يطرح كذلك بديلا يمكن من الاستجابة للتطلعات المشروعة في التحرير والتحرر .
الأطروحة التي يتناولها ويدافع عنها هذا الكتاب هو وجود اقتصاديات ومجتمعات شمال-إفريقيا الغربية (المغرب الكبير) في وضع تم فيه تشديد الخناق عليها : من جهة ، هناك الآثار المدمرة للعولمة ومن جهة أخرى، الإكراهات التي تفرضها الإيديولوجيات الاستبدادية والعراقيل التي تنتج عنها . التفاعل المشترك لمجموع هذه العوامل ينتج عنه آجلا خطر تدمير كلي. ولتجاوز هذا الوضع ، لابد من تسوية تاريخية تفتح المجال لتنمية مستدامة ولاندماج جهوي ودولي أفضل.
كالعديد من المناطق الأخرى، كانت منطقة شمال-إفريقيا منذ القدم تحت هيمنة إيديولوجيات "استبداد المشرق" ، وتشكلت بالتالي دينامياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحت هذه الهيمنة حيث كانت ثلاثة منها حاسمة :
- قيام أنظمة مطلقة تتعامل مع المواطنين كقاصرين على الدوام وتفرض عليهم بصفة شمولية وباستمرار الوصاية.
- توظيف الدين حيث أنه عوض التعامل معه كمصدر للروحانية وكالتزام فردي وتطوعي وكعلاقة مباشرة بين المؤمن والخالق، يتم استعماله كوسيلة للوصول إلى السلطة وشرعنتها وكعامل استعباد جماعي .
- فرض مرجعية ثقافية تعود لحقبة تاريخية غابرة ولمنطقة أجنبية عن إفريقيا- الشمالية. هذه المرجعية تحمل معها نقيض ثقافات ولغات محلية وتصادر بالتالي حاضر ومستقبل المجتمعات وتحكم عليها لتبقى جامدة باستمرار.
يحاول الكتاب أن يبين كيف أن تأثيرات الهيمنة على إفريقيا-الشمالية شوهت الميكانيزمات الاقتصادية والمؤسساتية والثقافية، مما نتج عن ذلك :
-هيمنة مناخ يطغى عليه الشعور بعدم الاستقرار ومنطق المدى القصير؛
- توظيف السلطة لأجل الاغتناء الفردي ؛
- فك الارتباط بين العمل و الاغتناء وضعف الميل للعمل وللإبداع وللاستثمار؛
- ظهور الاغتراب بشتى أنواعه الذي يعرقل التطورالعادي للوعي الوطني والاعتراف بالهوية ؛
-انهيار منظومة القيم .
هذه الآليات المشوهة أدت باقتصاديات ومجتمعات إفريقيا-الشمالية لتكون عرضة للتأثيرات السلبية للعولمة.
إن مدى تأثيرالعولمة ناتج أولا عن قوة ديناميتها وأهمية فاعليها ؛ فمع تنامي مقاولات احتكارات القلة ( أوليغوبول ) وأقلمة الاقتصاد العالمي، اللذان يميزان المرحلة الجديدة لتطور الراسمالية ، تأخذ المنافسة الدولية شكل منافسة بين هذه الاحتكارات وتباري بين التكتلات الإقليمية.
أما الاستثمارات الخارجية المباشرة فلقد أصبحت، في هذه الدينامية الجديدة، رافعة قوية لهيكلة وتمركز المقاولات.كما أن الاعتماد على إنشاء مناطق التبادل الحر مع دول الأطراف يساعد التجمعات الإقليمية لتوسيع فضاءاتها الاقتصادية.
لكن قوة تأثير انعكاسات العولمة ترتبط كذلك بالوضع العام للاقتصاد والمجتمع اللذين يتعرضان لهذه الانعكاسات. هذه الأخيرة يكون تأثيرها وخيما جدا حين يتعلق الأمر بمجتمعات مشلولة ومنهكة تعاني من العراقيل والإكراهات الداخلية. يمكن حصر الانعكاسات إياها على الخصوص فيما يلي :
- إضعاف هامش الحرية لدى الفاعلين المحليين،
- تشويه دينامية النمو لصالح القطاعات المضارباتية أوالقطاعات المنتجة الضعيفة،
- ضياع الامتيازات المكتسبة ،
- تفاقم اللاتوازنات الاجتماعية والإقليمية والحد من إمكانيات الاندماج الإقليمي،
- ظهور أشكال جديدة من الاغتراب و التفكك داخل المجتمع .
هذه الانعكاسات مجتمعة تحمل خطر تفكك اقتصادي واجتماعي وثقافي . أمام هذا الخطر، ماالعمل ؟
عن هذا التساؤل الأساسي ، يسعى هذا الكتاب تقديم جواب، نرجو أن يكون وجيها : وحدها التسوية التاريخية هي الكفيلة لمواجهة خطر التفكك الذي قد ينتج عن العولمة. لأن إشكالية الاقتصاد و المجتمع المغربيين والشمال-إفريقيين على العموم لا تتلخص في مسألة التدبير الذي لا يتطلب إلا تعبئة وسائل ملائمة للسياسة الاقتصادية. فهي إشكالية أكثر تعقيدا لأنها ذات طابع هيكلي ومتعدد الأبعاد. فهي تقتضي بالتالي خطة استراتيجية على مستوى الأسس و البنيات وقواعد اللعبة .
ولهذا يسعى هذا الكتاب ليكون بمثابة دفاع عن تسوية تاريخية تمكن المغرب من الدخول في مسار التنمية الشمولية والمستدامة وفي دينامية اندماج إقليمي ودولي متحكم فيه وذي نفع على البلد.
من هذا المنظور، من الضروري إعادة بناء المنظومة الثقافية والمؤسساتية والاقتصادية على أسس جديدة وإعادة التفكير في إستراتيجية الاندماج الإقليمي والدولي.
ولأجل ذلك تمحور تفكيرنا حول قضيتين أساسيتين. القضية الأولى تثير مسألة البنيات الجديدة التي ينبغي أن تتأسس عليها الثقافة الوطنية ومؤسسة الدولة والنظام الاقتصادي ؟ أما القضية الثانية، فتطرح السؤال حول شكل إستراتيجية الاندماج الإقليمي والدولي الكفيلة بالإصلاح المنشود ؟
هذا الكتاب هو حصيلة تفكير متراكم خلال العقدين الأخيرين؛ وهي مرحلة تاريخية تميزت بتسريع مسلسل العولمة و " انفتاح" الاقتصاد المغربي وبتنامي المطالب الاجتماعية والثقافية والاجتماعية.
الكتاب، الذي يتكون من أربعة عشرة نص تم نشر بعضها مابين 1990 و2011، يتمفصل حول ثلاثة محاور. المحور الأول يشتمل على النصوص الأربعة الأولى ، ويسعى إلى فهم كنه العولمة ؛ والمحور الثاني، الذي يضم النصوص الثمانية التالية، يحاول تحديد انعكاسات العولمة على اقتصاد ومجتمع يواجهان مسبقا عراقيل وإكراهات داخلية. أما المحور الثالث، الذي يتألف من النصين الأخيرين، فقد خصص للتفكير في إعادة بناء الأسس الثقافية والمؤسساتية والاقتصادية وفي وضع استراتيجيات جديدة للاندماج الإقليمي والدولي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم