الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف انخدع المتعلمون فى أدعياء الليبرالية؟

طلعت رضوان

2017 / 6 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أعتقد أنّ من بين (آفات) المتعلمين المصريين، المحسوبين على الثقافة السائدة، أنهم يمنحون (شهادات) للبعض بصفتهم من التنويريين أومن الماركسيين أومن الليبراليين، كما فعلوا مع د. عبدالوهاب المسيرى الذى روّج لما أطلق عليها (العلمانية الجزئية) ليُـفرّق بينها وبين (العلمانية الشاملة) وذلك فى بعض كتبه ومقالاته. وأعتقد أنّ هذا التقسيم للعالمانية (بالألف نسبة إلى العالم الذى يضع البشر قوانينه) يصب فى خدمة الأصولية الإسلامية ، وهو ما عبّر عنه د. المسيرى إذْ قال ((إنّ المرجعية الإسلامية هى المجال أو الطريق الوحيد لحل مشاكل هذا المجتمع ، لأنّ أى مجتمع لابد أنْ يكون له مرجعية نهائية واحدة. ومن لم يكن عنده مرجعية نابعة من تراثه فسيستوردها من الآخر)) وهذا الاقتباس يُوضح دلالتين : الأولى أنّ سيادته مع الأحادية إذْ نصّ على (الطريق الوحيد) وكذلك على (مرجعية نهائية واحدة) وبالتالى فهو ضد التعددية. وإذا كانت الأحادية تعنى الانغلاق ، فإنّ الانغلاق يؤدى إلى تجمد الوعى الإنسانى ، الذى يؤدى إلى إجهاض أى تطور معرفى ووأد أية تنمية اجتماعية أو اقتصادية. أما أخطر ما يؤدى إليه الفكر الأحادى فهو التعصب وكراهية الآخر المختلف فلسفيًا أو دينيًا أو مذهبيًا . والتعصب هو الذى يفرز العنف والعنف المضاد .
فى الدلالة الثانية فإنّ سيادته يشطب وقائع التاريخ التى تؤكد أنّ تطور المجتمعات البشرية المختلفة (دينيًا وجغرافيًا) لم يتم إلاّ من خلال قاعدة التأثير والتأثر، وأنّ أغلب شعوب العالم لم تقف عند مرجعية واحدة ثابتة نابعة من تراثها ، لأنّ ذلك يعنى الجمود الذى يُكرس التخلف ، ويمنع التلقيح الثقافى بين الشعوب ، وهو المعنى الذى عبّر عنه العالم الكبير(إليوت سميث) الذى قال إنّ ((مصرليست مصدرالحضارة الأوروبية وحدها ، بل مصدرالحضارة فى العالم بأسره)) ونفس المعنى أكده العالم والفيلسوف (جوردانو برونو) الذى أحرقه قساوسة أتقياء حيًا عام1600 فى روما لأنه قال ((إنّ مصر مبدعة الكتابة والآداب وأساس كل تراثنا وشرائعنا))
يزعم د. المسيرى أنّ العالمانية الشاملة هى ((فصل لكل القيم عن مجمل حياة الإنسان ، وتنكر إنسانية الإنسان ، وأنّ فصل الدين عن الدولة يتجاهل البُعد الإنسانى والروحى إلخ)) فإذا كانت هذه الافتراضات صحيحة. وإذا كانت مبادىء العالمانية هى التى تسود فى أوروبا واليابان والهند إلخ فكيف تم الارتقاء بالبُعد الروحى لدى شعوب هذه الدول ؟ إنّ أحزاب الخضر التى ذكرها سيادته ليس لها دور فعال إلاّ فى الدول العالمانية . وأعضاؤها يتحدون حكوماتهم ضد تلوث البيئة. والمتطوعون الذين يذهبون إلى مناطق المجاعات والكوارث الطبيعية ويـُـقـدّمون المساعدات لضحايا الطبيعة والظلم الاجتماعى ويُخاطرون بحياتهم ، هؤلاء المتطوعون هم أبناء ثقافة العالمانية. ومنظمات حقوق الإنسان لم تنشأ إلاّ فى ظل العالمانية. وإدانة الحروب (فيتنام وغيرها) ومحاكمة المسئولين عنها ، قام بها فلاسفة عالمانيون (برتراند رسل ، وجان بول سارتر، وغيرهما) والمظاهرات القوية والمُـنظمة ضد العولمة وضد الرأسمالية المُتوحشة قامت بها شعوب آمنت بمبادىء العالمانية. والعلوم الإنسانية- التى تـُهذب النفوس وتـُعلى من القيم الروحية- أبدعها مفكرون عالمانيون .
حكى لى صديقى الراحل الأديب والمترجم لويس بقطر الذى عاش فى السويد أكثر من عشرين عامًا ، أنّ جارته السويدية كانت أمًا لثلاثة أطفال ومع ذلك ذهبتْ إلى الصومال وتبنــّتْ طفليْن . وقال ((كنتُ أراها وهى تضعهما على المرجيحة وتــُـداعبهما وتــُـطعمهما بيدها كما لو كانا قد خرجا من رحمها)) فهل هناك قيمة روحية أكثر مما فعلته تلك الإنسانة التى نشأت فى ظل نظام عالمانى؟ وماذا نقول عن الحضارة المصرية التى خرج منها أقوى وأهم القوانين (الضمير) لذلك وضع جدودنا عقوبة فى الحياة الآخرة لمن يتسبّب فى عذاب الزرع والطير والحيوان بحرمانهم من الماء . والمصرى القديم نظرًا لتقديره لقيمة العدالة أبدع خياله إلهة للعدل (ماعت) وذلك قبل الأديان وقبل ظهور مصطلح العالمانية بآلاف السنين . أما (بوذا) الذى لم يدع النبوة فقال ((إذا زرعتَ شجرة فلا تقطف كل ثمارها . أترك بعضها للإنسان العابر وللطير المهاجر)) وإذا كانت الأنظمة العالمانية فيها فساد أخلاقى (كما قال د. المسيرى) فهل خلتْ الأنظمة التى طبّقتْ الشريعة الإسلامية من الفساد الأخلاقى والسياسى والظلم الإجتماعى؟ منذ بداية الخلافة الإسلامية وحتى عصرنا البائس (تجربة السودان – نميرى والبشيرنموذجًا)
وفى حوار أجرته معه صحيفة القاهرة (14/2/2006) قال د. المسيرى ((إنّ فصل الدين عن الدولة هو العلمانية الجزئية)) { أى العلمانية التى يُدافع عنها } وبعد عدة أسئلة من المحاور هاجم د. المسيرى ما دافع عنه فقال إنّ شعار فصل الدين عن الدولة ((يتجاهل البُعد الإنسانى والروحى فى الإنسان إلخ)) وهذا التناقض يؤكد عداء سيادته للعالمانية حتى التى يُدافع عنها . وأنّ تقسيم العالمانية إلى جزئية وشاملة مجرد مدخل للدفاع عن الإتجاه الأصولى الذى يرفض أنْ يُـقنــّـن البشر تشريعاتهم التى تــُـنظم العلاقة فيما بينهم وبين سلطة الحكم ، وتضع الأسس العامة للنشاط الاقتصادى ولآليات إدارة المجتمع سياسيًا . هذا الإتجاه الأصولى أكده سيادته بصراحة ووضوح عندما قال فى الحوار المذكور عاليه ((أنا كمفكر إسلامى لا أرى غضاضة فى قبول ما أسميه العلمانية الجزئية إنْ كان يعنى (بعض) الإجراءات السياسية والاقتصادية ذات (الطابع الفنى) والتى لا تمس من قريب أو من بعيد المرجعية النهائية (أى الإسلامية) والملاحظ أنّ سيادته أصرّ على وضع كلمة (بعض) بالنسبة للسياسة والاقتصاد ووضع كلمات ((ذات طابع فنى))
بعد ذلك كان سيادته أكثر صراحة وهو يؤكد على توجهه الأصولى عندما دافع عن شعار (الإسلام هو الحل) لأنه ((يُجسّد رؤية بعض المفكرين الذين يقودون تيارًا سياسيًا مهمًا يؤمن بأنّ المرجعية الإسلامية هى الطريق الوحيد.. إلخ)) أى أنّ سيادته مع التيار الذى ينفى حق المواطنة عن غير المسلمين ، لأنّ المرجعية الدينية فى أى حكم هى ألغام فى حقول الوطن . ألغام تنفجر عند أى إحتكاك دينى لأى سبب ولأتفه سبب كما رأينا فى السنوات الماضية. فالأصوليون الإسلاميون يُصرون على تكفير غير المسلمين بالتطبيق لنص الآية رقم 17من سورة المائدة ، وعلى عدم تولية غير المسلمين على المسلمين بالتطبيق لنص الآية رقم 51من ذات السورة ، وعلى دفع الجزية بالتطبيق لنص الآية رقم 29من سورة التوبة. كما أنّ المرجعية الدينية فى الحكم لا تضر غير المسلمين فقط ، وإنما تضر المسلمين الذين ينقسمون إلى سنة وشيعة. وتــُـطيح بحق المرأة المسلمة فى ولاية الحكم ، ناهيك عن حق الإبداع فى العلوم الإنسانية والطبيعية.
وإذا كان المفكرون الأحرار يسعون إلى استقرار مجتمعاتهم ، الاستقرار الذى يتأسّس على قيم الجمال والحب والتسامح الفلسفى الذى يعنى قبول المختلف ، أى القبول المُتبادل رغم اختلاف المُعتقد أو المذهب ، فهل هذا الاستقرار تــُـحققه (العلمانية الجزئية) ذات المرجعية الإسلامية فى مجتمع مــُـتعدّد الأديان والمذاهب والمعتقدات ؟ وبالتالى هل يتحقق مبدأ المساواة وعدم التمييز على أساس دينى ؟ وهل تلك العلمانية الجزئية تسمح بالتشريع الوضعى المُعبّر والمُـترجم الحقيقى لقانون تطور المجتمعات البشرية ؟ إنّ أول حرف فى العالمانية التى حققتْ الاستقرار الاجتماعى هو فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية ، وليس فصل الدين عن المجتمع كما يزعم الأصوليون فى كل دبن .
إنّ شعار(الإسلام هوالحل) يعنى التطبيق الحرفى لنصوص القرآن فى شئون الحكم ، وهو شعار يتجاهل أصحابه الاختلافات العميقة والجذرية بين الفقهاء منذ 14قرنـًا وحتى الآن . وتجاهلهم لقانون التغير، وأنهم مع المطلق ضد النسبى . ولن أستشهد بمفكرى عصورالتنوير العظام أمثال هوبز، لوك ، روسو، وفولتير إلخ الذين حملوا لواء الارتقاء بالإنسان من خلال دفاعهم عن مبادىء العالمانية التى تؤمن بالنسبية ، وإنما أستشهد بالعلامة الفارسى الشهرستانى (1086- 1153) المُحقق فى الفقه والكلام والأديان ومؤلف العديد من الكتب أشهرها (الملل والنحل) الذى قال ((إنّ الحوادث والوقائع والتصرفات يصعب حصرها . ونعلم قطعًا أنه لم يرد فى كل حادثة نص ، ولا يُـتصور ذلك أيضًا ، والنصوص إذا كانت مُـتناهية ، فإنّ الوقائع غير مُتناهية ، وما لا يتناهى ، لا يضبطه ما يتناهى))
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا