الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب والإرهاب المضاد، والعواقب غير المقصودة

عبدالخالق حسين

2017 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


من البديهي أن العقول الشريرة تبتكر أفكاراً وطرقاً شريرة، ولهذا يبتكر الإرهابيون، أصحاب العقول الشريرة، بين حين وآخر، طرقاً جديدة في تنفيذ إرهابهم حسب ما تتطلبه ظروف البلاد التي يريدون تنفيذ العمليات الإرهابية فيها، لإلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى والضرر بالأبرياء، وتحقيق أوسع دعاية لهم. فبالإضافة إلى استخدامهم الأسلحة التقليدية، ابتكروا التفجيرات الانتحارية. وفي الأماكن التي يصعب عليهم الحصول على المتفجرات وغيرها من الأسلحة التقليدية، اخترعوا أخيراً طريقة جديدة لم تكن في الحسبان، وهي استخدام الشاحنات في الأماكن المزدحمة لدهس المارة الأبرياء في المدن الأوربية. والجدير بالذكر أن أول عملية إرهابية من هذا النوع، حصلت في مدينة نيس الفرنسية عام 2016 التي قتل فيها 84 شخصاً، وأصيب نحو 100 شخص. ثم تكررت الطريقة الإجرامية ذاتها في ألمانيا ولندن هذا العام.

تفيد القاعدة الفيزيائية أن "لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، ومعاكس له في الاتجاه". هذا القانون نجده في العلوم الاجتماعية أيضاً. فالإرهاب الوهابي التكفيري لا بد وأن يؤدي إلى ردود أفعال مضادة، يحترق فيها الأبرياء. فإثارة الأحقاد الطائفية والعنصرية تنتج ذات المشاعر لدى الأطراف الأخرى. فسلاح مشايخ الإرهاب الإسلامي الوهابي هو إثارة العداوة والبغضاء ضد غير المسلمين، وحتى ضد المسلمين من أتباع المذاهب غير الوهابية السلفية، وإقناع أتباعهم من منفذي الإرهاب المغرر بهم، أن أعداءهم هم أعداء الله، وهم دون مستوى البشر، ولا يستحقون الرحمة والحياة، وإرهاب هؤلاء وقتلهم يقرب المنفذين إلى الله. لذلك نرى خطباء المساجد يصرخون ليل نهار (اللهم إهلك اليهود والنصارى)، وأضاف شيوخ الوهابية إليهم الشيعة أيضاً، ويعتمدون في ذلك على النصوص الدينية من الكتاب والسنة: مثل قوله: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، تُرهِبون به عدوّ الله وعدوّكم."
ومن علامات رد الفعل هنا، هو ما نلاحظه بعد كل عملية إرهابية في المدن الأوربية، تصاعد موجات الكراهية ضد الجاليات الإسلامية، ومعها وقوع اعتداءات على المساجد، وعلى الناس من ذوي الملامح العربية والإسلامية.

وهذا ما حصل بعد منتصف ليلة 18/19 حزيران الجاري. حيث أفادت الأنباء أن شاحنة صغيرة "فان" دهست عددا من المارة ما أسفر عن مقتل شخص واحد، وجرح 8 آخرين بالقرب من مسجد في منطقة فينسبري بارك، شمال لندن، حيث صعدت الشاحنة على الرصيف وصدمت مجموعة من الناس، ويُعتقد أن معظم الضحايا من المسلمين الذين كانوا يؤدون صلاة التراويح في المسجد. ومجلس مسلمي بريطانيا يقول إن الشاحنة دهست مصلين "عمدا" واعتقلت الشرطة مشتبها به، 48 عاماً، وهو رجل أبيض.(1).

وهذا يعني أن المشتبه به هو على الأغلب إنكليزي قام بهذه العملية انتقاماً لضحيا العمليات المماثلة (استخدام الشاحنات)، التي قتل فيها أبرياء من غير المسلمين من قبل الدواعش. هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية وغيرها كثير، هي (النتائج غير المقصودة لأعمال مقصودة)، حسب تعبير آدم سميث.
وفي تعبير ماركس: "يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم وبوعي، ولكن النتائج غالباً على غير ما يرغبون."
فلو تأملنا مصدر الإرهاب وأسبابه، لوجدنا سلسلة من الأحداث والأعمال و الأعمال المضادة، على شكل سلسلة من التفاعلات النووية (chain reactions)، والتي قام بها القادة السياسيون المتنفذون ومشايخ الوهابية في الشرق والغرب... وهي على الشكل التالي:
قام عسكريون أفغان بإنقلاب عسكري على الملك محمد ظاهر شاه في أفغانستان عام 1978. و من ثمَّ قام الشيوعيون بالانقلاب على الانقلاب الأول، و اعلنوا الحكم الشيوعي الذي واجه حركة عصيان مسلحة من قبل الإقطاعيين ورجال الدين، مما اضطر النظام الشيوعي الاستعانة بالسوفيت لحمايته، فحصل الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، الأمر الذي دفع أمريكا وبريطانيا، وبدعم من باكستان والسعودية والدول الخليجية الأخرى، بتشكيل التنظيمات الإسلامية الجهادية بما فيها القاعدة وطالبان. وبعد الانسحاب السوفيتي وتفككه، وسقوط الحكم الشيوعي في أفغانستان عام 1992، وأخيراً سيطرت طالبان على الحكم، وعاد المجاهدون "الأفغان العرب" بمن فيهم الأوربيون، إلى بلدانهم فمارسوا إرهابهم فيها. ولم يسلم من هذا الإرهاب حتى البلدان الخليجية التي مولت هذه التنظيمات. ولعل أخطر وأكبر ما حصل هو كارثة 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا.
والآن الإرهاب الذي أسسته أمريكا وبريطانيا لمحاربة الشيوعية في أفغانستان راح يهدد أمن وسلامة الشعوب في كل مكان وبالأخص الشعوب الغربية. وهذه هي "العواقب غير المقصودة لأعمال مقصودة". لا شك أن هذا المد الإرهابي لا يمكن القضاء عليه بين عشية وضحاها، بل سيستغرق أجيالاً، لأنه مثل فرانكنشتاين الذي خرج عن سيطرة خالقه وانقلب ضده.

لقد حاول المسؤولون الغربيون وعلى رأسهم باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، تجنب الربط بين الإرهاب والإسلام، مجاملة واحتراماً لمشاعر المسلمين. ولكن لهذا الصبر حدود، فبعد العملية الإرهابية الأخيرة، قالت السيدة تريزا مي، رئيسة الحكومة البريطانية:"Enough is enough"، أي كفاية. وهذا تحذير ودعوة لأئمة المساجد وقادة الجاليات الإسلامية في الغرب، أن يقوموا بواجبهم في وقف هذا الإرهاب، وإلا ستكون العواقب وخيمة عليهم وعلى الجميع. وتفشي الإرهاب الإسلامي، وموجات اللاجئين، هما سبب تصاعد الأحزاب اليمينية في أوربا وعلى سبيل المثال، فقد صعدت نسبة الأصوات لزعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة إلى 33.9% في الجولة الثانية. وهذا يدق ناقوس الخطر.

والجدير بالذكر أني ختمت مداخلتي في مؤتمر روما "لإصلاح الإسلام" عام 2012، بالتالي:
"إذا ترك الوضع على هذه الحالة ولم نتخذ، نحن من خلفيات إسلامية، إجراءات لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، وربما سيؤدي في المستقبل إلى انفجار الوضع، وظهور أحزاب نازية وفاشية تستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل لنا تماماً كما حصل ليهود أوربا، وفي هذه المرة يكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة."(2)
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــ
روابط ذو صلة
1- شاحنة صغيرة تدهس عددا من الأشخاص "لدى خروجهم من مسجد" شمالي لندن
http://www.bbc.com/arabic/40322850

2- د. عبدالخالق حسين: غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=557








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة