الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مابين رصيف وحانة

سعد محمد موسى

2017 / 6 / 19
الادب والفن



بعد يوم قضيته متسكعاً ما بين السير على ضفاف نهر يارا وزيارة لبعض قاعات المعارض التشكيلية والاستماع أيضاً الى موسيقى الشارع وفنون المهرجين حتى
أدركني الليل.. فقصدت ترام رقم 86
الذي يمر بمحلة سكني في "كولنكووّد"
وبعد عشرة دقائق وصل الترام ونزلت
قبالة محلات التسوق " ولويث"
فطالعني فوق رصيف الشارع شبح الفتاة البوهيمية المغرقة بالصمت والحزن ذات الوجه النحيف والبائس المتشح بمعالم البراءة والخوف والعفوية
عازفة النايّ بملابسها البسيطة وهي تفترش شارع سميث ستريت بصحبة كلبها الاسود الوديع والهادئ بينما دراجتها الهوائية كانت مركونة أمام بوابة الاسواق المركزية.
فهام بيّ حينها الوجد لدى سماعي تراتيل النايّ.
ثم القيت بدولار مثل بقية العابرين أمام الفتاة البوهيمية وعبرت نحو الرصيف الاخر بينما كان صدى أنين الناي يلاحق مسامعي وهو يتوارى في معطف الليل.

قصدت زاويةِ مقهى الشاعر والتي كنت من روادها
وكان تمثال الشاعر الاسترالي "أدريان راويلنز" يطل على رصيف المقهى
في "شارع برانزيويك"
انه شاعر العبث والتسكع والفضاءات ودرويش أزقة شوارع مدينة ملبورن
كان أدريان يرسم خرائط الضياع على الارصفة ِ ويغني أمام بوابات الحانات ويهذيّ
بالشعرِ مدمدماً مع ظلهِ الراقص بموسيقى الجاز والبلوز وهو يبحث عن أسرارِ الغابات وأرض الاحلام بين قفزات الكناغر وأساطير الأبورجنيز وسواحل الجزر الوحشية النائية.
كانت ليلة أدريان الأخيرة والتي أمضاها بين حواريه الصعاليك في عدة حانات بعد أن ودع ظله الذي عشق الليل والمدينة ووصايا البوهيميّن كقمرٍ أدمن على أفيونِ الليلِ.
ليلتحق الى حانةٍ أخرى في الأقاصي البعيدة حيث أصدقائه الصعاليك بإنتظارهِ كي يلتحق بهم.
وتذكرت قرب التمثال أيضاً عراب شارع أبو نؤاس وأزقة الرشيد المتوّج بأخر أسمال الملك الآشوري جان دمو وكذلك صاحب القصائد العارية المتمرد حسين مردان وسيزيف التشرد واللعنة عقيل علي وعبد الامير الحصيري ورشدي العامل وعبد الحسن الشذر والكثير من شعراء الوجع والتسكع ..ثم عرجت نحو الحانة الاسبانية في الشارع المقابل .. فجلست في إحدى زوايا البار القريبة من حلقة الرقص التي كان يبرع بها راقصان وهما يؤديان رقصة الفلامنكو بصحبة عازفيّ القيثارات الذين يضيفون لمسات اسبانية ساحرة وسط الحانة المظلمة التي تضيئها من زوايا المنصة مصابيح حمراء وزرقاء وصفراء تنعكس على اجساد الراقصيّن.. تأملت بالراقص الاسباني ذو الملامح السمراء فذكرني بشكل الشاعر الاسباني "غارثيا لوركا" بشعره الفاحم اللماع .. وفوق ملامح وجهه كان العرق يتصبب فكان يرقص بعنفوان ويضرب باقدامه برشاقة وبقوة فوق أرضية الحانة الخشبية مثل ثور شبق.. بينما الفتاة المغناجة بملامحها الاندلسية وفستانها التقليدي الاحمر وهي تحرك بجسدها المغري كأفعى شهوانية بايحاءات مثيرة وانسيابية متناهية ومذهلة وهي وترفع بطرف فستانها مرة أو بذراعيها وتضرب على الصنوج باطراف أصابعها.. فيتعالى خلالها تصفيق وصراح رواد الحانة السكارى بالموسيقى والرقص والخمرة وذكريات ليالي الاندلس.
كان الجميع في الحانة يظنوا باني اسباني وبعض النساء كانت تتحارش بيّ بلاطفة
"هولا سنيور":
وانا أرد بلغة انكليزية مهذبة: عذراً أنا لا أجيد التحدث باللغة الاسبانية.
وفي الهزيع الاخير من الليل .. غادرت الحانة بينما موسيقى الفلامنكو مازالت تصدح في الحانة الاسبانية القديمة.

كنت أتأمل بمساء الظلِ الحزين
وهو يودع الرصيف
مثل مزمار البوهيمة الذي ترك صداه
وهو يبوح بأخر أناشيده
أما آن لهذا القلب أن يرتاح
أو للخطى الحائرة أن تدرك الطريق
يا لوحشة الليالي المترعة بالخمر


اشعر ان هنالك جرح أبدي في تضاريسِ روحي ينزف دائماً مثل نهر بينما أنا في عزلتي أسعى لتضميد هذا الجرح الموجع وتخديره بترياق الحب والخمرة والنوم مرة أو بالرسم والموسيقى والشعر والتسكع بين الحانات مرات أخرى
وكم حاولت أن أتصالح مع كل هذا الحزن أيضاً وأنا أحاول أن أرتب له غرفة أنيقة في دار وحشتي كي يستريح بها منيّ أو أستريح منه قليلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??