الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخب المصرية، وحلم ال-شعبوية-!

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2017 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية




تُعَد التنظيمات المستقلة العدو الاول للشعبوية؛ إذ يتسم الزعيم الشعبوى بالهوس بالسيطرة على كامل السلطة. ويرى الشعبويون أن الديمقراطية هي التي تقود إلى الفوضى والخراب، ويشكل المجتمع المدني النشط وسيلة أكيدة للخراب والعمالة. وبالتالي، يلتزم القادة الشعبويون بالحد من حرية النشاط المستقل. وهدفهم السياسي الأسمى، ليس ترسيخ النظام، بل التبعية المطلقة لهم من قبل كل القوى التي قد تشكل تهديداً لسيطرتهم المطلقة: المحاكم، وسائل الإعلام، والمؤسسات الثقافية، والتنظيمات الحزبية والنقابية المستقلة، والمنظمات غير الحكومية .. الخ. ان سلاح القمع الذى تستخدمه "الشعبوية"، هو السلاح الذى يرتد على "الشعبوية نفسها" فيسقطها. وهو ما ينطبق، بأشكال مدهشة، على كل النخب المصرية، سلطة و"معارضة".


ان الطبقة الطفيلية التى تشكلت منذ52 من القرن الماضى، والتى تلقت دفعتها الاولى بعد اجراءات التأميم البيروقراطية فى 61، من نفس القرن، حيث وجدت ملجأها فى الانشطة الغير انتاجية، والتى، بالاضافة للارباح السريعة الطائلة التى تحققها، هى ايضاً تجعلها متوارية عن اجرات التأميم والمصادرة، وهى تمثل فى الوقت نفسه القاعدة الاجتماعية المحلية للاحتكارات العالمية متعددة الجنسية، ثم كانت انطلاقة الطبقة الطفيلية الكبرى، بدءاً من بدايات الطور التالى لسلطة يوليو 52 الممتدة، بعد الهزيمة القاصمة فى 67، والاعتراف بأسرائيل، واستيعاب درس "العودة الى الحظيرة، بأكثر الاشكال قسوة، والعودة لبداياتها الاولى فى الارتباط بهيمنة الاحتكارات العالمية متعددة الجنسية، بقيادة امريكية، مرة اخرى، تللك المرحلة التى اسست لها فى العمق، المرحلة الاولى، "الناصرية"، بغياب المشاركة والرقابة الشعبية، بغياب الديمقراطية، البند الغائب من مبادى يوليو 52، "اقامة حياة ديمقراطية سليمة"، والاستحواذ على كل السلطات. تلك الديمقراطية التى ما زال البعض حتى الان يرى ان الديمقراطية هى رفاهية لاتتناسب مع الاوقات الصعبة التى يمر بها الوطن بـ"الظروف الاستثنائية"، والتى لم تكن يوما استثنائية باى معنى، بل كانت ومازالت هى القاعدة!. هذا الغياب التام للديقراطية، هو نفسه الذى سمح للسادات بتغير اتجاه الدفة، بكل سهولة ويسر. لتبدأ مرحلة جديدة من التبعية للاحتكارات العالمية متعددة الجنسية، بقيادة امريكية ، ولتستمر الى ما تلاها من اطوار "تطور" سلطة يوليو الممتدة. فلم تصمد "شعبوية" عبد الناصر امام "شعبوية" السادات، الذى حملها على الاعناق "التحالف السرطانى"، "الطبقة الطفيلية وطبقة الاسلام السياسى".


هذه الطبقة الطفيلية التى اخذت تتسع بشكل سرطانى، وبحكم طبيعتها الوظيفية، خارج عملية الانتاج الاجتماعى، لا ترتبط باى اهداف او قيم وطنية او قومية، سواء فى السياسة او الاقتصاد، كما فى كل اشكال الانتاج الفكرى، ثقافة، فنون .. الخ، ولا تعرف الولاء الوطنى او الانتماء القومى، الممثلة فى رأسمالية التوكيلات والسمسرة والخدمات والسوق السوداء والاقتصاد الغير شرعى .. الخ، عندها لا يمثل الوطن سوى سوق لجنى الاباح المادية!، مثلها فى ذلك مثل حركات الاسلام السياسى، حركات "طظ ف مصر"، التى لا تعترف بالوطن، وانما بالخلافة والدولة الاسلامية، رغم كل ادعاءاتها بالايمان بدولة المواطنة!، وهو ما يمثل الاساس الفلسفى الذى بموجبه يقوم المتطرف "المسلم" المصرى، يقتل المسيحى المصرى، حيث انه ليس المهم انه انسان مصرى، انما المهم انه صاحب ديانة مختلفة، اذاً فهو يستحق القتل!، عندها لا يمثل الوطن سوى سوق لجنى الاتباع!، ان الانتشار السرطانى فى المجتمع المصرى لحركات الاسلام السياسى، بدءاً من هذه الحقبة، "حقبة السادات"، لم يكن مجرد صدفة، انه الالتقاء "الموضوعى" بين اليمين المدنى واليمين الدينى، وكلً منهما، "الطبقة الطفيلية وطبقة الاسلام السياسى"، "التحالف السرطانى"، لا تكن اى تقديس لارض الوطن، ارض الاباء والاجداد، فالاولى (الطفيلية)، تقدس ارض "البزنس"، والثانية (الدينية)، تقدس ارض "الاسلام". ان التقديس الوطنى اخذ يتلاشى، والذى كان الدعامة الاساسية للايديولجية "الشعبوية" لسلطة يوليو ونجاحاتها، فى طورها الاول، عبد الناصر، والذى اخذ يتلاشى فى الطور التالى، طور "شعبوية" السادات، كما فى الاطوار الاحقة.


مع تزايد الانتشار لهذا "التحالف السرطانى"، "الطبقة الطفيلية وطبقة الاسلام السياسى"، وتزايد نفوذهما السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والفنى، فى المجتمع المصرى، كان لابد ان يوجد من يمثله فكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وفنياً، لتنشأ فئة من النخبة المصرية، "المفكرين، السياسين، والمثقفين، والفنانين والمتعلمين"، المعبرة عن هذا "التحالف السرطانى" بين اليمين المدنى واليمين الدينى، لتبدأ مرحلة جديدة من "شعبوية" سلطة يوليو، "مرحلة السادت"، ولتتوارى "شعبوية" الحقبة الناصرية".



ثأر الاخوان، وحلم "شعبيوية" شعار "عودة الشرعية"!

التقت على المستوى الوطنى، لحظة اعادة السادات لتيار الاسلام السياسى، وفى المقدمة منه جماعة الأخوان المسلمين، لاستخدامهم كرافعة لتحويل المسار، من "الاشتراكية العربية" الى الراسمالية، استجابة لشروط هزيمة 67، كما التقت هذه اللحظة، على المستوى الاقليمى، مع مصالح الأنظمة العربية الرجعية فى معركة وجودها مع التيار اليسارى والقومى الناصرى، الصاعدان فى المنطقة العربية خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضى، واللذان يهددان وجود هذه الانظمة الرجعية، كما التقت نفس اللحظة، على المستوى الدولى، مع مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتى، والتى استخدمت فيها امريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، جماعات الاسلام السياسى كسلاح "مضمون" فى مواجهة الاتحاد السوفيتى الشيوعى الكافر.

ظل الاخوان على مدى تاريخهم، سلاح يمكن استخدامه، فالاخوان دائماً على استعداد للاستخدام محلياً واقليمياً ودولياً، فبسبب حالة "الفصام الوظيفى" التى تتميز به الفلسفة البراجماتية، ظل الاخوان يستخدمون من قبل كافة الاطراف التى على استعداد لعقد صفقات معهم، فحالة "الفصام الوظيفى" تجعلهم دائماً غير مؤمنين بالشعب، انهم يؤمنون فقط بجماعتهم وعشيرتهم، فكما هم يستسيغون ان يستخدموا من الغير، فهم يتوقعون من الغير، "الشعب"، ان يقبل ان يستخدموه "عادى"!.

قبل 25 يناير 2011 كان هناك تفاهم بين نظام مبارك والاخوان، فيما عدا بعض المناوشات، كان امن الدولة على اتصال وثيق بقيادات الاخوان، ولكن مع نزول الملايين الى الشوارع والميادين، "زغللت" سلطة حكم مصر، فى أعين الاخوان، فباعوا الثورة "الشعب ف الميدان"، وهرولوا نحو كرسى الحكم، تحت شعار "الثورة ف البرلمان مش ف الميدان"، وكان ذلك، هو المخرج المنقذ للنظام من ورطة يناير، فلم يكن الاخوان ابداً خارج السيطرة، ولكن "لحظة" التقائهم بالملايين فى الشوارع والميادين، كانت اللحظة الاستثنائية من القاعدة، ولان الاوضاع الاستثنائية، تحتاج الى حلول استثنائية، فقد كان، وفتح الطريق امام الاخوان لحكم مصر!، ولكن حكم تحت السيطرة، معروف وقت بدايته، ومعروف وقت نهايته، وكانت سنة واحدة، سنه بائسة، استطاع خلالها النظام ان "يفعل" فى الاخوان، ما لم يستطع فعله على مدى 60 عاماً!. ولكن المدهش ان الاخوان مازالوا يعولون على اللعب على مشاعر الجماهير واحلامهم المشروعة، التى باعوها امام اول فرصة لاحت لهم، او هكذا تصوروا، للاستيلاء على السلطة، فمازالوا يعولون على "شعبوية" شعار "عودة الشرعية"!.



حلم القوميين، بالعودة لـ"شعبوية" عبد الناصر!

اننا لا نتحدث هنا عن السمات الشخصية الكربونية، لمعظم قيادات النخبة السياسية القومية الناصرية المصرية، المنطبعة بنسخة "شخصية"، اما لعبد الناصر، او "للاستاذ" هيكل، او لكلاهما، فى كل المفرادات الشخصية تقريباً. انما نتحدث هنا عن الحلم المزمن بعودة "شعبوية" حقبة عبد الناصر، "الثبات على المبدأ"، فى تجاهل تام،للحقيقة العلمية، بان طبيعة السلطة، انتماءاتها الطبقية والايديولوجية، هى التى تحدد افق تطورها المستقلبى، لذا فان طبيعة سلطة يوليو، المكونة فى أغلبها من ابناء الشرائح المتوسطة والعليا من الطبقة البرجوازية "الوسطى"، الريفية والمدنية، هى التى حكمت على نفسها، بحكم محدودية خبرتها السياسية، حكمت على نفسها بمحدودية الانجاز وتذبذبه، حكمت على نفسها عندما حرمت على الجماهير حق التنظيم المستقل، عندما ابعدت ومنعت النخب ذات الشخصيات المستقلة، من حقها فى المشاركة الفعالة فى بناء وطنهم، باصرارها على الاستحواذ على كامل السلطة، وعلى فرض رأيها الواحد، حيث "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، ودائماً هناك معركة!، ووفقاً للمثل الشعبى: "الطمع يقل ما جمع"، فكان الفشل المزمن قدرها!.




اما النخب اليسارية والليبرالية المصرية، فيبدو انهم مازالوا خارج الخدمة، خارج حسبة القوى الرئيسية المؤثرة فى ميزان القوى الحالى.



السيسى يضحى بالـ"شعبوية" عشان "مصر" تعيش!

كل تصريحات الرئيس السيسى تؤكد على ان، النخبة السياسية الحاكمة، "فريق السيسى"، قد اقدمت على "مغامرة"، مفترض انها محسوبة، لاحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد والسياسة. وحيث ان المواجهة الجذرية، لاكبر مؤسسة فى مصر، مؤسسة الفساد، تهدد نظام الحكم نفسه، هكذا يعتقد، فكان الاقرب، وفقأ لتوجهات المؤسسات المالية الدولية، حاكمة العالم، التوجه الى الدعم، خط الامان الاخير للغالبية العظمى من الشعب المصرى، والذى لا تمثل قيمته المالية، سوى جزء يسير من القيمة المالية لشلال الفساد، بخلاف خسائره الغير مباشرة، المتمثلة فى تأثيره المدمر على الروح المعنوية للشعب، وبالتالى على الانتاج القومى.

ان المخرج الوحيد امام نظام السيسى، هو اطلاق الطاقات الخلاقة للشعب المصرى، صاحب الحضارة العظيمة، وفتح المجال العام امام شرفاء الوطن للمشاركة الفعالة فى بناء وطنهم وحمايته، واعلان حرب شاملة على الفساد، لاتستسنى احداً، عندها فقط، يمكن احداث نقلة "مضمونة" فى الاقتصاد والسياسة.

ان الحماية الحقيقية الوحيدة لنظام السيسى، كما لاى نظام آخر، هو التفاف الجماهير حوله، لتكون الحامى الحقيقى له فى مواجهة اى مخاطر داخلية، او خارجية، حال اتخاذه سياسات تنحاز للمصالح المباشرة وغير المباشرة للغالبية العظمى من الشعب، الشعب الذى لايمكن ان يكتسب وعيه وقوته الا من خلال حريته فى التعبير وممارسة حقه فى تشكيل تنظيماته المستقلة، وعى حقيقى بدون شعبويه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة 52
نايف المحمود ( 2017 / 6 / 23 - 05:03 )
الكاتب من جماعة فؤاد سراج الدين
مات عبد الناصر العدو رقم 1 للإمبرياليى يسدد أقساطاً للبنك من راتبه
الكاتب يستنكر نضال الشعب المصري من أجل التحرر والاستقلال
هذا كلام سبقوك إليه أعداء الشعب عملاء الاستعمار

اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على