الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيادة قطر في الميزان

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 6 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ثمانية عشر يوما من الحصار الظالم ، الذي تفرضه مماليك الخليج ، برئاسة آل سعود ( المملكة العربية السعودية ) ، وآل نهيان ( الإمارات العربية المتحدة ) ، إضافة إلى الانقلابي السِّيسي ( مصر ) ، ومشيخة البحرين الملحقة للسعودية ، و بعد تشكيك وزير الخارجية الأمريكية عُراب المماليك في الهدف من الحصار ، ومُلّحاً على الدول المحاصرة لقطر ، ان تتقدم وفي اقرب وقت بقائمة المطالب ، لم تجد هذه في ردها ، سوى التقدم بقائمة ، الهدف منها إذلال قطر ، ومسِّها في سيادتها وكرامتها ، وكأنها إمارة من الإمارات التابعة للإمارات العربية المتحدة ،او مقاطعة تابعة للسعودية .
وقبل ان نتناول الموضوع ، يتعين ان نطرح السؤال : هل ما قامت به السعودية والإمارات حيال قطر ، هو مقاطعة كما يدعي المقاطعون ، أم ان الإجراء يتعلق بحصار ، وهو ما يعني ان هذه الدول هي في حالة حرب ، او هي على وشك حالة الحرب مع قطر ؟
من خلال تتبع كل المشهد من بدايته والى الآن ، فان الإجراء المتخذ من قبل هذه الدول ، لا علاقة له بالمقاطعة ، بل هو حصار ظالم الهدف منه ، تَرْكِيعُ القيادة القطرية ، وإخضاعها لإملاءات منظومة دول مجلس التعاون الخليجي ، والتي أهمها اعتبار إيران عدو أساسي .
ان المقاطعة لا تصل الى إغلاق الممرات البحرية ، والأجواء ، والطرقات ، وكأن المنطقة في حالة حرب ، او هي على وشك الحرب . ان المقاطعة تعني مقاطعة بعض ، او كل الأنشطة التي تقام في الدولة المفروضة عليها المقاطعة ، مثل مقاطعة دورات تدريبية رياضية ، او دورات تكوينية علمية ، او لقاءات فنية من لقاءات سينمائية ومسرحية ، او مقاطعة المنتجات والسلع ، سواء بمنع التصدير او حجب الإستيراد . والمقاطعة لا تصل أبدا الى قطع العلاقات الدبلوماسية ، وشراء ذمم الدول الفقيرة لقطع علاقاتها مع الدولة موضوع المقاطعة ، مثل ليبيا التي تحكمها المليشيات ، والأردن ، والتشاد ، وجيبوتي ، واليمن الذي تحارب فيه وحدة قطرية ضد صالح والحوثيين . فالمقاطعة لا تسبب ولا تؤدي الى خلق أجواء الحرب او التحضير لها ، بل تعني التأثير اقتصاديا ، او فنيا ، او رياضيا ، او اقتصاديا ، على الدولة موضوع المقاطعة ، ولا تصل الى حد التجويع والإذلال .
أمّا الوضع الحاصل اليوم بالمنقطة ، فهو حصار بما في كلمة الحصار من معنى لدولة قطر ، لان السِّمة الغالبة ، إضافة إلى الإضرار الاقتصادي والاجتماعي ، وتمريغ انف المواطن القطري في أكثر من الوحل ، هي السّمة العسكرية حيث دق طبول الحرب الرامي إلى غزو الإمارة ، و التحريض على قلب نظام الحكم ، بتغيير أمير بأمير آخر مطواع ، ومسالم ، وخنوع لكل أملاءات السعودية والإمارات .
ان إغلاق الممرات البحرية أمام البواخر القطرية ، وان إغلاق الأجواء أمام الطائرات القطرية ، و إغلاق المعابر الحدودية ، وقطع العلاقات الدبلوماسية ، هو حصار وليس بمقاطعة . وإذا كانت السعودية والإمارات تبرر هذا الإجراء بالأعمال السيادية ، فان هذا الإجراء الظالم ، هو مخالف للقانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول ، وينظم الممررات المختلفة ، من بحرية ، وجوية ، وأرضية .
وبالرجوع الى مطالب الدول المحاصرة لقطر ، يتبين أنها لا علاقة لها بما يسمى بالإضرار الناجمة عن مساندة الإرهاب ، ولا بتهديد قطر الدويلة الصغيرة ، لاستقرار ولأمن الخليج ومصر ، بل إن لها علاقة بالحكام أنفسهم ، خوفا على عروشهم المبنية على القهر ، والتسلط ، والطغيان . وهو ما كان يخلق المصاعب لهؤلاء الحكام أمام شعوبهم ، حين يتم فضحهم بعلاقاتهم المشبوهة مع أعداء الأمة ، او تآمرهم المفضوح ضد جبهة المقاومة ، او ضلوعهم المشين في جرائم حقوق الإنسان .
وبالرجوع الى قائمة المطالب التي قدمتها أنظمة الحصار الظالم لحل ما أسموه ب ( الأزمة الخليجية ) ، سنجد أنها كلها تتعلق بحرية التعبير ، وبحرية الصحافة ، وبالاستقلال والسيادة والقرار الوطني المستقل ، ومن ثم لا علاقة لها بموضوع الاتهامات المغرضة التي وجهوها لقطر من قبيل تهديد السلم والسلام بالخليج . فهل قطر الدويلة الصغيرة تهدد امن مصر ، ام تفضح الدكتاتور السيسي ، وما علاقة قطر بما يجري اليوم بالبحرين حيث معارضة النظام ( السني ) شيعية ، وما علاقة قطر باليمن ، حيث لها كتيبة تقاتل إلى جانب الحكومة ضد الحوثيين الشيعيين وضد قوات صالح ، وما علاقة قطر بما يجري اليوم بليبيا التي تحكمها المليشيات ، وهل أصبحت قطر تهدد الأردن المتخندق مع المشاريع الامبريالية والصهيونية ، وسورية ، والعراق ، والتشاد ، ودجيبوتي ، وموريتانيا ....... الخ فهل قطر أصبحت طَرْزَانْ زمانه .
تضم قائمة المطالب :
--- إغلاق قناة الجزيرة ، وكل فروعها ، وكل القنوات المرتبطة بها .
--- خفض العلاقات الدبلوماسية مع إيران .
--- إغلاق القاعدة العسكرية التركية بقطر .
--- قطع العلاقات مع المنظمات الإرهابية العقائدية ، والإيديولوجية ، والطائفية من الإخوان المسلمين ، الدولة الإسلامية ( داعيش ) ، القاعدة ، حزب الله اللبناني ، حزب الله العراقي ، جبهة فتح الشام فرع القاعدة سابقا بسورية
--- تسليم جميع المطلوبين لحكوماتهم ، وليس للمحكمة الجنائية الدولية ، اي الشخصيات المعارضة للأنظمة التي تقود الحصار ، الى حكومات بلدانهم .
--- والخطير التهديد الموجه الى قطر بعد التشديد على تطبيق المطالب في عشرة أيام من تاريخ تقديمها ، وإلاّ أصبحت لاغيةً .
لقد ألحّ وزير الخارجية الأمريكي على ضرورة إسراع دول الحصار ، في تقديم مذكرتها ، او قائمة مطالبها ، لكنه ألحّ كذلك ، على ان تكون تلك المطالب منطقية ومعقولة . فهل ما تضمنته القائمة التي قدمتها الكويت الى قطر من مطالب هي واقعية ومنطقية ؟ .
ان إغلاق قناة الجزيرة ، هي جريمة ضد الإعلام ، وضد حرية التعبير ، وضد الصحافة ، وهو مطلب مُدانٌ من أصله ، وعلى قطر ان ترفض نقاشه ، لان الواقفين وراءه هم دكتاتوريون ، مستبدون ، وطغاة ، يكرهون حرية التعبير ، وحرية الصحافة ، و هم ضد الراية الآخر . فهل واشنطن ، وباريس ، ولندن ، وكل العواصم الغربية ، باستثناء إسرائيل ستقبل بهذا الطلب المرفوض أصلا ؟
وهل ستقبل به لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، وكل منظمات حقوق الإنسان الدولية ، من منظمة العفو الدولية ؟ الى هيومان رايتش ووش ؟
وهل هو مطلب عقلاني منطقي وواقعي ، كما ألحّ على ذلك وزير الخارجية الأمريكية ؟
وبخصوص مطلب تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران ، فيبقى قمة الوقاحة التي ما بعدها وقاحة ، وهذا ليس له من تفسير غير المساس الثاقب بسيادة قطر كدولة ، وبحرية واستقلالية قراراها ، والهدف منه في الأخير ان تصبح قطر إمارة من أمارات العربية المتحدة ، او مقاطعة تابعة للسعودية ، ومن ثم يسهل عليهم بسط أيديهم على خيرات قطر ، وعلى أموالها ، لتعويض واسترجاع 460 مليار دولار ، التي وهبتها السعودية لدونالد ترامب ، لشراء عرش آل سعود المهدد ، ولشراء موافقة واشنطن على الانقلاب الأبيض ، الذي حصل داخل العائلة الحاكمة ، عندما تم تعيين ابن الملك محمد بن سلمان وريثا للعرش .
أما عن طلب إغلاق القاعدة العسكرية التركية بقطر ، فهو مطلب يتدخل في الشؤون الداخلية لقطر كدولة ذات سيادة ، حيث يبقى من حقها ان تبرم ما شاءت من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع من تريد وبدون توجيه من احد . والسؤال هنا : ما الفرق بين القاعدة العسكرية التركية ، و بين القاعدة العسكرية الأمريكية بقطر ، وبالسعودية وبكل إمارات الخليج . ومن الأشد خطرا . الأتراك ام الأمريكان ؟
وبخصوص مطلب قطع العلاقات مع العديد من المنظمات السياسية بدعوى الإرهاب ، مثل جماعة الإخوان المسلمين ، وحماس ، و الدولة الإسلامية ( داعيش ) ، وجبهة فتح الشام فرع القاعدة السابق بسورية وحزب الله اللبناني وحزب الله العراقي ، فان هذا المطلب وان كان معقولا ، إلاّ انه لا ينفي ان نفس الدول ، السعودية والإمارات ، موّلت جماعات أكثر من متطرفة منذ 1979 تاريخ الحرب الأفغانية والى اليوم . أليس الفكر ألظلامي الوهابي هو منبع التطرف بكل ما في كلمة التطرف من معنى ؟ ثم كيف اعتبار أحكام الأنظمة الاستبدادية ، بوصف منظمات ، او أشخاص ، بالإرهاب وبالتطرف ، في غياب حكم بذلك من الأمم المتحدة ، التي هي وحدها تملك السلطات والصلاحيات ، في اعتبار منظمة او شخص مَا ، إرهابيا او متطرفا ؟
ثم كيف المطالبة بتسليم أشخاص لاجئون سياسيون ، الى حكوماتهم الاستبدادية التي يعارضونها ، مع العلم انّ ، لا الأمم المتحدة ، ولا مجلس الأمن ، ولا المحكمة الجنائية الدولية ، سبقوا وان طالبوا بالتسليم ؟ فهل نظام السّيسي الانقلابي ، ومنبع الفكر الوهابي ألظلامي آل سعود ، ومجرمو الإمارات الذين اغتالوا المبحوح ، ويتوفرون على سجون سرية بجنوب اليمن يمارس فيها التعذيب ، هم أسمى من الأمم المتحدة ، ومن مجلس الأمن ، ومن المحكمة الجنائية الدولية ؟
ان ربط تنفيذ هذه المطالب التَّعْجِيزيّة ، الماسة بسيادة الدول القطرية ، وباستقلال قراراها الوطني الذي يجب ان يبقى فوق كل الاعتبارات ، بمهلة عشرة أيام للتطبيق ، تبدأ من تاريخ التسليم ،وإلاّ اصطبحت لاغية ، هو تهديد صريح بما يمكن تخمينه من أخطار ، قد تتعرض لها قطر ، وهي تتراوح بين الغزو العسكري ، وهذا يبقى مستبعدا في الوقت الحالي ، بوجود قاعدة عسكرية تركية ستتقوى مستقبلا ،مع حجم الخطر المُحْدق بقطر ، كما ان الإقدام على الغزو ، لن يمر بسلام ، ولن ينجح بحكم عدة عوامل تؤثر فيها السياسة الدولية ، والعلاقات بين الدول . لكن يبقى في نظرنا احتمال الانقلاب ، ومن داخل الأسرة الحاكمة ، بتغيير أمير معارض ، ومشاكس ، ومتمسك بالسيادة ، وبالقرار الوطني المستقل ، بأمير آخر سيكون دُمْية طيّعة بيد آل سعود ، والإمارات ، أمرا ممكنا ، وخاصة مع الانتقاد الحاد الذي وجهه دونالد ترامب لقطر بدعم الإرهاب بعد اخذ ثمن الاتهام الذي هو 460 مليار دولار .
فهل انتقاد دونالد ترامب المفاجئ لقطر ، واتهامها بالإرهاب ، بعد ضمان حصوله على 460 مليار دولار ، هو موافقة مبطنة لآل سعود بالتحرك لتنظيم انقلاب داخلي ، من اجل تخطي حل الغزو الخليجي الذي سيلحق أضرارا جساما بالمصالح الأمريكية اكبر من مصالح الأنظمة الذاهبة بالخليج الى الجحيم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استئناف مفاوضات -الفرصة الأخيرة- في القاهرة بشأن هدنة في غزة


.. التقرير السنوي لـ-مراسلون بلا حدود-: الإعلام يئن تحت وطأة ال




.. مصدر إسرائيلي: إسرائيل لا ترى أي مؤشر على تحقيق تقدم في مسار


.. الرئيس الصيني يلتقي نظيره الصربي في بلغراد ضمن جولة أوروبية




.. جدل بشأن هدف إنشاء اتحاد -القبائل العربية- في سيناء | #رادار