الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الرأسمالي : عقيدة باطلة ورعاية مفقودة

الأسعد بنرحومة

2017 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم تمض ثلاث سنوات على ما أسموه بالربيع العربي حتى عاد الحديث مجددا عن مختلف الأزمات التي تعاني منها البلاد سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الاداري أو غيره. وأصبحت البلاد بل وجميع البلدان التي مر بها الربيع الخديعة تعيش بمجموعها أسوأ الأوضاع .ورغمالأرقام الهائلة لحجم القروض المسندة من دوائر الاستعمار المالية الا أن الأزمةتزداد عمقا على جميع المستويات.فمن الحكم وغياب الرؤية الصحيحة للأساس الذي يجب أن ينبثق عنه نظام الحكم وكل ما يتعلق به من القواعد والأجهزة والمحاسبة ,الى عجزالدولة عن توفير النفقات المالية المستحقة والعجز عن ايجاد موارد غير الاقتراض,وما ترتب عن ذلك من استنزاف لمقدرات البلاد من مختلف الدوائر الاستعمارية في مقابل استمرار ضخهم للسيولة عبر آلية القروض وما يتبع ذلك من املاء لشروط مجحفةمذلة على البلاد مثل الخوصصة وفتح مجالات الاستثمار الاجنبي ورفع الدعم عن الموادالأساسية وفرض رؤية خارجية تتعلق باصلاح المنظومات القضائية والادارية والسياسيةوغيرها.
ومع كل ما ذكرناه ,تمر البلاد بحالة غيراعتيادية من عزوف الناس عن العمل وما صاحب ذلك من تسيب اداري في مختلف الاداراتسواء العامة أو الخاصة حتى كادت تتوقف عجلة الانتاج ولولا استمرار عملية التداينوالاقتراض لعجزت الدولة حتى عن خلاص أجور الموظفين.رغم ما لهذا الاقتراض من خطريهدد كيان الأمة بمجموعها وليس تونس فقط. فهذا النظام المطبق حاليا لا يختلف أبداعما كان مطبقا من قبل ولكن حكام اليوم يباشرون تطبيقه باللف والدوران والتضليل بعدأن كان ينفذ بالغلبة والقهر ,وفي الحالتين هو يطبق تنفيذا لوجهة نظر المستعمر منفرض السياسة التي يريدها حتى يبقى العالم الاسلامي تحت سيطرته ونفوذه وهيمنته,وحتى تربط الولايات المتحدة الأمريكية ومثيلاتها من دول الاستعمار البلاد بعجلتهافتبقيها سوقا لبضاعتها وأطماعها .
ان ما تمر به البلاد اليوم هو كارثة حقيقيةسواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي ,وسبب هذه الكارثة هو النظام الرأسمالي القائم على عقيدة فصل الدين عن الحياة وعلى فكرة الديمقراطية والحرية .وحتى نقف على خطورة هذا النظام لفساد عقيدته ومناقضتها للعقل ومخالفتها للفطرة وتهديده لذات الانسان ونوعه فسنأخذ الوضع الاقتصادي العام في البلاد وكيفية معالجته للخروج من الأزمة حسب وجهة النظر في فلسفة الفكرة الرأسمالية.
منذ مدة تجتاح البلاد موجة عن الاصلاح الاقتصادي بالتزامن مع رفع عديد الشعارات كاصلاح المنظومة الجبائية ,وانقاذالمؤسسات المهددة بالافلاس ,وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتنقيح مجلة الطاقة والمناجم وغيرها ..وكان من بين الحلول والمعالجات المطروحة خوصصة المؤسسات وزيادة دعم وتشجيع الاستثمار ورفع الدعم عن المواد الأساسية والعمل على وضع تخطيط اقتصادييؤدي لزيادة الانتاج وزيادة الدخل الأهلي .
الخصخصة في النظام الرأسمالي وفسادها:
وبالتدقيق فيما يطرح من حلول ومعالجات يرىأنها ليست نتيجة احساس طبيعي بضرورة معالجة مختلف هذه القضايا بقدر ما هو توجيهمتعمد من الدول الراسمالية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .فالدعوةللخصخصة مثلا ليست بسبب عملية افلاس بل هياستجابة لشروط المؤسسات المالية الاستعمارية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومختلف المؤسسات المالية الأوروبية,كما أن انقاذ أي شركة أو مؤسسة ليس بالضرورة منخلال خصخصتها بل قد يؤدي ذلك الى انعكاسات أخطر على البلد والمجتمع كتسريح العمالفي شكل موجات لا يقدر سوق الشغل على امتصاصها أو الضغط على تكاليف الانتاج الى حديضر بالجودة ويؤثر على المجتمع .هذا من حيث كون الخصخصة ليست حلا جذريا لايقاف عملية الافلاس بقدر ماهو تنفيذ لما يطلب من المستعمر .
أما من حيث فساد فكرة الخصخصة كمعالجة لأزمةأو لمشكلة معينة ,فمن خلال ادراك مناطها يتبين أن النظام الرأسمالي لم يفرق بين ملكية الدولة والملكية العامة ,فالدولة في النظام الرأسمالي تملك ما هو داخل فيالملكية العامة وتشارك الأفراد وتنافسهم في الصناعة والتجارة والزراعة ,فهي تملكالمصانع وتقوم بالتجارة والزراعة من غير تفريق بين ما يجوز لها أن تملكه وما لايجوز ,فالدولة تملك مناجم المعادن والفسفاط وآبار البترول والغاز وكذلك الأنهاروالبحار والغابات ,وتحمي الأرض الموات أو غير المملوكة وتتصرف فيها بيعا وتأجيرا,وتمنع الأفراد من الانتفاع بشيء منها الا بمقابل ,فمفهوم القطاع العام في النظامالرأسمالي ليس هو الملكية العامة في الاسلام,بل ان
مفهوم القطاع العام في هذا النظام يعني ماتملكه الدولة في النظام الحر .فالنظرة المعاصرة المنبثقة عن النظام الرأسمالي تقسمأملاك الدولة الى نوعين هما:
اولا:ملك عام ,ويراد به ممتلكات الدولةالمعدة للاستعمال العام ولخدمة المرافق العامة مثل الطرق والجسور وأبنية الوزاراتوغيرها من مصالح الدولة المختلفة ,وتملك الدولة هذه الأشياء ملكية عامة لا يقصدمنها الحصول على ايراد للخزينة العامة وهذا النوع هو المراد عند اطلاق الملكيةالعامة.
ثانيا:ملك خاص ويراد به ممتلكات الدولةالمعدة للاستعمال العام من قبيل الأراضي الزراعية والمشروعات التجارية والصناعيةوغيرها من الأشياء التي تملكها الدولة ملكية خاصة ,وهذه الأشياء تستعملها الدولةاستعمال الأفراد لأملاكهم الخاصة ,وهذا النوع هو المراد عند اطلاق ملكية الدولة.
أما في الاسلام ,فقد فرق الشارع بين الملكيةالفردية والملكية العامة وملكية الدولة .فالملكية العامة هي اذن الشارع للجماعةبالاشتراك في الانتفاع بالعين ,وتكون في الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعةمشتركةبينهم,ومنع من أن يحوزها الفرد وحده.وتتحقق الملكية العامة في ثلاثة أنواعوهي:
1-ماهو من مرافق الجماعة بحيث اذا لم تتوفرلبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها
2-المعادن التي لا تنقطع
3-الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاصالفرد بحيازتها.
أما ما هو من مرافق الجماعة فهو كل شيء يعتبرمن مرافق الناس عموما ,وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث من حيث صفتها لا من حيث عددها "المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأوالنار"وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال"لا يمنع الماء والكلأ والنار"
وأما المعادن وهو القسم غير المحدود بالمقدارأو الذي لا ينفد ,وهو من الملكية العامة ولا يملك فرديا أبدا لا للأفراد ولاللشركات وذلك كآبار النفط والغاز ومناجم الفسفاط والحديد والملح وغيرها ,ودليل ذلكما ورد عن أبيض ابن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح بمأرب,فلما ولى قيل:يارسول الله أتدري ما أقطعته ؟انما أقطعته الماء العد ,قال فرجعهمنه"
وأما الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها ,وهي الأعيان التي تشتمل على المنافع العامة ,وهي وان كانت منمرافق الجماعة لكنها تختلف عنها من حيث أن طبيعتها أنه لا يتأتى فيها أن يملكهاالفرد كالطريق والنهر والبحر والبحيرة والخلجان والمضايق ,كما يشمل المساجد ومدارسالدولة والمستشفيات والملاعب والملاجئ ونحوها.
وبهذا المفهوم للملكية العامة في الاسلام هل يجوز شرعا خصخصة هذه الملكية بأحد أشكال الخصخصة والتي تنحصر في ثلاثة أشكال وهي:بيع أصول المنشأة ,أو تأجير المنشأة للقطاع الخاص,أو ادارة المنشأة من قبلالقطاع الخاص مقابل أجرة أو حق من الانتاج.
أما بيع أصول الأشياء وهو أهم أشكال الخصخصةفانه لا يجوز لدولة أن تعطي أصله لأحد وان كان لها أن تبيح للناس أن يأخذوا منهبناء على تدبير يمكنهم جميعا من الانتفاع به .فيحرم على الدولة تمليك الأفراد ماهو من مرافق الجماعة وضابط هذا النوع هو كل شيء اذا لم يتوفر للجماعة أيا كانتالجماعة تفرقت في طلبه كمنابع المياه والأحراش والمراعي وكذلك أبار النفط والغازومناجم الفسفاط والحديد والملح واليورانيوم وغيرها .ومن الأدلة على حرمة بيعالأصول العامة أو تمليكها أو تأجيرها للأفراد أو الشركات الخاصة ما ورد عن ابنعباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"المسلمون شركاء في ثلاثالماء والكلأ والنار " أو ما ورد عن انتزاع الرسول صلى الله عليه وسلم ماقطعه من الملح العد فيما ورد عن ابيض بن حمال . وكذلك ما ورد عن الرسول صلى اللهعليه وسلم من أنه قال"لا حمى الا لله ورسوله"أي أنه يجوز للدولة أن تحميمن الأرض الموات ومما هو داخل في الملكية العامة لأية مصلحة تراها من مصالحالمسلمين ,على شرط أن يكون ذلك على وجه لا يلحق الضرر بأحد ,ومن هنا جاء منع الدولة من أن تملك أحدا شيءا مما هو داخل في الملكية العامة تمليكا يمنع به غيره من الانتفاع به.
أما الدولة نفسها فيجوز لها أن تختص بشيء منالأرض الموات ومما هو داخل في الملكية العامة لمصلحة من مصالح المسلمين ,والدليلعلى ذلك ما رواه ابن عمر قال "حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيلالمسلمين"
وبعد هذا العرض ,فانه يحرم على الدولة أن تجعل الملكية العامة ومما هو داخل فيها ملكية فردية لأنه ملك لجميع الناس تديره الدولة لمصلحة الجماعة ,كما يحرم عليها أن تحول الملكية الفردية الى ملكية عامةلأن الملكية العامة ثابتة في طبيعة المال وصفته لا برأي الدولة ,ودليل ذلك قولالنبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه" وهذاعام يشمل كل انسان ,فيحرم أخذ مال أي فرد من الناس مسلما كان أم ذميا الا بسببمشروع,ولذلكيحرم على الدولة أن تأخذ مال فرد من الأفراد وتجعله ملكا للدولة بحجةالمصلحة أو أن تأخذ ملكية عامة بحجة مصلحة الأمة,لأن الحديث حرم ذلك ,فالمصلحة لاتجعله حلالا ,اذ حله يحتاج الى دليل شرعي .
وأما المصانع ,فينظر,فان كانت تضع الموادالمستخرجة من الملكية العامة فهي تأخذ حكم ما تضع ,لأن المصنع يأخذ حكم المادةالتي يصنعها ,وهذا الحكم مأخوذ من القاعدة"أن المصنع يأخذ حكم ما ينتج",وعلى هذا الأساس فان كانت المواد الداخلة من الملكية العامة كمصانع استخراجالنفط والحديد والفسفاط والغاز وغيرها فانها تكون ملكا عاما ولا يدخل في الملكيةالفردية ولا في ملكية الدولة ,كما لا يجوز للدولة أن تملكه فرديا.
والخصخصة التي ينادي بها أصحاب النظام الرأسمالي لم تكتف بالدعوة لخصخصة القسم الثاني من أموال الملكية العامة وهي المعادن أو ما كان من مرافق الجماعة بل ايضا دعوتهم تطال قطاع الصحة والتعليموالأمن وشق الطرق ,وامتد ذلك الى حوانيت الشوارع والطرقات حيث وقع تأجيرها الىشركات تؤجر مواقف السيارات.
وما يحدث في النظام الرأسمالي من أزمات متلاحقة ومتواترة هو أمر طبيعي ومنتظر ,لأن هذا النظام لا يوافق فطرة الانسان ولايقتضيه العقل البشري فترتب عليه كل هذا الشقاء وهذه المأساة,ولا أدل على فساده تلك الكتابات الكثيرة حول سلبيات الخصخصة وشرها على الفرد والمجتمع والدولة ,أما في بلداننا فقد انصاع هؤلاء الحكام ومن تضبعوا بثقافة الغرب الكافر لضغط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بعد أن أوقعت هذهالمؤسسات دول العالم الثالث في شراك القروض وجدولتها مما أثقلت كاهل هذه الدولوشعوبها بالديون ,وعندما عجزت عن الايفاء بالتزاماتها فرضت عليها هذه المؤسساتالمالية الاستعمارية برامج اقتصادية محددة لا تؤدي الا الى تفقير البلاد وافلاسها,ومن هذه البرامج المفروضة الخصخصة.
فلا يصح على الناس اليوم الانخداع بتزيين مفهوم الخصخصة الذي تتبناه المؤسسات الاستعمارية الغربية الكافرة كوسيلة لاحكام السيطرة على اقتصاد العالم وذلك بشراء ما يسميه بالقطاع العام من قبل هذا المستعمروشركاته العملاقة ,وما يترتب على هذا الشراء من رهن البلاد وتمليكها لهذه الشركات,وهو ما يحول أهل البلد الى مجرد أجراء وعبيد في بلادهم لهذه الشركات .
فالخصخصة مفهوم من مفاهيم الاستعمار الكافر,وهو منبثق عن عقيدته فصل الدين عن الحياة التي تخالف العقيدة الاسلامية ,عقيدةالأمة ,ولذلك فزيادة على فساد عملية الخصخصة كمعالجة لافلاس الشركات ,فانه مفهومغربي ناتج عن حضارة غربية هي غير حضارتنا وبناء عليه فانه يحرم على المسلمين تبنيمفهوم الخصخصة .

التسيب في الادارة والعزوف عن العمل:
ومن مظاهر فساد النظام الاقتصادي الرأسمالي أيضا ما نراه اليوم من تسيب كبير من الموظفين في الادارات ومراكز العمل , ورغم الزيادات المتتالية في الأجور في مختلف الأصناف من المعلمين والأساتذة وعمالالمصانع وموظفي المؤسسات الادارية وأعوان النظافة وغيرهم ,الا أن العزوف عن العمل وهدر الوقت واستنزاف طاقة المؤسسة يزيد يوما بعد يوم ,وأصبح العامل لا يقضي الاسويعات قليلة في مركز عمله وبدون انتاج حقيقي ,
وعوض البحث في هذه المشكلة كمشكلة انسانيةتحتاج الى حل ,فانهم بحثوها على غير صعيدها الصحيح ,فكانت معالجاتهم وحلولهم مزيدامن التعقيد , اذ اعتبار أن الحل يكون بتدخل النقابات لزيادة الأجر الشهري وزيادةالامتيازات والزام أصحاب المؤسسات بهذه الزيادة لم ينتج الا اثقالا لكاهل اصحاب المصانع من جهة واستهتارا من العمال من جهة ثانية .
ان المشكلة الحقيقية التي تتعلق بهذا التسيب الاداري وعزوف العمال عن العمل انما يعود لمفهوم خاطئ لتقدير الاجرة في النظام الرأسمالي.
فساد أساس تقدير الأجرة في النظام الرأسمالي:
لقد أخطأ الرأسماليون ومعهم أخطأ الاشتراكيون والشيوعيون في الأساس الذي بنوا عليه تقدير الأجرة ,فالأجر الطبيعي في النظام الديمقراطي الرأسمالي هو ما يحتاج اليه العامل من أسباب المعيشة عند أدنى حدها ,وهم يزيدون هذا الأجر اذا زادت تكاليف المعيشة عند حدها الأدنى ,وينقصونه اذا نقصت ,فأجرالعامل عندهم يقدر بحسب تكاليف المعيشة بغض النظر عن المنفعة التي أداها جهده,وسبب ذلك هو بناؤهم الاجارة على البيع فأدى هذا الى تحكم أثمان الحاجيات بأجرةالأجير.ولهذا فان الأجراء في النظام الرأسمالي الذي يقوم على جعل مستوى المعيشة أساسا لتقدير أجر الأجير سيظلون محدودي الملكية بحدود ما يحتاجونه لسد حاجاتهم عند أدنى حدها بالنسبة للجماعة التي يعيشون بينها,"في البلاد الاسلامية اليوم التي تكتوي بنار الاستعمار وبظلم الرأسمالية فان معيشة الناس هي فقط لسد حاجاتهم الأساسية ,أما في في الغرب فمعيشتهم هي لسد حاجاتهم الأساسية والكمالية في حدهاالأدنى"
وبالرجوع الى واقع الأجير فان واقعه هو أنه يحصل على سلعة أو على جهد آخر في مقابل بذله جهدا ,وبالتالي فان جهده الذي يبذله يعتبر هو الأساس ,وهذا الجهد مرتبط في المنفعة المستوفاة منه ,
اذن فمنفعة الجهد هي الأساس وليس الجهد فهي محل التداول ,وانما يبذل الجهد من أجلها ,وعلى ذلك تكون منفعة الأجير هي الأساس الذي يبنى عليه تقدير الأجرة.وهذه المنفعة لها سوق عام يحددها ويجري التبادل داخلها لأنها كالسلعة فتقدر أسعارها بأسعار تلك السوق .
وبناء على كل ما سبق فانه كما لا يصح وضع تسعير جبري للسلعة لما يترتب عليه من وجود ما يسمى بالسوق السوداء ,كذلك لا يصح أن تقدر أسعار جبرية لمنافع الجهود لما يترتب عليه من ضرر على الثروة في تحديدالانتاج والوقوف في وجه النشاط.
فلو كانت أجرة العمال اليوم تقدر بناء على منفعة جهد كل عامل لما كان هذا التسيب والعزوف عن العمل ,ولما كانت هناك مشكلةعمال اصلا , ولما .تعرض العمال أيضا للنهب والاستغلال .ولكان التنافس على العمل والانتاج على أشده بما أنه كلما كانت المنفعة أكبر كلما كان الأجر اكثر.
النقابات تكرس استغلال العمال وتحفظ فسادالنظام
عندما كان أساس تقدير الأجرة في النظام الرأسمالي فاسدا ,وجعله وهو مستوى المعيشة عند حدها الأدنى ,كان العمال لا يأخذون أجرتهم ,فهم لا يأخذون الا ما يبقون به أحياء ليستمروا في العمل ,ونتج عن ذلك الكثير من الظلم والاستبداد سواء من أصحاب العمل سواء الخواص أو الدولة, وحتى يستمر النظام ولا يسقط جاءت النقابات ,وظهرت في موقف الدفاع عن حقوق العمال ورفع الظلم عنهم ,ولكن الحقيقة أنها انما كان دورها حماية النظام ومنعه من السقوط لاحماية العمال .
لذلك فعلاج مشكلة العمال في النظام الرأسمالي لا يكون باقامة النقابات ,وانما يكون بالقضاء على هذا النظام والتخلي عنه لأنه يقوم على فهم مغلوط لكل شيء انبثق عن عقيدة فصل الدين عن الحياة ومنه عن الدولةوالسياسة .ومشكلة العمال لا وجود لها اذا كان تقدير الأجرة على أساس منفعة الجهد ,فما يتفق عليه الأجير والمؤجر من أجر وهو الأجر المسمى هو الملزمان به ,واذا لم يتفقا على الأجر ألزما بما يقوله الخبراء بالسوق العام لمنفعة الجهود ,
والأجر ليس أبديا ولا يصح أن يكون أبدياوانما هو مربوط بالمدة التي يتفقان عليها أو بالعمل الذي اتفقا على القيام به,فاذا انتهت المدة أو أنجز العمل .يبدأ تقدير جديد للأجرة حسب السوق العام لمنافع الجهود عند التقدير .
هذا هو واقع الأجير وهذا هو الأساس الذي يجري عليه تقدير الأجرة ,ولا حاجة لوجود النقابات.اذ هي تطيل عمر النظام الرأسمالي ولاتحل مشاكل العمال بل تأزمها وتبقي على الظلم والاستغلال.
لذلك لا توجد نقابات في الاسلام ,لأن رعايةالشؤون محصورة بالدولة وليس لأحد غير الامام حق رعاية الشؤون لا كليا ولا جزئيا.والنقابات هي رعاية شؤون من ينتسبون اليها ,وهي لا تجوز شرعا .
العمال في الاسلام لا يحتاجون للاضراب ولا للتقاعدولا للتعويضات :
ان اضراب العمال هو نتيجة الظلم الذي أوقعه النظام الديمقراطي الرأسمالي على العمال والموظفين ,أما في الاسلام فلا حاجةللاضراب ,اذ أن الاجارة من العقود اللازمة وليست من العقود الجائزة ,فلا يحق لأحدمن الطرفين فسخ العقد لا العامل ولا صاحب العمل ,ويجب على الأجير القيام بمااستؤجر عليه ,فان لم يقم به لا يستحق الأجرة ولهذا ليس له حق الاضراب .كما أن الاضراب اضرار بالثروة وتعطيل للانتاج ولمصالح الناس لا يجب أن يحصل .
وأما التقاعد والتعويضات فانها من ترقيع النظام الديمقراطي الرأسمالي أيضا ,لأن من يعجز عن العمل يستحق أخذ كفايته من الدولة في الاسلام ,فلم تبق هناك حاجة لتقاعد وتعويضات.
والقيام بما يلزم لاشباع الحاجات الأساسية حق لكل من يعجز عنها على الدولة وليس على صاحب العمل ,لأنها من رعاية الشؤون .

القروض الأجنبية أسلوب لتركيز الاستعمار

صرح محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري بتونس بخصوص المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الولي والمتعلقة بالقرض التكميلي بقيمة2,7 مليار دولار صرحا قائلا :" ان هذا القرض لا يمثل تهديدا للسيادة الوطنية..وقال : لم يفرض الصندوق شروطه علينا .." هذا الكلام لا يقوله الاساذج او كتواطئ عميل .فلطالما عانت الامة الاسلامية من بلاء هذه القروض الخارجيةوويلاتها فقد كان طريقا للاستعمار وما استعمرت بريطانيا مصر او فرنسا تونس الا عنطريق الديون . فقضية القروض الاجنبية خطرها جسيم وقديم منذ توالي القروض علىمصر سنة 1864م وعلى تونس سنة 1850م وقبلها .فعندما ذهب الباي للاستدانة من اوروباوفي سبع سنوات فقط ارتفع الدين الى 150مليون فرنك فكانت حجة لاوروبا للضغط علىالباي فاصدر مرسوما سنة 1870م بتشكيل لجنة من فرنسيين وانجليز وطليان تتدخل فيشؤون البلاد ثم استعمروا البلاد عسكريا .
اماالطريقة الخبيثة التي تعطى بها الدول والبنوك هذه القروض فهي اشد بشاعة اذ تقومعلى سياسة متعمدة لافقار البلد ونهب خيراته وذهاب الدين في مشاريع غير ذي جدوى .اذتقوم سياسة الدول في اعطاء القروض حاليا على ارسال الخبراء للاحاطة باسرار البلادالاقتصادية ثم بعد ذلك يحددون المشاريع التي تنفق عليها القروض بما يؤدي الىارتباك الدولة .فهم يحددون الطريقة التي يحصل بها الارتباك والفقر بفرض مشاريعمعينة وشروط معينة تؤدي الى الفقر الموصل الى بسط نفوذهم وهيمنتهم .
وحتىلا نذهب بعيدا فان العديد من الامريكيين انفسهم يصرحون ان قروضهم سببت الفقرللبلدان .ففي 12-يوليو -1962 قال القاضي " وليام دوغلاس " احد قضاةالمحكمة العليا الامريكية خطابا في اجتماع ماسوني في سياتل قال فيه " ان هناكدول كثيرة ازدادت حالتها سوءا نتيجة لتلقيها مساعدات امريكية ". لذلك فمنالتضليل السياسي الخطير القول بنجاعة القروض المخففة او المساعدات الخارجية .لانهذه الدول لا تعطي مساعدات لوجه الله او حبا فينا .بل هي سلاح سياسي في يدها تفرضبه سياستها وفلسفة نظامها علينا وهذا ما يصرح به الاعداء انفسهم ولكن لا معتبر..فهؤلاء الحكام وهؤلاء الاقتصاديون هم شركاء في هذه الجريمة بحق امتهم .
في 1963م نشرت لجنة الجنرال كلاي تقريرها الذي قدمته للرئيس كندي ومما جاء فيهان الهدف من اعطاء المساعدات والمقياس الذي تعطى على اساسه هو امن الولاياتالمتحدة القومي وامن وسلامة العالم الحر .
فلماذا يصر هؤلاء في بلادنا على المواصلة في سياسة الاقتراض من اعدائنا ان لميكونوا خدما لهم ؟
اما اذا افترضنا حسن النية وقلنا ان هذه القروض تصرف للمشاريع الانتاجية فاناخذ هذه القروض من حيث هو خطر على البلاد وخطر جلل .ذلك انها اي القروض تكون اماقصير الاجل او بعيدة الاجل :
اما القروضقصيرة الاجل فان المقصود منها هو ضرب عملات البلاد لايجاد الاضطراب فيها لانه حينياتي وقت السداد لا يقبل سدادها بعملة البلاد بل بالدولار او اليورو وكلاهما منالعملة الصعبة وقد تعجز البلاد عن التسديد اما لندرتها او لقلتها او لانها في حاجةلشراء ضروريات اخرى فتضطر لشراء هذه العملات باسعار عالية بالنسبة لعملتها وذلكيضرب عملات البلاد فتهبط قيمتها في السوق فتضطر حينها لان تلتجئ الى صندوق النقدالدولي فيتحكم في عملاتها حسب السياسة التي تراها امركا .
واماالقروض طويلة المدى فانها توضع لآجال طويلة عن قصد وليس حبا او رفقا بل ويتساهلعند استحقاقها حتى تتراكم وتصبح مبالغ ضخمة يضطرب بسببها الميزان التجاري وتعجزالبلاد عن تستيدها نقدا او ذهبا او اموالا منقولة فتضطر لتسديدها بدفع اموال غيرمنقولة من عقارات واراض ومصانع وهذا تمليك للدولة الدائنة املاكا غير منقولة فيالبلاد وتصبح لها مصالح تكون مبررا للتدخل او بسط النفوذ هذا اذا لم تتخذ وسيلةللاستعمار والاحتلال .
هذا من ناحية وصف الواقع .
اما من الناحية الشرعية وهي التي تهمنا لاننا مسلمون فهو ان هذه القروض لاتؤخذ الا بالربا والربا حرام ومن شدة التاكيد على الحرمة فهو كمن يحارب اللهوالرسول فتكون هذه القروض حراما .
وهكذا نظرا لكون هذه القروض ينجر عنها اخطار ويترتب عليها سيادة الكافرالمستعمر على البلاد والعباد ولكون الربا حراما فانه لا يصح ابدا اخذ هذه القروضولا يصح تمويل المشاريع بها ولو كانت مشاريع انتاجية .
اما المديونية القديمة التي اصبحت على عاتقنا فالاصل فيها انها حرام مارسهطرفان : الاول وهم الحكام الذين تسلطوا على رقاب المسلمين واستعملوا هذه الاموالفي مآربهم ومصالحهم .والثاني هو الجهة الدائنة التي تفعل ذلك عمدا لتفقير الشعوبوالبلاد .والطرفان مشاركان في الجريمة .
المديونية وفضاعة الاستعمار:
من بين عمليات التضليل والخداع التي يمارسها الحكام على شعوبهم هو الادعاء بضرورة التوجه نحو الاقتراض من أجل معالجة موضوع التنمية ,فالمديونية بالنسبة اليهمومن ساندهم ضرورة ملحة لخلق الثروة ودعم الانتاج .
وهذا الكلام لا يندرج الا في سياق واحد وهو خدمة الاستعمار ومساعدة في تثبيته وتأبيده في البلاد ’واعطائه الذريعة للهيمنة ونهب الثروات وبسط النفوذ ’بل هو تمكين للمستعمر الكافر من التدخل المباشر في شؤون البلد لافلاسها وتفقيرها وذلك منخلال فرض سياسات اقتصادية ومالية فاشلة وذلك بتسخير هؤلاء الحكام العملاء وبقيةأدواته من جمعيات ومنظمات وأحزاب واختصاصيين لا يرون العالم الا من خلال زاويةالغرب في فهم الحياة وهي عقيدة فصل الدين عن الحياة وعن الدولة والمجتمع .
وعبر اغراق البلاد في ديون متراكمة يرتفع معها فائض خدمة الدين تعجز الدولة عنالايفاء بوعودها تجاه المؤسسات المالية المقرضة ’وكل ما تقدر عليه حينها هوالمطالبة بجدولة ديونها وأخذ قروض جديدة لدفع فائض الدين ..وهكذا..
والواقع أن جميع الدول التي وقعت في فخ المديونية لم يتحسن حالها عن وضعهاالأول قبل استيلام أول قرض ’بل هي ازدادت سوءا عما كانت عليه’ فالمديونية ترتفع منسنة لأخرى والبطالة تزيد ولا تنقص ومواطن الشغل تقل وارتفاع الأسعار أصبح فيمستويات قياسية ’وأموال القروض انفق جزء منها في مشاريع وهمية لا مردودية لها اذهي عقيمة ابتداء ’والجزء الأكبر من القرض عاد الى بنوك الغرب عن طريق الرشوةوالسرقة والتهريب الذي يقوم به الحكام والوسطاء والخبراء..ولا فرق في ذلك بين دولةوأخرى..
فتونس مثلا ومنذ سنوات وعقود وهي تواصل تسديد خدمة الدين الذي يزداد عبؤهباستمرار ’فهو مازال يرتفع رغم كمية الأموال وكثرتها التي تم ارجاعها .
ففي 2006 بلغ اجمالي دين تونس 57,8مليار دينار وهو ما يمثل 140% من الناتج الداخلي الخام’ونسبة الدين الداخلي63,1% والدين الخارجي 36,9%.
أما اجمالي الدين الخارجي فيتجاوز 24 مليار دينار حتىسنة 2006 أي نسبة تداين تساوي 58,5%من الناتجالداخلي الخام مقابل 57,9%سنة 1986م.
وبقراءة سريعة نجد أنه من 1986 الى 2006 تضاعف كل منالناتج الداخلي الخام بالأسعار الجارية وقائم الدين حوالي 6 مرات حيث ارتفع الناتجالداخلي الخام من 7,2مليار دينار الى 41,1مليار دينار ’فيما ارتفع قائم الدين من4,2مليار دينار الى 24,1مليار دينار.
وتطور اجمالي الدين الخارجي لتونس من 1260مليون دينارفي 1980 الى 19728مليون دينار سنة 2007م.
وبالمقابل تطور خدمة الدين من 171مليون دينار في1980م الى 3296مليون دينار سنة 2007م’كما أن الأسواق المالية المانحة دعمت حصتهابارتفاع نسبة خدمة الدين من 4,7%سنة 1997م الى31,2%سنة2006م.
ورغم ارتفاع نسق حجم الديون بصفة مستمرة نحو بلادناالا أن المشاكل الاقتصادية مازالت كما هي بل زادت سوءا وتعقيدا وخاصة أن المؤسساتالمانحة أصبحت ترفع في مطالب شروطها مقابل الاستمرار في الاقراض كما يفعل صندوقالنقد الدولي والبنك الدولي وهما أهم أدوات عند الولايات المتحدة الأمريكية من أجلالاستعمار.فهما لا يزالان يطالبان الحكومات بعدة مطالب لا تؤدي الا للافلاس والفقروالفوضى وحتى الحروب ومن هذه المطالب:الخصخصةورفع الاسعار ورفع الدعم وتأهيلالمؤسسات وغير ذلك..
ولمزيد ادراك خطورة السير في الاقتراض الأجنبي وحقيقةهذا المسار المفروض من المستعمر الكافر ’فان مجموع ما تحصلت عليه تونس من القروضالمتوسطة وطويلة الأمد من 1986الى2006بلغ32,4مليار دينار ’في حين بلغ حجم الأموالالتي دفعتها البلاد خدمة للدين في نفس الفترة 36,2مليار دينار أي بنسبة حاصل سلبيقيمتها 3,8مليار دينار وهو قيمة اجمالي الدين الأول الذي تسلمته تونس في1986.
وبعد هذا العرض ’نجد أن تونس وهي مثالا أخذناه وينطبقعلى جميع البلدان التي أقحمها حكامها في سياسة الاقتراض الأجنبي بطلب من المستعمرنفسه ’نجد أن تونس تدفع وباستمرار أكثر من حجم ما أخذته من أموال تحت عنوان"خدمة الدين"مما يعني أنها أصبحت ممولا أساسيا للمؤسسات المالية الدولية’أي أن الدولة ومنذ عقود تبرم مع هذه المؤسسات قروضا ولكن ليس لخلق الثروة كمايزعمون ’ولا للتنمية كما يروجون’ولا لايجاد مواطن الشغل كما يتوهمون ’بل هم يبرمونهذه القروض من أجل غاية واحدة وهي"تسديد خدمة الدين الخارجي".
فيتضح لكل ذي عقل وفكر أن البلاد ليست بحاجة الى قروض’ولا لابرام عقود جديدة’كما أن الدولة ليست مضطرة أبدا الى توظيف جزء من مواردهالتسديد الدين ’وبالتالي ليست مدفوعة لحرمان شعبها من هذه الموارد المالية التيتذهب خدمة للاستعمار.
سداد خدمة الدين يفضح شعارالتنمية
لقد التهمت خدمة الدين ما بين 1984و2006 أكثر من37مليار دينار ’وتضاعف قائم الدين 6,2مرة خلال نفس الفترة ’وأكثر من 30مرة منذ1970م.
وفي الأثناء تضاعف عبء خدمة الدين 4,2مرة خلال عقدينمن الزمن ’وتضاعف الناتج الداخلي الخام بحساب الفرد 4,1مرة.
ويتضح بذلك أن خدمة الدين وحدها تمنع وجود أي نمواقتصادي أو أي تحسن فعلي في حياة الناس وعيشهم .
سداد خدمة الدين انهيار لرعايةشؤون الناس
في 2006م بلغت خدمة الدين الخارجي 3,9مليار دينار’وفي المقابل فيما يتعلق برعاية الشؤون بلغ اجمالي ميزانية التعليم بأصنافهالثلاثة بالاضافة الى البحث العلمي والتكوين المهني 2,9مليار دينار .
وبلغت ميزانية الصحة العمومية 0,7مليار دينار ’و عندمانجد أن حصة خدمة الدين قد ارتفعت بصفة دائمية نرى في مقابل ذلك أن مستوى الانفاقالعمومي ينخفض باستمرار ’فقد تراجع مستواه في الصحة مثلا بالنسبة للناتج الداخليالخام من 2,3%سنة1955الى1,6%سنة2006م’كماتراجعت مجموع مصاريف الدولة من 5,7%سنة1955 الى 5,2%سنة2006م.
ان الاستمرار في أخذ هذه القروض هو اصرار على وضعالبلاد تحت هيمنة الكافر المستعمر ,وهو خضوع لاملاءات هذا المستعمر وتثبيت لنفوذهفي بلاد المسلمين .بل هو مواصلة في خيانة الأمة وارضاء عدوها وما في ذلك من اغضابلله تعالى وهو القائل في كتابه العزيز"قَدْكَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْقَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِاللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُوَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَإِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِمِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَالْمَصِيرُ . "

النظام الرأسمالي لا يضمن الحاجات الأساسيةللانسان:
ان ترقيعات النظام الديمقراطي الرأسمالي لاتضمن الحاجات الأساسية للانسان ,وهذه الترقيعات هي التي تسمى الضمان الاجتماعيوالعدالة الاجتماعية ,واشتراكية الدولة وكذلك الاشتراكية الحقيقية ومنها الاشتراكية الماركسية.ففي النظامالرأسمالي كان الأساس فيه هو زيادة الدخل الأهلي ,ثم لما ظهر الفساد والظلم نتيجةتطبيق هذا النظام وضع منظروه بعض الأحكام للعمال والموظفين والفقراء والمحرومينلتخفيف شيء من الظلم الواقع بهم وذلك من أجل تغطية فساده وفشله في رعاية شؤونالناس .فالضمان الاجتماعي والعدالة الاجتماعية ليس أساسا في النظام ولا أمراجوهريا فيه ,بل هي مجرد أحكام طارئة أدخلوها للترقيع.
وحتى اشتراكية الدولة فان الضمانة فيها هيمعالجات الحالات التي يظهر فيها فساد النظام الرأسمالي في الملكية وأجور العمالوأرباح الرأسماليين وهي كذلك أحكاما طارئة هذا اذا افترضنا امكانية تطبيقها .
لذلك لا وجود لضمانة الحاجات الأساسية الا فيالاسلام ,ذلك أن هذه الضمانة هي الأمر الأساسي في سياسته الاقتصادية ,والأمر الذييتوقف على تحقيقه الموضوع الثاني من سياسة الاسلام الاقتصادية وهو تمكين كل فرد مناشباع حاجاته الكمالية .
فالسياسة الاقتصادية في الاسلام هي ضماناشباع الحاجات الأساسية لجميع الناس فردا فردا اشباعا كليا ,وتمكين كل فرد منهم مناشباع حاجاته الكمالية على أكبر قدر مستطاع .
نظرة الاسلام الى الاقتصاد:

تختلف نظرة الإسلام إلى مادة الثروة عن نظرته إلى الانتفاع بها، وعنده أن الوسائل التي تعطي المنفعة شيء، وحيازة المنفعة شيء آخر. فالمال وجهد الإنسان هما مادة الثروة،وهما الوسائل التي تعطي المنفعة، ووضعهما في نظر الإسلام من حيث وجودهما في الحياةالدنيا، ومن حيث إنتاجهما يختلف عن وضع الانتفاع بهما، وعن كيفية حيازة هذه المنفعة. فهو قد تدخّل في الانتفاع بالثروة تدخلاً واضحاً، فحرَّم الانتفاع من بعضالأموال، كالخمر والميتة، كما حرَّم الانتفاع من بعض جهود الإنسان، كالرقص والبغاء، فحرَّم بيع ما حَرُم أكله من الأموال، وحرَّم إجارة ما حَرُم القيام بهمن الأعمال. هذا من حيث الانتفاع بالمال، وجهد الإنسان. أما من حيث كيفية حيازتهمافقد شرع أحكاماً متعددة لحيازة الثروة، كأحكام الصيد، وإحياء الموات، وكأحكام الإجارة والاستصناع، وكأحكام الإرث والهبة والوصية
هذابالنسبة للانتفاع بالثروة وكيفية حيازتها، أما بالنسبة لمادة الثروة من حيثإنتاجها، فإن الإسلام قد حث على إنتاجها، ورغّب فيه حين رغّب بالكسب بشكل عام، ولميتدخل ببيان كيفية زيادة الإنتاج، ومقدار ما ينتج، بل ترك ذلك للناس يحققونه كمايريدون. وأما من حيث وجودها فالمال موجود في الحياة الدنيا وجوداً طبيعياً، وخلقهالله سبحانه وتعالى مسخراً للإنسان، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّافِي الأَرْضِ جَمِيعاًوقال: {اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَالْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِوقال: { وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَافِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ "وقال: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىطَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا.فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا . وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا.وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَّتَاعًا لَّكُمْوَلِأَنْعَامِكُمْ" وقـال: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ"وقـال: { وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُلِلنَّاسِ}. فبـيّن في هذه الآيات وما شابهها أنه خلق المال، وخلق جهد الإنسان،ولم يتعرض لشيء آخر يتعلق به، مما يدل على أنَّه لم يتدخل في مادة المال، ولا فيجهد الإنسان، سوى أنه بيَّن أنه خلقها لينتفع بها النّاس. وكذلك لم يتدخل في إنتاجالثروة، ولا يوجد نص شرعي يدل على أن الإسلام تدخل في إنتاج الثروة، بل على العكس منذلك نجد النصوص الشرعية تدل على أن الشرع ترك الأمر للناس في استخراج المال، وفيتحسين جهد الإنسان، فقد أخرج مسلم من طريق عائشة رضي الله عنها ومن طريق أنس رضيالله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في موضوع تأبير النخل: «أنتم أعلمبأمر دنياكم» ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم أرسل اثنين من المسلمين إلى جُرَشاليَمَنِ، يتعلمان صناعة الأسلحة. وهذا يدل على أن الشرع ترك أَمْـرَ إنتاج المالإلى النّاس، ينتجونه بحسب خبرتهم ومعرفتهم
وعلى هذا فإنّه تبين من ذلك أن الإسلام ينظر في النظام الاقتصادي، لا في علم الاقتصاد،ويجعل الانتفاع بالثروة، وكيفية حيازة هذه المنفعة موضوع بحثه، ولم يتعرض لإنتاج الثروة، ولا إلى وسائل المنفعة مطلقا
السياسةالاقتصادية
يعيش العالم الإسلامي بمجموعه أسوأ أوضاع اقتصادية، ويعود ذلك إلى طبيعة النظام الاقتصادي الذي يتحكم في العباد والذي يباشر حكام المسلمين تطبيقه بالغلبة والقهرواللف والدوران تنفيذاً لوجهة نظر المستعمر من فرض السياسة الاقتصادية التي يريدهاحتى يبقى هذا العالم الإسلامي تحت سيطرته ونفوذه وهيمنته، وحتى تربط أمريكاومثيلاتها من دول الاستعمار العالم الإسلامي بعجلتها وتبقيه سوقاً لبضاعتهاوأطماعها، أوجدت ما يسمى بالرأي العام عن التخطيط الاقتصادي وعن التنميةالاقتصادية، وروّجت لأفكار زيادة الإنتاج الأهلي وغيره من أفكار اشتراكية الدولةأو العدالة الاجتماعية، كما روّجت للكتب التي يصدرها الغرب عن الاقتصاد والتنميةالاقتصادية بغية جعل المسلمين يعتقدون أنه لا بد لهم من السير في مراحل حتى يصلواإلى مرحلة التقدم الصناعي وغيره. إن أفكار زيادة الدخل الأهلي وجعلها أساساًللنظام الاقتصادي خطأ، وإن أفكار اشتراكية الدولة أو الاشتراكية الحقيقية خطأومخالف للواقع، كما أن أفكار العدالة الاجتماعية ظلم وإطالة لعمر النظام الرأسمالي
إنالسياسة الاقتصادية الثابتة لأي بلد مثل العالم الإسلامي إنما تنبثق عن الفكرةالكلية عن الكون والإنسان والحياة.. والبلاد الإسلامية لا يجديها رسم سياسةاقتصادية غير ثابتة، ولا يجديها رسم سياسة اقتصادية منبثقة عن غير الإسلام، بل لابد أن تكون سياستها الاقتصادية مبنية على أساس العقيدة الإسلامية (بمعنى أن تكونالسياسة الاقتصادية للعالم الإسلامي أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنّة أومما يرشد إليهما الكتاب والسنة".
والأساسفي سياسة الاقتصاد في الإسلام تقوم على النظرة إلى أربعة أمور هي:
-1-النظرة إلى كل فرد بعينه فهو فردي في إشباع الحاجات
-2-النظرة إلى إشباع الجوعات الأساسية إشباعاً كلياً حتىتُحفظ حياة كل فرد
3-النظرة إلى إباحة السعي للرزق والمساواة في الإباحة بين جميع أفراد الرعية وذلك لإفساح الطريق أمام كل منهم يأخذمن الثروة ما يشاء ليسير الناس نحو الرفاهية
4-النظرة إلى سيادة القيم الرفيعةعلى العلاقات القائمة بين الأفراد جميعاً
ومنهنا كانت سياسة الاقتصاد في الإسلام هي لمعالجة المشاكل الأساسية لكل فرد باعتباره إنساناً وتمكين كل فرد من رفع مستوى عيشه وتحقيق الرفاهية لنفسه باعتباره فرداً.فتعطي لكل فرد إمكانية الوصول إلى الرفاهية ويُترك له أن يأخذ من هذه الرفاهيةبالفعل النصيب الذي يشاء
فسياسةالاقتصاد في الإسلام هي بجعل القيم الرفيعة تسيطر على العلاقات القائمة بين الناس

وعلى هذا فإن سياسة الاقتصاد التي يجب أن توضع للعالم الإسلامي ليست زيادة الدخل الأهلي أو إيجاد ما يسمى بالعدالة الاجتماعية أو اشتراكية الدولة، وإنما سياساتها يجب أن تكون ضمان توزيع ثروة البلاد الداخلية والخارجية على جميع أفراد الأمّة بحيث يُضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع أفراد الرعية إشباعاً كلياً، ويُضمن تمكين كل فرد منهم من إشباع جميع حاجاته الكمالية على أكبر قدر مستطاع
غيرأنه لما كان توزيع الثروة يعني بيان كيفية حيازتها من مصادرها، فإن تنمية الثروةتأتي طبيعياً من هذه الكيفية للحيازة، فإن الكيفية التي تجري فيها حيازة الأرضمثلاً تؤدي طبيعياً إلى استغلالها وزيادة إنتاجها، وبناء على هذا فإن معالجة موضوعالاقتصاد في البلاد الإسلامية تكون على قسمين منفصلين عن بعضهما ولا علاقة لأحدهمابالآخر. أحدهما: السياسة الاقتصادية، وثانيهما: زيادة الثروة (التنمية الاقتصادية".
أمّاالسياسة الاقتصادية فإن معالجتها تكون في أمرين:
-1-الخطوط العريضة لمصادر الاقتصاد، 2-الخطوط العريضة لضمان الحاجات الأساسية
وأمّامعالجة زيادة الثروة فإنها موضوع آخر وهي لتكثير الثروة وليست لمعالجة الإنسانفتختلف من بلد لآخر، وتعالَج في بلاد الإسلام على أساس إيجاد زيادة في الإنتاجالزراعي مقترنة بثورة في الإنتاج الصناعي حتى تصبح الصناعة رأس الحربة في النموالاقتصادي، وهذا يعالَج في أربعة أبحاث هي:
-1-السياسة الزراعية، 2- السياسة الصناعية، 3- تمويلالمشاريع، 4- إيجاد أسواق خارجية

-1-السياسة الزراعية: وهي تقوم في الأصل على زيادة الإنتاجالزراعي وتسلك عادة طريقين
أحدهما:طريق التعميق بأن تجري المحاولات لزيادة إنتاج الأرض، وثانيهما: طريق التوسيع بأنتزداد المساحات التي تزرع
أ-أمّا التعميق فيحصل بانتشار الأساليب الحديثة بين المزارعين وباستعمال الموادالكيماوية، والعناية بتوفير البذار وتحسينه، وتعطي الدول المال اللازم للعاجزينهبة وليس قرضاً من أجل شراء ما يلزمهم من آلات وبذار ومواد كيماوية لزيادةالإنتاج، ثم تشجع القادرين على شراء ذلك تشجيعاً مؤثراً
ب-وأمّا التوسيع فيحصل بتشجيع إحياء الأرض الموات وتحجيرها، بإقطاع الدولة أراضٍللقادرين على الزراعة ممن لا يملكون أرضاً أو ممن يملكون مساحات قليلة وذلك مماتحت يدها من الأراضي. وبأخذ الأرض مجبراً وعلى الفور مِن كل مَن يُهمل أرضه ثلاثسنوات متتالية
وبهذينالأمرين: التعميق والتوسيع تحصل زيادة الإنتاج الزراعي ويتحقق الأصل في السياسةالزراعية
غيرأن هناك أموراً فرعية في السياسة الزراعية تأتي بعد زيادة الإنتاج ألا وهي نوعيةالإنتاج وإلى جانب هذا أيضاً تقوم سياسة زيادة الثروة فيها على أساس التقدم الماديبالقيام بثورة صناعية إلى جانب
الثورةالزراعية على شرط أن تكون الصناعة هي رأس الحربة في التقدم. ولهذا كله لا بد أنتكون السياسة الزراعية مستهدِفة زيادة الإنتاج في ثلاثة أمور هي
أ-زيادة الإنتاج في المواد الغذائية، ذلك أن هذه المواد لازمة لإطعام المزيد منالسكان ولإبعاد خطر المجاعة عن البلاد في حالة طرؤ قحط أو انحباس مطر أو في حالةحصار اقتصادي. ومن هنا يجب أن يُبذل الجهد لزيادة الإنتاج في حقل المواد الغذائيةسواء في الثروة الزراعية أو في الثروة الحيوانية
ب-زيادة الإنتاج في المواد اللازمة للكساء كالقطن والصوف والحرير، لأنه من الحاجاتالأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها حتى لا نشتريها من الخارج وحتى نبعد عنالناس خطر العري والحاجات إلى اللباس في حالة الحصار الاقتصادي
ج-زيادة الإنتاج في المواد التي لها أسواق خارج البلاد سواء كانت مواد غذائية أممواد للكساء أم غيرها كالحمضيات والتمور والفواكه والمعلبات وغير ذلك
هذامن حيث زيادة الانتاج.
أمّامن حيث مشاريع العمران من مثل السدود والأقنية والآبار الارتوازية وما شاكل ذلك،فإنه لا بد أن يقام بما هو ضروري منها ولا يمكن الاستغناء عنه، لأنه ليس المرادالقيام بثورة زراعية فقط بل المراد القيام بثورة صناعية والاعتناء بالثورةالزراعية عناية كافية لزيادة الإنتاج، لأن الهدف هو إيجاد التقدم المادي وهو لايكون إلاّ بالثورة الصناعية. فالبلاد الإسلامية بلاد متأخرة مادياً وهي تقوم علىالزراعة ولا تكاد توجد فيها صناعات، لهذا يجب أن يوجه الجهد إلى القيام بالثورةالصناعية ومخالفة خطط الدولة المستعمِرة في صرف البلاد الإسلامية للزراعة وتشجيعهاعليها لتعوقها عن التقدم الصناعي فتُبقيها ضعيفة في حاجة الغرب
ويجبأن يلاحَظ أن الحكم الشرعي يقول: ما كان مصرفه مستحَقاً على وجه المصلحة والإرفاقدون البدل ولا يَنال الأمّة ضرر من عدم وجوده فإن استحقاق الصرف له مقيد بالوجوددون العدم. أي إذا كان هناك مال لدى الدولة قامت به وإذا لم يوجد لديها مال لا يصحلها أن تفرض ضرائب من أجله ولا يصح أن تقترض ولو من رعاياها من أجل القيام به

2-السياسة الصناعية: يجب أن تقومالسياسة الصناعية على جعل البلاد بلاداً صناعية، ويُسلك إلى ذلك طريق واحد لا غيرهو إيجاد صناعة الآلات أولاً، ومنها توجَد بقية الصناعات. أي أن يباشَر أولاً وقبلكل شيء بإيجاد المصانع التي تصنع الآلات ثم بعد ذلك تؤخذ هذه الآلات وتُصنع فيهاباقي المصانع، ولا توجد طريق آخر لجعل البلاد بلاداً صناعية إلاّ بالبدء بصناعةالآلات أولاً قبل كل شيء. ثم عدم القيام بايجاد أي مصنع إلاّ عن الآلات المصنوعةفي البلاد..

أمّاالقول بأن صناعة الآلات تحتاج إلى وقت طويل ولا بد أن نبدأ بصناعة الحاجات الأساسية، فهو قول هراء، ودسيسة يراد منها تعويق صناعة الآلات وصرف البلاد إلىالصناعات الاستهلاكية حتى تظل سوقاً لمصانع الغرب والشرق. والقول إن صناعة الآلاتيحتاج إلى إيجاد وسط صناعي من مهندسين وعمال فنيين وما شاكل ذلك هو قول مغالطةوتدليس، فدول العالم الصناعية لديها فائض من المهندسين والعمال الفنيين ويمكناستحضار المئات منهم في الحال حتى يتم إرسال المئات من أبناء المسلمين لتعلم صناعةالهندسة الثقيلة وهو سهل ميسور وفي متناول اليد. ولهذا لا يصح أن يُلتفت إلى أيشيء من الصناعات الاستهلاكية وأن يُحصر الاتجاه نحو إيجاد صناعة الآلات ليس غيرلتحقيق سياسة اقتصادية معينة هي جعل البلاد بلاداً صناعية، ومن أجل هذا لا بد منالبدء بإيجاد صناعة الآلات، وأن يكون هذا البدء ثورة صناعية وبشكل انقلابي لا عنطريق التدرج ولا بالانتظار حتى تقطع مسافات في الصناعة أو حتى تقطع مراحل وهميةتُرسم لنا لإعاقتنا عن السير والحيلولة بيننا وبين الثورة الصناعية
أمّاما عند المسلمين من صناعات استهلاكية فإنها لا تزال في بداية النشوء فتظل هذه كماهي ولا يسار فيها شوطاً أكبر ولا ينشأ غيرها، بل يجب التوقف عند حد ما هو موجودوتغيير الطريق تغييراً فجائياً وحصره بالاتجاه لإنشاء صناعة الآلات، مع الإبقاءعلى باب الاستيراد مفتوحاً حسب سياسة الاقتصاد في الإسلام وحتى يحصل الشراء منإنتاج آلاتنا.وحتى الصناعات التي تحتم السياسة الاقتصادية ملكية الدولة لها مثلصناعة استخراج الحديد وغيره فإن الدولة لا تشتري مصانع لاستخراج هذه المواد لأنهيشغلها عن إيجاد مصانع الآلات ويعوق الثورة الصناعية، بل تشتري الدولة الموادالخام حتى توجد مصانع الآلات أولاً ومنها توجد مصانع استخراج النفط والحديد وغيرهامع الإبقاء على المصانع الموجودة في البلاد دون توسع في ذلك حتى تقوم صناعة الآلاتعندنا.

3-تمويل المشاريع: لا شك أنالسياسة الاقتصادية في الإسلام قد حددت المشاريع التي يجب أن تتولاها الدولة،وحددت المشاريع التي يتولاها الأفراد. فالسياسة الزراعية إنما هي مجال القطاعالخاص يتولاها الأفراد ولا مكان للقطاع العام فيها سوى إمداد المزارعين بالهباتوإنشاء المشاريع العمرانية لا المشاريعالإنتاجية، والسياسة الصناعية محصور مدى القطاع العام فيها بالصناعات التي تصنع ماهو داخل في الملكية العامة، وما عدا ذلك فهو مجال القطاع الخاص.
وهذهالمشاريع سواء ما كان منها في القطاع العام أو ما كان في القطاع الخاص تحتاج إلىأموال حتى تقوم، فمن أين تُموّل هذه المشاريع؟ والجواب على ذلك أنه بالنسبة للقطاعالخاص فإنه يُترك لكل فرد أو شركة أو جماعة أن تموّل مشاريعها بالأسلوب الذي تراهسواء بالقروض أو بغيرها من الطرق المشروعة. أمّا القطاع العام فإنه لا يصح له أنيموّل مشاريعه عن طريق القروض الأجنبية لأنها طريق للاستعمار والسيطرة وبسط النفوذوزيادة الفقر علاوة على أنها لا تؤخذ إلاّ بالربا وهو حرام، فلا بد أن تموّلمشاريعها ذاتياً من البلاد نفسها ولو بفرض الضرائب على الأمّة جبراً وبمقاديركافية لإحداث الثورة الصناعية، وحسبما يبينه الحكم الشرعي في الضرائب. ويمكن تمويلهذه المشاريع عن طريق التسهيلات الائتمانية لأنها من التجارة الخارجية، بشرط أنتُشترى الآلات بثمنها نسيئة ولو بقدر أكثر من ثمنها حالاً على أن يكون ذلك بمعاملةبيع لا بمعاملة ربا.

4-ايجاد الأسواق الخارجية:
إن تصريف الإنتاج من أهم الأمور التي تزيد ثروة البلاد. وقد عُنيَت الدول قديماًوحديثاً بإيجاد أسواق لمنتجاتها حتى قامت عظمة بعض الدول عن طريق حماية تجارتهاالخارجية وإيجاد أسواق لإنتاجها. فلا بد من العمل على إيجاد أسواق خارجية لإنتاجالعالم الإسلامي. إلاّ أنه يجب أن يُعلم أن إيجاد الأسواق لتسويق الإنتاج وحده ليسغاية وإنما هو هدف من الأهداف (مثل: الحصول على بضائع تلزم للثورة الصناعية أوالحصول على العملة الصعبة أو إمكانية إرسال أبناء المسلمين لتلقي التعليم اللازممن هندسة وطب وعلوم متقدمة"... الخ
وبناءعلى هذا تقوم سياسة إيجاد الأسواق الخارجية على أساس تجاري صناعي وليس على أساستجاري فقط، فلا يجري الاهتمام كثيراً بالميزان التجاري مع أي بلد أو الاهتمامبالميزان التجاري العام مع جميع البلدان، بل يجوز أن تُجعل صادراتنا أكثر أومساوية أو أقل من وارداتنا على أن تتحقق السياسة الخارجية فتكون تجارية صناعيةسواء كان فيها الميزان التجاري لصالحنا أم لصالح غيرنا ما دام هذا العمل ييسر لناحمل رسالة الإسلام ونشر الهدى بين الناس. غير أنه ينبغي أن يلاحظ أن الأساس الذينسير عليه في تجارتنا يخالف الأساس الذي تسير عليه باقي الدول كلها. فالدول كلها الآنتسير على أساس منشأ البضاعة لا على أساس موطن التاجر، ونحن نسير على أساس رعويةالتاجر والمال وليس على أساس منشأ البضاعة. ولهذا لا بد من ملاحظة ذلك عند عقداتفاقات تجارية.
فتجارنا الذين هم من رعايانا يتاجرون من غيرهم على أساس الإباحة المطلقة وفي المواد التيلها قيمة شرعاً. لكن تجار رعايا البلاد الأخرى فيعامَلون حسب سياسة الدولةالخارجية معهم، وبهذا يحصل عمل هام من أعمال تنمية الثروة.
ان الافكار في أيةأمة من الامم هي أعظم ثروة تنالها الامة في حياتها ان كانت امة ناشئة، وأعظم هبة يتسلمهاالجيل من سلفه اذا كانت الامة عريقة في الفكر المستنير
أما الثروة المادية، والاكتشافات العلمية، والمخترعاتالصناعية، وما شاكل ذلك فان مكانها دون الافكار بكثير، بل انه يتوقف الوصول اليها علىالافكار، ويتوقف الاحتفاظ بها على الافكار.
فاذا دمرت ثروة الامة المادية فسرعان ما يمكنتجديدها، ما دامت الامة محتفظة بثروتها الفكرية. اما اذا تداعت الثروة الفكرية، وظلتالامة محتفظة بثروتها المادية فسرعان ما تتضاءل هذه الثروة وترتد الامة الى حالة الفقر.كما ان معظم الحقائق العلمية التي اكتشفتها الامة يمكن ان تهتدي اليها مرة اخرى اذافقدتها دون ان تفقد طريقة تفكيرها. أما اذا فقدت طريقة التفكير المنتجة فسرعان ما ترتدالى الوراء وتفقد ما لديها من مكتشفات ومخترعات. ومن هنا كان لا بد من الحرص على الافكاراولا. وعلى اساس هذه الافكار، وحسب طريقة التفكير المنتجة تكسب الثروة المادية، ويسعىللوصول الى المكتشفات العلمية والاختراعات الصناعية وما شاكلها".
"والامة الاسلاميةاليوم تعتبر فاقدة للافكار، فهي طبيعيا فاقدة لطريقة التفكير المنتجة. فالجيل الحاضرلم يتسلم من سلفه اية افكار اسلامية، ولا افكارا غير اسلامية، وبالطبع لم يتسلم طريقةتفكير منتجة. ولم يكسب هو افكارا، ولا طريقة تفكير منتجة. ولذلك كان طبيعيا ان يُرىفي حالة الفقر رغم توفر الثروات المادية في بلاده، وان يُرى في حالة فقدان للاكتشافاتالعلمية والمخترعات الصناعية رغم دراسته نظريا لهذه الاكتشافات والمخترعات وسماعه بهاومشاهدته لها. لانه لا يمكن ان يندفع اليها اندفاعا منتجا الا اذا كان يملك طريقة تفكيرمنتجة، اي الا اذا كانت لديه افكار يبدع في استعمالها في الحياة. ومن هنا كان من المحتمعلى المسلمين ان يوجدوا لديهم افكارا وطريقة تفكير منتجة، ثم على اساسها يمكن ان يسيروافي اكتساب الثروة المادية، وان يكتشفوا الحقائق العلمية، ويقوموا بالاختراعات الصناعية.وما لم يفعلوا ذلك لا يمكن ان يتقدموا خطوة، وسيظلون يدورون في حلقة مفرغة، يفرغونفي دورانهم مخزون جهدهم العقلي والجسمي، ثم ينتهون الى حيث ابتدأوا".
وهذا الجيل منالأمة الاسلامية ليس معتنقا أفكارا مضادة للفكر الذي يراد ايجاده لديه حتى يدرك هذاالفكر الذي يعطى له، ويجري الاصطدام بين الفكرين فيهتدي من هذا الاصطدام الى الفكرالصواب، وانما هو خال من كل فكر من الافكار، ومن أية طريقة من طرق التفكير المنتجة.فهو قد ورث الافكار الاسلامية باعتبارها فلسفة خيالية، تماما كما يرث اليوم اليونانفلسفة ارسطو وافلاطون. وورث الاسلام باعتباره طقوسا وشعائر للتدين، كما يرث النصارىدين النصرانية. وهو في نفس الوقت عشق الافكار الرأسمالية من مجرد مشاهدته نجاحها لامن ادراكه لواقع هذه الافكار، ومن خضوعه لتطبيق احكامها عليه، لا من ادراك انبثاق هذهالمعالجات عن وجهة النظر الرأسمالية للحياة. ولذلك بات خاليا من الافكار الرأسماليةتفكيريا، وان كان يخوض غمار الحياة على منهجها، واضحى وخاليا من الافكار الاسلاميةعمليا، وان كان يتدين بالاسلام ويدرس افكاره.
النظام الرأسمالي هو المشكل ’ والحل في قلعهوازالته
لقد تبين بشكل لا يدعو للشك أن النظامالرأسمالي هو كارثة ليس على المسلمين فقط’ بل هو تهديد حقيقي للانسان في ذاتهونوعه معا ’ أي هو يهدد بقاء ذات الانسان كفرد وبقاء نوع الانسان كانسان .وذلك لأنهذا النظام يقوم على قاعدة فكرية تنافض العقل وتخالف فطرة الانسان وهي عقيدة فصلالدين عن الحياة .
هذه العقيدة لم تكن يوما نتيجة بحث عقلي ’بلجاءت مجرد حل وسط بين مختلف الفئات المتصارعة في أوروبا زمن عصورها المظلمة ’وكانمجرد ترضية للجميع ينهي هذا الصراع واتفقوا على أن يكون الدين مجرد مسألة فردية لادخل له في المجتمع ولا في السياسة ولا في الدولة .
وهذا الذي حدث في أوروبا لا علاقة لهبالمسلمين ولا بالدولة الاسلامية ولا بالاسلام .فالمسلمون حينها كانوا يبهرونالعالم بفكرهم وبكتاباتهم وبانجازاتهم حتى أصبحوا رواد الحضارة ’والدولة الاسلاميةذاع صيتها شرقا وغربا وعم عدلها وحسن تدبيرها مختلف الربوع والأصقاع .
أما الاسلام فهو الدين الذي أنزله الله تعالىعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد جاء منظما لعلاقات الانسان المختلفة سواءعلاقة الانسان بربه كالعقائد والعبادات ’أو علاقة الانسان بنفسه كالأخلاقوالمطعومات والملبوسات والمشروبات ’وعلاقة الانسان بغيره كالمعاملات والعقوبات.فلا فصل بين الاسلام والحياة أو بين الاسلام والمجتمع أو بين الاسلام والدولة .
فالاسلام مبدأ اذ هو عقيدة ينبثق عنها نظامللحياة ’والعقيدة الاسلامية هي أساس كل شيء في حياة الفرد والدولة والمجتمع لأنهاقاعدة فكرية يبنى عليها كل فكر متعلق بالسلوك وكل فكر عن الحياة .وهي قيادة فكريةتقود صاحبها في هذه الحياة .
ومن هنا ’ فالأمة الاسلامية اليوم وقد مضىعليها قرابة قرن وهي تعيش بأنظمة الكفر ومفاهيمه من الدولة المدنية والديمقراطيةوالحرية ’لا يمكن أن تستعيد مجدها من خلال عملية انتخابية باهتة تجري هنا أو هناك’في تونس أو مصر أو اليمن أو غيرها ,فالانتخاب يعمق الجرح ويعقد الأزمة ولا يغير منالحال شيءا ’لأنه فقط مجرد صراع على السلطة بين مختلف الحركات الاسمية والأحزابالمصلحية التي تتفق في مجموعها على مفاهيم الحضارة الغربية وعقيدة فصل الدين عنالحياة ’ولا دخل للاسلام في صراعهم هذا ...
بسم الله الرحمان الرحيم

الانتخابات القادمة في تونس، تعميق للأزمة وتركيز لنفوذ الكفار

منذ مدة والتحضير للانتخابات المزمع عقدها - إنتمت- يجري على قدم وساق، كما أن آلة الدعاية لها قد انطلقت مبكرا لعلهم يتجاوزون خيبة انتخابات 23 أكتوبر الفارطة،والتي نأى كثير من الناس بأنفسهم عنها.
لقدمرت أكثر من ثلاث سنوات على خديعة الربيع العربي التي انطلقت سمومها من تونس، وماصاحبها من عمليات التضليل الفكري والخداع السياسي عبرشعارات "الحوار الوطني" و"التوافق" و"السلمالداخلي" و"الدولة المدنية".
وقد اتسمت هذه الفترة بممارسة الارهاب الفكري والنفسي والسياسي علىالناس من خلال التلاعب بالملفات السياسية والاقتصاديةوالأمنية والعبث بأمن الناس وحياتهم وأرزاقهم وما رافق كل ذلك من قراراتومواقف لا تخدم إلا الكافر المستعمر وشركاته العملاقة المنتصبة في البلاد تنهبخيراتها وثرواتها صباحا مساءا على طول البلاد وعرضها.
إن ماسبق ذكره كان وما زال يتم تحت حماية هؤلاء الحكام الجدد من رئاسة وحكومة ومجلستأسيسي مع شركائهم من أحزاب وهمية ومنظمات عميلة لا تستطيع الاستمرار والبقاء إلابتدفق الأموال الخارجية عليها من الغرب الكافربقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعدكل هذه الجرائم التي تقع بحق أهلنا في تونس، وماصاحبها من مذلة واهانة لهذا الشعب العزيز الذي استمد عزته كباقي شعوب الأمةالاسلامية من عقيدته الاسلامية " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِوَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ"، جاءت عملية سن الدستور باملاء من دوائر الاستعمار، ثم كانت فضيحة رفعالتحفظات عن اتفاقية سيداو التي تشرع للفاحشة والفجور، وجريمة اغراق البلاد فيالديون الاستعمارية عبر الاقتراض من بنوك المستعمر الكافر التي جعلها وسيلةلاستعمار الشعوب وتفقيرها.
ومن خلالتضليل الرأي العام، مورس بحق الناس أكبر عملية ارهاب نفسي وفكري عبر الترويجللافلاس والعجز مع أن حكام البلاد يسمحون للمستعمروشركاته بنهب خيرات البلاد من نفط وغاز وفسفاط وملح ويورانيوم وغير ذلك.
واليوم باتوا يستغلون ما صنعوه من "ارهاب"لعزل مناطق بأسرها عن باقي البلاد وكأنهم لا يكتفون بما عليه حال الأمة من تقسيمفرضته اتفاقية "سايكس بيكو1916" المذلة والتي أنتجت هذه الدول الكرتونيةالتابعة وهؤلاء الحكام العملاء.
وهملا يكتفون بذلك بل يمهدون لمزيد من التقسيم والفصل بحجة ايجاد مناطق عسكرية مغلقةبدعوى أنها مناطق عمليات لمحاصرة الارهاب الذي صنعوه ويحمونه ويريدون لهالاستمرار. فاعتبار أكثر من 35 ألف كلم مربع مناطق عسكرية مغلقة، وتحت أنظارالجميع، ما هي إلا مقدمة لتمكين أمريكا وحلفائها من الغربمن اقامة قواعد عسكرية دائمة في هذا البلد المسلم الذي انطلقت منه الفتوحات نحوافريقيا وأوروبا.
وفيهذه الظروف وحتى لا ينكشف وهم الاصلاح وزيف التغيير، كان لابد أن تظهر هذه الأعمال على أنها تعبير عن ارادة شعوب المنطقة وليست مفروضةمن الخارج من خلال مسرحية الإنتحابات. فأميركا وبعد تجربة احتلال العراقسنة 2003م تريد السير في سياسة كسب العقول والقلوب، وتريد أن تظهر نفسها أنهاناصرة الشعوب وداعمة لتحررها من الدكتاتورية.
وأميركاتريد أيضا أن يكون الحكام الجدد، وهم عملاؤها بلا شك ولا ريب، يتمتعون بدعم قاعدةعريضة من الشعب من خلال موجة الإنتخابات التي تجتاح المنطقة، وهو ما يظفي بعضالشرعية على قراراتهم وأعمالهم لصالح المستعمر الكافر.
إنالانتخابات المزمع عقدها في تونس، سواء كانت رئاسية أو تشريعية، لا تعدو أن تكونسوى عملية تضليل وخداع جديدة تمارس على الناس، ويتم تسويقها عن طريق أدواتالاستعمار الممثلة في بعض السياسيين والاعلاميين ومنظمات المجتمع المدني الذينتستعملهم أميركا لانجاح مشروعها "خديعة الربيع العربي".
إنهذه الانتخابات لا علاقة لها باختيار الناس ولا برضاهم، لأن التوافق السياسي بينالقوى السياسية هو عنوان المرحلة. فالتوافق يقتضي أن يكون الجميع شركاء، وحتىيكونوا كذلك وقع تحديد كيفية الانتخاب من خلال القانون الانتخابي سلفا، وهو :
أولا:أن يكون الاقتراع على أساس القائمات وليس الأفراد، فبهذا الشكل لا يعرف الناخب منهو الشخص المعين الذي سينتخبه. وعليه فلا يحقق هذا النوع من الانتخاب التمثيلالحقيقي لأنه انتخاب لمجهول، والتمثيل الحقيقي هو الاقتراع على أفراد يعرفهمالناخب ويعيش معهم ويعرف تفكيرهم وميولاتهم ويستطيع أن يحاسبهم متى رأى أنهم قد انحرفوا. وقد سبق لعديد من رجال القانون أنحذروا من هذا النوع من الاقتراع ومن بين هؤلاء السيد قيس السعيد.
ثانيا:إن أغلب الأحزاب والحركات تفتقر لأدنى تواجد شعبي، فهي تجمعات حول أفراد ومصالح أوشعارات مبهمة. ومع ذلك فالتوافق يقتضي أن تكون شريكة في الحكم حتى ولو لم يخترهاالناس. وحتى يتم اشراكها في الحكم تم اعتماد نظامالبواقي، وهو حجم الأصوات الباقية التي لم تبلغ النصاب الانتخابي ولا يمكنهاالحصول على مقعد. فهذه الأصوات تذهب لهذه التجمعات الاسمية التي لن تجد فرصة إلامن خلال هذه البواقي. وهذه أكبر مهزلة وعملية تضليل تمارس على الناس حيث يتماستبلاه عقولهم، فتعطى أصوات الناس لمن لم يحصل عليها ولا يستحقها؛ وكل ذلك يتم باسم القانون.
إنالتوافق الذي تريده أميركا وتسعى إليه هو أن يتمبين مختلف الأحزاب والكتل السياسية التي تتبني جميعها فكرة أساسية واحدة وهيالديمقراطية، والتي تعني فصل الدين عن الدولة التي يروج لها الغرب الكافر.
ومنالواضح أن جميع الأحزاب والتكتلات الجماعية تتبنى نفس المنظومة الفكرية والقيميةالتي رفعها الغرب بقيادة أميركا مثل الحرية والديمقراطية والدولة المدنية والعدالةالإجتماعية وحقوق الإنسان.
إنجميع الأحزاب التي ترفع شعارات الغرب تلك، تظل مبهمة غامضة وتفتقر للوضوح والتفصيلفي تعاملها مع الناس، فهي لا تقدم لهم بديلا أو مشروعا فكريا وسياسيا نابعا منعقيدة الأمة.
فالأصلفي الإنتخاب أن يكون على أساس ما اقتنع به الناس من بديل منبثق عن عقيدتهم التيآمنوا بها وهي العقيدة الاسلامية، وهي عقيدة التوحيد التي تناقض مع عقيدة فصلالدين عن الحياة التي تروج لها هذه الأحزاب ذات المرجعية الغربية أو التي تلك التيتدعي أنها ذات مرجعية اسلامية مع أنها تتبنى جل قيم الغرب السياسية والفكرية.
لذلكفالانتخابات القادمة لا علاقة لها بالتمثيل ولا بالتوكيل. فالانتخاب هو توكيل عنالشخص في الرأي إذا كان الأمر يتعلق بمجلس الشورى، وهو توكيل في الحكم إذا كانالأمر يتعلق بانتخاب رئيس الدولة. وفي كلتا الحالتين لا بد من حصول معرفة دقيقةبين طرفي العقد وهو الناخب والمنتخب أو الوكيل والموكل عليه؛ وهذا أمر غير متوفرفي الانتخابات القادمة.
وبالإضافةإلى ذلك فإن التوكيل في الرأي لا يكون في التشريع لأن المشرع هو الله سبحانهوتعالى، ومهمة الاستنباط هي للمجتهدين وليس للنواب، ولا عبرة للأكثرية أو الأقليةفي هذا الأمر، بل العبرة بالنص من القرآن والسنة والاجماع والقياس وليس غير؛ كماأنه لا عبرة للأكثرية أو الأقلية في الحصول على رأي فني أو اصطلاحي لأنه يحتاجلأهل الخبرة وأهل الاختصاص.
أماإذا كان التوكيل في الحكم فالانتخاب في الاسلام هو فقط للمترشحين للرئاسة منالمسلمين الذين سوف يحكموننا بالإسلام. ومن يفوز بأكثرية الأصوات لا يصبح حاكما أورئيسا بمجرد حصوله على أكثرية الأصوات كما في النظام الديمقراطي الذي تروج لهأميركا.
فالانتخابفي الإسلام ليس طريقة لتنصب الحاكم في موقع رئاسة الدولة بل هو أسلوب لاختياره منبين المترشحين، أما طريقة تنصيب رئيس الدولة فيتم عن طريق بيعة الانعقاد؛ وهي عقدمراضاة واختيار بين الحاكم والمحكوم ومضمونها هو تطبيق الاسلام لا غير.
إنالحاكم في الإسلام ليس أجيرا عند الشعب يطبق ما يريده الشعب كما في النظامالديمقراطي بل الحاكم هو نائب عن الناس في تطبيق الاسلام، فلا يحق له أن يطبق غيرالاسلام. وإذا خرج الحاكم عن مضمون عقد البيعة في تطبيق الإسلام فإنه يخلع ويعزل،وإذا رفض قبول العزل أو الخلع فإنه يحارب. كما لا يحق للناس أن يطالبوا الحاكمبتطبيق غير الاسلام، بل يجبر من امتنع عن ذلك ولو بمقاتلته كما فعل أبو بكر الصديقرضي الله عنه مع المرتدين ومانعي الزكاة .
إن مايريده الغرب بقيادة أميركا من خلال هذه الانتخابات هو تثبيت مفاهيمه المنبثقة عنعقيدة كفر وهي عقيدة فصل الدين عن الحياة، وذلك حتى تصبح عقيدته بديلا عن عقيدةالتوحيد وبديلا عن المفاهيم الاسلامية وقيم الاسلام. "أَفَنَجْعَلُالْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْلَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ(38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّلَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْلَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَيُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ(42)".
ماذايريد منا الكفار بقيادة أميركا؟
إنأهم ما يريده منا الكفار بقيادة أميركا بعد الانطلاق في الخديعةالكبرى"الربيع العربي":
أولا:تغيير عقيدة الأمة من العقيدة الاسلامية إلى عقيدة فصل الدين عن الحياة، والتيمنها فصل الدين عن الدولة، وهذه هي الدولة المدنية، وفصل الدين عن السياسة، وهذههي الديمقراطية، وفصل الدين عن الإقتصاد، وهذه هي الرأسمالية. ولذلك سموا عقيدتهمبالرأسمالية لأن رؤساء الأموال هم المتحكمون في الحياة والمجتمع والدولة عندهم.
ثانيا:تغيير العقيدة القتالية لجيوش المسلمين، وذلك عبر تحويلها من مقاتلة العدو الخارجيوالمحتل إلى مقاتلة الشعب في الداخل بحجة محاربة الارهاب ومكافحة الجريمة المنظمة.هذا بالإضافة إلى الدور التقليدي الموكول إلى هذه الجيوش، وهو حماية الدولةالمدنية وعقيدة فصل الدين عن الحياة.
ثالثا:تكوين جيل من الشباب والنساء منفصل عن حضارته وعن عقيدته وعن تاريخه ومبهور بثقافة الغرب الكافروشعاراته، وبذلك يسهل على الغرب اغواؤه واشاعة الفاحشة بين صفوفه. وهذا الأمر هومن أهم أدوات تحكم الغرب في مصائر المسلمين.
رابعا:المزيد من تقسيم ما أنتجته اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916 من دويلات كرتونية سوفيتجاوز عددها 80 دولة، وذلك حتى يسهل التحكم بها ونهبها وابقاء الاستعمار فيها. وتدفع الدول الغربية بلادنا الإسلامية نحو من مزيد من التجزئة تحتعناوين حماية الأقليات وحق الشعوب في تقرير مصيرها، مستغلة ملف"الارهاب" الذي أنتجته على عينها لتسريع عملية التقسيم كما نرى ذلك فيليبيا واليمن والعراق وسوريا وربما حتى في تونس.
وحتىلا تظهر هذه الكوارث بمثابة جرائم غربية واستعمار جديد وتبدو وكأنها اختياراتشعوب، كان لا بد من وجود حكام ونواب للناس يحضون بدعم شعبي ويمررون المؤمراتالغربية عن علم أو عن جهل. لهذا جاءت موجة الانتخابات الأخيرة بعد انطلاق خديعةالربيع العربي في كل من تونس ومصر والجزائر واليمن وايران والعراق وتركيا لترسخالتضليل في وعي الناس والمؤامرة على الأمة.
إنمشروع الشرق الأوسط الكبيرالذي أعلنت عنه أميركا منذ 2004م، وما يسمىبـ"الربيع العربي"الذي تديره أميركا عن طريق عملائها ماهو سوى أحد المخططات الأمريكية من أجل تجديد استعمارها للأمةواحكام قبضتها على عليها بعد أن رأت منها بوادر التحرر والإنعتاق نحو الإسلام كماأنزاه الله على محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. وما الانتخابات التيجرت وسوف تجري في تونس وغيرها من البلاد الإسلامية سوى محاولة هزيلة من الكفار منأجل اضفاء شرعية على الاستعمار الأميركي والأوروبي لبلاد المسلمين.
إن المشاركة في هذه الإنتخابات أو غيرها ضمن خديعة الربيع العربي ليستسوى وسيلة من الوسائل التي تجعلنا خداماوأدواتا عند أمريكا، تسخرنا لقضاء مصالحها الآنية والإستراتيجية..فالله الله ياأيها المسلمين أن تكونوا جسرا تعبر منه أمريكا وحلفاؤها في أوروبا نحو القضاء علىالإسلام والمسلمين..!!! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْالْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

الأولىأنه نظام فاشل باطل يهدد وجود الانسان كانسان
*الثاني أنه يطبق علينا عن طريق الاستعمار وبالحديد والنار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا