الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى إستشهاد محمد بوضياف-جريمة المافيا المالية-السياسية-

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2017 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في ذكرى إستشهاد محمد بوضياف
- جريمة المافيا المالية-السياسية-


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-




مر ربع قرن على إستشهاد محمد بوضياف يوم29جوان1992، وهو ما يحتاج منا اليوم إلى عدة تساؤلات، ومنها: فهل لو أستمر بوضياف في الحكم فترة أطول سيحدث تغيير جذري في نظام الحكم الجزائري؟، فهل فعلا يمثل بوضياف قطيعة مع النظام في تلك الفترة؟، فهل سعى لإحداث ذلك، فتم إغتياله؟ هل لو أستمر حكمه سيتغول المال الفاسد في دواليب الدولة، ويزحف رويدا رويدا إلى الأحزاب السياسية بما فيها المعارضة بكل توجهاتها؟ هل للمافيا المالية-السياسية التي هددها دور في إغتياله؟.
يمثل بوضياف في حقيقة الأمر قطيعة وإستمرارية في نفس الوقت، ولايمكن لنا فهم هذا الطرح بمعزل عن شخصيته وطبيعته وتجربته التاريخية، فمثلا أثناء نضالاته في التيار الإستقلالي المتمثل في الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية، ومنه جناحه الشبه العسكري المنظمة الخاصة، وبالضبط عند نشوب الأزمة بين المصاليين والمركزيين في 1953 داخل هذا التنظيم الذي كان يقود النضال التحرري الإستقلالي سعى بوضياف الذي عاد من فرنسا لإنقاذ التيار الإستقلالي من الإنفجار بإنشائه اللجنة الثورية للوحدة والعمل، لكن عندما فشل في تحقيق ذلك أمام تزمت المصاليين خاصة، قام بالدعوة إلى القطيعة تماما مع المتصارعين داخل هذا التنظيم اٌلإستقلالي وتجاوزهما، أي أنتقل من محاولة الإنقاذ إلى القطيعة ثم الجمع من جديد لكل الأطراف والتيارات الموجودة في الحركة الوطنية في تنظيم جديد سمي ب"جبهة التحرير الوطني"، وهو العمل الذي سينجزه فيما بعد عمليا عبان رمضان بعد إقناعة كل التيارت بحل نفسها والإلتحاق كفرادى إلى جبهة التحرير الوطني، كما رفض بوضياف الإتصال بمصالي وإعطاءه مشعل قيادة الثورة رغم كل محاولات صديقة ديدوش مراد إقناعه بذلك، فقد عمل بوضياف من أجل قطيعة مع مصالي وممارسات حزبه، لم أورد كل هذا الكلام للتاريخ، بل لأبين طبيعة بوضياف، حيث حاول تكرار نفس الشيء مع النظام الجزائري عند مجيئة إلى السلطة في جانفي1992، ففي البداية عندما جاء كان تفكيره إنقاذ الجزائر والدولة الوطنية، كما تجلى ذلك في اللجنة الوطنية لإنقاذ الجزائر التي تعد القاعدة الإجتماعية والسياسية الأولى لبوضياف، والتي كان يغلب عليها التيارات الوطنية اليسارية والديمقراطية القريبة أيديولوجيا من بوضياف، لكن هذا الأخير كان يفكر إنطلاقا من ذلك في القطيعة مع النظام السائد، ويؤسس لنظام جديد تماما مع ضمان إستمرارية نفس الدولة الوطنية، وبتعبير آخر سيعيد نفس ما قام به للحركة الإستقلالية لكن بالنسبة للدولة هذه المرة، أي قطيعة مع ممارسات وآليات عمل النظام مع إستمرارية الدولة الوطنية الجزائرية، فهو عندما جاء في البداية كان يعتبر ذلك تضحية منه من أجل إنقاذ الدولة الوطنية من الإنهيار، ونحن كلنا نعلم قداسة الدولة الوطنية عند هذا الجيل الذي أقامها إلى حد اليوم، فحتى ولو كان رأس النظام فاسد، فهم يقفون معه ليس حبا فيه، لكن خوفا من إنهيار هذه الدولة التي حرم منها الجزائريين لقرون، فلم يكن بوضياف بمعزل عن هذا التفكير والذهنية، فكل هذا الجيل رأى بعينه ميلاد الدولة الوطنية بعد قرون، فلن يضيعها حتى ولو كان على رأسها نظام فاسد، ولهذا نجد مثلا بن يوسف بن خدة، وهو من نفس جيل بوضياف يستسلم لجماعة بن بلة-بومدين في 1962، ويقول كلمة شهيرة عن خصومه "المهم أنهم جزائريون"، وكان بإمكانه أن يستخدم مساعدات أقترحت عليه لمواجهة مجموعة بن بلة-بومدين التي انقلبت عليه.
لكن في حالة بوضياف في 1992 فقد غاب عنه للأسف مسألة أن التفكير الإستراتيجي بالنسبة لمرحلة الدولة، ليس هو نفسه بالنسبة لمرحلة التحرير، فإن كان بوضياف يعرف جيدا التيار الإستقلالي من داخله وتوازناته وآليات عمله، إلا أنه كان يجهل ميكانيزمات وآليات عمل النظام الذي أتى به، فلم يعرف كيف يقوم بالقطيعة مع تلك الآليات، ويحدد الأولويات والخطوات الأولى لذلك، وماهي العراقيل والعوائق التي سيصطدم بها وكيفية تحييدها، لأنه لا يعرف النظام جيدا، ولهذا لا يمكن لنا فهم كل ممارسات بوضياف إلا في هذا الإطار.

فعندما جاء بوضياف في 1992 وجد وضعا خطيرا جدا بالنسبة لمسار ومستقبل الدولة الوطنية التي ضحى من أجل إقامتها ملايين الشهداء، فكان الوضع آنذاك يشكل تهديدا لإستمرارية الدولة، مما يستدعي القيام بممارسات كانت ضد قناعاته، لكن في بعض الأحيان منطق الدولة يفرض نفسه، لكنه كان يحمل مشروعا مناقضا لمشروع النظام الذي وجده، والذي همشه منذ 1962، ولهذا أراد إستغلال الفترة الإنتقالية كمرحلة لإنقاذ الدولة من الإنهيار، وكذلك التغيير ثم الإستعداد لإنتخابات رئاسية مستعينا بتغييرات بدأ يحدثها داخل النظام ذاته بإدخاله عناصر وطنية أجنبية عن النظام ومعارضة له، وأغلبها كانت من اليسار الوطني والديمقراطي التي كانت تشكل أغلبية أثناء الثورة التحريرية، خاصة أن البعض كانت معه في "حزب الثورة الإشتراكية" الذي أنشأه في سبتمبر1962، وتعرضت للقمع، وكان يرى أنه بعد حصوله على الشرعية الشعبية بالإنتخابات سيشرع من موقع قوة لإحداث قطيعة تامة مع النظام والتأسيس لنظام جديد يراه هو الإستمرارية لأفكار الثورة وقيمها أين نجد سيطرة للأفكار الوطنية الديمقراطية واليسارية، كان يمكن أن يكون بوضياف في الجزائر مثل أتاتورك في تركيا، خاصة في إحداث قطيعة مزدوجة مع النظام القديم الذي أسسه بن بلة –بومدين ومع الإسلام السياسي، خاصة المتطرف منه الذي كان يرى أن ممارساته غريبة تماما عن المجتمع الجزائري وقيمه.

يبدو أن بوضياف أراد تكرار نفس تجربة وفكرة جمع كل القوى في جبهة التحرير الوطني في 1954 لتحرير الجزائر، لكن بهدف إعادة البناء الوطني للجزائر على أسس صحيحة وسليمة في1992، لأنه يرى ما وقع في 1962 هو إنحراف عن قيم ومباديء الثورة، وللقيام بذلك يحتاج إلى تنظيم "التجمع الوطني"، لكن غابت عنه أشياء عديدة، ومنها أن الظروف بين 1954 و1992 ليست نفسها، فكما انخرط في هذا التجمع الكثير من الوطنيين، ومنهم مجاهدين كانوا مقصين من النظام السابق، وألتحق به شباب وإطارات كانت مقصية أيضا، إلا أنه أنضم إليه أيضا إنتهازيون معروفون بأكلهم في كل الموائد والتصفيق لكل قوي، وهؤلاء الأخيرين هم الذين أفشلوا مشروعه بعد وفاته، حيث تمكنوا من الإستيلاء على التجمع الوطني مؤقتا قبل إنهاءه ودفنه نهائيا وإقصاءهم من جديد للقوى الوطنية التي جاء بها بوضياف، فبعد إستشهاد بوضياف عاد النظام السابق إلى نفس آلياته السابقة، ولهذا كنت أقول دائما أن تصفيته كان إجهاضا لمشروع إعادة إحياء قيم ومباديء الثورة الجزائرية من جديد، وقد استفادت عدة أطراف بإستشهاده، فكما استفادت التيارات الدينية، خاصة الفيس المنحل، لأنها خشيت أن يسحب منها شعبيتها النسبية، فقد أستفادت أيضا عناصر من النظام التي خشيت على مصالحها التي بدأ يمس فيها، لكنه تسرع نوعا ما، حيث شرع في ذلك قبل أن يكمل تأسيس قاعدته الإجتماعية، مما سهل التخلص منه في ظروف غامضة جدا، ولعل التاريخ سيكشف لنا من وراء ذلك في المستقبل

وفي الأخير نقول أنه لا يمكن لنا الحكم على فترة ممتدة على ستة أشهر تقريبا، وهي فترة شهدت ظروفا خاصة وإستثنائية، وقد مرت هذه الفترة بمرحلتين في نظري، فهناك مرحلة أولى ركز فيها على إنقاذ الدولة الوطنية بأي ثمن كان، فغلب على هذه المرحلة منطق الدولة بقبوله بقرارات مأسوية للأسف الشديد، ثم شرع في مرحلة ثانية، وتتمثل في سعيه لإحداث القطيعة مع النظام السابق وإعادة البناء للدولة الوطنية بنزوله إلى الشارع حاملا معه خطابا جديدا قريب من الشعب، وبلغته الجزائرية البسيطة، ومنها إستخدامه مثلا مصطلح "المافيا-المالية-السياسية"، وهي من المصطلحات الغالبة على بعض خطابات التيارت الوطنية اليسارية، والتي تشير إلى البرجوازية البيروقراطية التي تشكلت عبر إستغلال النفوذ السياسي والإداري بإسم الإشتراكية والأحادية الحزبية، وهي إشارة صريحة منه لبعض المتحكمين في دواليب الدولة ثم أغتنوا بأساليب مشبوهة سواء في الماضي أو الحاضر، ولم يكتف بوضياف بهذه الإشارة الشجاعة إلى هؤلاء، بل شرع في المساس بمصالح هذه المافيا المالية-السياسية بإرساله ضباط مخابرات للقيام بتحقيق عن أموال مسؤولين في فرنسا، فهنا بدأ يشكل خطرا كبيرا على عدة أطراف، فنحن نعرف أن شروعه في محاربة هذه المافيا السياسية-المالية كانت ستكسبه شعبية كبيرة، وستسمح له في توطيد سلطته، أي حصوله على شعبية أو شرعية بالممارسات قبل حصولها بالإنتخابات، وهو ما سيؤدي حتما إلى قطيعة مع كل ما أنتجه النظام الذي ولد في 1962 ضد بوضياف والكثير من زملائه الذين تم إقصائهم من المشهد السياسي والتاريخي للجزائر طيلة ثلاث عقود من الزمن.


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرأي قبل شجاعة الشجعان
دزيري ( 2017 / 6 / 30 - 12:16 )
لا تكفي النوايا الطيبة وحدها لأصلاح الاوضاع كما هوالحال عند بوضياف بل كما قال الشاعر الرأي قبل شجاعة الشجعان

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس