الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المناضل السابق جهاد النِّمْس

علي دريوسي

2017 / 7 / 1
الادب والفن


ما الذي يعيقنا عن تسمية الأشياء والأحداث والأشخاص بمسمياتها الحقيقية؟ هل تكمن الإعاقة في الأخلاق المجتمعية أم في القانون أم في الخوف من الفضائح ولا سيّما إذا ما كانت بيوتنا أيضاً من زجاج، كبيت من نريد الحديث عنه بالكلمات والحجارة؟ أما من لم يكن بيته من زجاج فمن حقه أن يتكلم بوضوح، لكن دون الحاجة للحجارة.

كنّا أطفالاً عندما دخل العشرات من الدراويش في عام 1979 وعام 1981 إلى السجون بتهمةِ الاِنتماء الصداقيّ إلى واحد من التجمعات الحزبية المَحْظُورة، دخلوا إليها في الحقيقة طواعيةً، هذا إذا ما أخذنا العامل النفسي بعين الاعتبار ورغبتهم في التحول إلى رمز وبطل على مستوى القرية أو العائلة، دون وجه حق.

بعد مرور سنة أو سنتين أطلق من كانوا يسمونه بالدكتاتور سراح معظمهم، بعد أن بكوا نادمين، توسلوا وأقسموا له بالأولياء وبالمزارات ذات الأسرار المقدسة وكذلك بحياة الخليفة الرابع، ووعدوه بأنهم مهما طال الزمن سوف لن يقتربوا من مربع الكلام السياسيّ، أمضوا تعهداتهم وعادوا إلى عائلاتهم، واستراحوا من العبء الذي لم يكونوا قدّه.

ولا تنسوا أن هناك قسم منهم ممن قام أقرباؤه العاملون بالقطاع العسكري والحزبي بحرق إضبارته وإخراجه من السجن بعد عدة أيام. وهناك أيضاً من يقول أنَّ السيد عبد الرؤوف الكسم، رئيس سابق للحكومة ولاحقاً لمكتب الأمن القومي، قد تبّنى في نهاية الثمانينات أضابير البعض منهم والمقدّمة من قبل عائلاتهم، وساعد بذلك بعض الأهالي على إيجاد مخارج آمنة لأولادهم ممن تورطوا في طرح شعار إسقاط السلطة.

أسميناهم الدراويش، لأنَّ الثقافة كانت بريئة من أغلبهم، وكذلك المعرفة العامة واللباقة الاجتماعية والعائلية، وكانت تلك التي تُسمّى بالكاريزما معدومة، حتى أنَّ البعض من أفراد عائلاتهم، الزوجة أو الأم مثلاً، رغم عدم دخولهن المدرسة يوماً، كان يعتقد باقتراب تحقيق شعار التجمع، المطلب الاستراتيجي المتمثل بدحر الدكتاتورية، بل ويجهِّز نفسه لاستلام حقيبة وزارية.

خذوا على سبيل المثال حكاية البطل سليمان، التي حدثت فعلاً:
بعد أن أفرجت السلطات المعنية عنه، زاره أهل الضيعة يهنئونه بالسلامة، سألوه في إحدى الأمسيات: قُل لنا أيها الغالي سليمان وأنت المثّقف السياسي الكبير في قريتنا: ماذا يعني هذا المسمّى "صراع طبقي"؟
نظر الكبير إليهم بحزنٍ وفوقيةٍ نظرةَ تأنيبٍ، ولم يستطع الإجابة! لعله شرب كثيراً ذلك المساء، كما عادته، قال لهم باستهزاءٍ: اذهبوا من هنا... تبوّلوا وناموا... من العيب طرح مثل هذه الأسئلة.
في تلك السهرة لم يتمالك أبو الحسن، أحد فلاحي الضيعة، أعصابه، شعر بالإهانة، قال بصوتٍ ساخرٍ: دعوه بحاله يا جماعة، بحضي بديني مفتكر صاحبنا الصراع الطبقي عبارة عن طق طباق ألمنيوم بعضها ببعض، ليس إلا... يالله يا جماعة تصبحون على خير، نهضَ ونهضَ معه الزوَّار.

ما الذي وددت إخباركم به؟ أتمنى ألّا أكون قد ضيّعت الفكرة، ثم أنّ لا رغبة لي في إعادة قراءة ما كتبته هنا، لأنّ هذه القصة تفتقر لخصائص القصة، أرجو أن تعذروني إن لم تصلكم الفكرة، لحظة من فضلكم، لقد تذكرت ما أرغب أن أختم به هذه الحكاية...
قلتُ: كنّا أطفالاً عندما دخلوا المسرح، رغبة منهم بالظهور.

ومع هذا ولجهلنا كأطفال ولاحقاً كمراهقين، ولغياب المعلومة الصحيحة، ولخوفنا من ألسنة نسائهم الأُمِّيَّات فعلاً، تلك الألسنة الصفراء التي كانت دائماً بالمرصاد لكل شاب وشابة، ممن حاولوا نقد بعض الممارسات السياسية الغبية للتجمع، ظناً منهن أنهن قُوَّاداته الحقيقيات، فكان أبسط ما يمكن لهن قوله عن شخص ما، ولا سيما إذا كان ناجحاً بدراسته، محبوباً من وسطه، أو بدأ يكوّن ثروته الثقافية: هذا الشخص مخبر لا تثقوا به، أو هذا الشخص لا أخلاقي، أو مشكلجي. لهذه الأسباب كلها، رحنا نظهر احترامنا وتقديرنا لكل من دخل المسرح وخرج منه، معتقدين أنّه يملك المعرفة وعادة الثقافة السرية.

وقبل أن تضيع الفكرة، سأسارع إلى النهاية.
واحد من هؤلاء واسمه جهاد، قصير القامة والقوائم، مستطيل الجسم والذَّنب، دون رقبة، وجهه يشبه المُضَلَّع سُداسيّ الرؤوس، يصطاد طعامه في الماء العكر، يتغذَّى على الأفاعي السامة والجِرْذَان، رائحة فمه كريهة، أما وضعه المادي فكان في ذاك الوقت ممتازاً ، لذا كان يعتقد أنّه من سلالة الديك الرومي.
المهم هذا المجاهد الذي يكبرني على الأقل بخمسة عشر سنة، والذي لم أدخل إلى بيته إلّا مرة واحدة في حياتي برفقة جاري العزيز نبيل، حيث تحدثنا معه قليلاً بشأن أمرٍ خاص وشربنا عنده فنجان قهوة وودَّعَناه، وأنا كلي فخر لرؤيته، إذ أني، كما كنت أعتقد يومئذٍ، كنت جالساً مع رمز سياسي.

المهم راح هذا المواطن الوقح بعد ذاك التعارف ومازال إلى هذه اللحظة يلاحقني منذ ربع قرن، مع العلم أني لو رأيته اليوم سوف لن أتعرّف على وجهه القبيح بعد هذا الغياب الطويل، يتكلم هذا الأبله عني بالسوء حالما تتاح له الفرصة، يقول للآخرين مثلاً: ابتعدوا عنه، شاب لا أخلاقي، فاشل اجتماعياً، غير محبوب، لا يستطيع أي إنسان معاشرته، مشكلجي، يُغلق الشوارع ويضرب ويقتل، لا أنصحكم بالتعامل معه وما شابه...

المهم، ها أنا أصل إلى النهاية، سأتبرع بباقة ورد لمن يلتقيه ويقول له: عيب يا جهاد، ألا تخجل من أفعالك؟ ما الذي يدفعك كل هذا العمر كي تحقد على شخص، لم يجلس معك أكثر من نصف ساعة في حياته، دون أن يقدم لك أي إساءة، بل على العكس، فقد كان فخوراً بك لأنك دخلت المسرح، بغض النظر عن كيفية خروجك منه، نعم باقة ورد وفوقها بطحة عرق لمن يبصق على لسانه، نيابةً عني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إسرائيلي يعيد بناء أنفاق حماس تضامنا مع المحتجزين الإسر


.. صابر الرباعي: أتمنى المشاركة في عمل كوميدي مع أحمد حلمى أو ه




.. البلالين ملت الاستوديو?? أجمل أطفال الوسط الفني مع منى الشاذ


.. كواليس أخطر مشهد لـ #عمرو_يوسف في فيلم #شقو ????




.. فيلم زهايمر يعود لدور العرض بعد 14 سنة.. ما القصة؟