الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية الفصل الأول من الثورة

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن الفصل الأول من أحداث 2011 العربية المزلزلة قد انتهى من حيث فكرته، و لا يزال أمامنا إلا متابعة تفاصيل المشاهد المتبقية منه، و كأنها رواية كتبها عـقل ماكر أو لا يزال يكتبها من زاوية عيشنا فيها، و هو الكاتب العظيم الذي تكون كتابته هي مآزقـنا و ثوراتـنا و حيرتـنا و تـقـلباتـنا و دماؤنا التي تسيل انهارا هنا و هناك، و انتحاراتـنا، و سرقاتـنا و نهبنا و تدافعنا نحو التهام العالم أمامنا و كأننا ما نبغي إلا التهام أنفسنا، وسط معمعة الحرية الصاخبة البركانية، التي تبدو جحيمية،و التي ترمي بحممها هنا و هناك..و أي كتابة عـظيمة بدون دم يفور؟
إلى أن تـتكون صخور جديدة و تـتخلق تربة جديدة بفعل حمم البركان ساعتها يمكننا أن نبني غدنا بوعي و عقلانية بمقاسات الجماعات، أما الأفراد من المفكرين بعمق ما وراء ظاهر الأشياء التي لا تـشكل بدورها سوى إشارات لمخاضات العقل، فيجب عليهم أن يثوروا بدورهم على الأكاديمية و الجاهزيات من المفاهيم، و يتخبطوا بعقولهم في عالم الظواهر ليستـنطقوا حركة العقل من خلالها.. يجب أن يفكر المفكر بحرية تامة و له أن يتأرجح بين الشك و اليقين ما بينه و ما بين نفسه كما يشاء، لكنه مطالب بالإنتاج العقلاني الذي يحركه قلب مفعم بالألم و النشوة و الانشداد إلى جاذبية الحقيقة كما الانشداد إلى جاذبية صنع خلق جديد لشعبه و أمته و الإنسانية.
***
من خلال "البوعزيزي" بدأ سرد النار للروح الملتهبة التي تلتهم الأجساد و تهرول لحرق عالم مقيت. عالم الفقر و الذل و الهوان و العيش برعب و خوف و انعدام الإحساس بتملك الأوطان و الأرض و المصير و الغد الفردي و الجماعي.. افتـقاد التملك للذات لذاتها و آخرها.. عالم غريب عني يفرض علي أن أعيش اغترابي عن نفسي تارة و عنه طورا.. أشباح إنسان تكاد ترى رأسه ملتصقا بصدره لثـقل الهموم و الخوف فيه..
الانـفجار.. النار التي لم تكن للروح انتحار الجسد و إنما ثورتها على انطفاء جذوتها في هذا العالم الكئيب المفتـقد للبهجة و مواطن الاغتباط بالوجود.. الرب غـدا باهتا سواء لسكان المعابد أو الحانات.. أما سكان القبور فهم متماثلون تماما في سكناهم مع الحقيقة العارية لواقع عربي بائس حقير مُذل للإنسان بل حتى للحجر و الشجر و الحيوان نتيجة الانحباس الوجودي الذي خنق الأنـفاس ..
قال هذا الكيان: تبا لكم أيها الأوغاد و تبا لحياة تكونون فيها أسيادا على سكان للقبور و إن تـشكلت خداعا كبيوت سواء بيوت الطبقة الوسطى أو تلك البيوت التي تـفتح أبوابها مباشرة على الزقاق أو الشارع.. و لحكمة فرعونية ربما أحكمت وضعا كذاك يخلق منافسة أخرى بين الأبواب التي تـفتح على الأزقة و الأبواب التي تـفصلها بضع أمتار عن الأزقة.."دعهم يتمتعون بألوان التـنافسات الطبقية فيما بينهم بما أن القرن العشرون فيه شيطان رهيب هو شيطان الشيوعية و الاشتراكية التي لا نعرف ما علاقـتـها بنا.. نحن من حررنا هذه الشعوب من الاستعمار.. أي ناكرين للجميل و أي خونة للأوطان هم؟"
و تجد عبارة مفعمة بالسخرية تـتكرر بين سرديات الفقرات تـقول:
ـ تجد الكل قد خلق من زاويته أكذوبة كبرى صدقها بمرور الوقت و هو غافل عن مرور الوقت، ثم غـدت يقينا راسخا، ثم بترنسندنتالية معوجة لم تخطر على بال "كانط" أصبحت حقيقة مطلقة تصاغ من خلالها ألوان السماء بل حتى أشكال الملائكة بل أبعد من ذلك فقد تعددت أشكال الشياطين و لم يبرح الجميع محطة الفرقة الناجية و إن كان بشعر ذو ذيل في القـفا، و كلهم تراهم بنفـس شاكلة ساكن القبر و إن نجح في التمويه. ساكن القبر لازال يعلنها انه لم يغادر بعد عصر الخلافة الإسلامية.. العمق واحد تـقريبا.. الحقيقة أن ما تعنيه الخلافة الإسلامية و الإسلام ليس إلا في النهاية سوى الفرقة الناجية.. الكل يكفر بالكل و الكل يخون الكل.. و هم سواسية و إن اختلفت أبواب القصور عن أبواب العمارات عن أبواب المنازل في الحدائق الصغيرة عن الأبواب التي تـفتح على الأزقة مباشرة، عن الباب الكبير للمقبرة الذي يفتح على عدة مساكن...
***
المشاهد متعـددة و لكنها متـشابهة من تونس إلى اليمن فالعراق فسوريا و مصر و ليبيا.. أما البقية فربما تكون فاتحة الفصل الثاني من الثورة العربية الكبرى و التي من الصعب جدا الآن التكهن بأشكالها و التي ستعيد تحريك أبطال الفصل الأول.. الروح الملتهبة حانقة على كل أشكال الزيف التي حاولت دفنها..
ناطحات السحاب في الصحراء شيء لا يصُدق.. أعجوبة البترول.. أعجوبة الله الذي يرزق من حيث لا تعلمون.. البترول المنتج لبرامج الاكتساب و الإثراء في ثواني بالصدفة و البخت و هكذا تمت صياغة محمول " يرزقكم من حيث لا تعلمون".
ليس في الأمر معادلة رياضية متطورة و إنما الرائحة الخانقة لآبار البترول التي أحرقت الصحراء بما هي نـقاء.. البترول الذي لولا إسرائيل يحكمه شعار "نفط العرب للعرب" بل ربما نتجاوز تلك المرحلة نحو شعار "نفط العرب للإنسانية المبدعة" أو "نفط العرب لأجل عالم إنساني أرقى يفجر فيه الإنسان طاقاته الإبداعية الكامنة في كل مكان" أو " نفط العرب لأجل التجلي الجديد للاه في العالم"..
الفصل الأول من الزمنية العربية الانقلابية التي يمكن عنونتها بـ 2011، لا يمكن أبدا أن يمحو نفسه في التاريخية القادمة لعالم جديد إن لم يتضمن مجمل أشكال الرعب التي كانت أقصاها إلى حد ما نعلم إلى حد اليوم هي الظاهرة القبرية الاسلاموية الداعشية، و التي من حيث الاتفاق الموضوعي، كانت نقطة عبور عن غاية الثورة التي عبرت عن نفسها كثورة حرية و عدالة اجتماعية، فاحتدمت ليس بقوى الثورة التي لازالت تائهة في ابتـناء مفاهيمها عن الثورة، و لكنها اصطرعت مع الجميع بمن فيهم اكبر المتربصين بالثورة..
الفصل الأول ينتهي وسط الغموض الرؤيوي الكبير نتيجة الضباب الكثيف الذي تـنشره جميع قوى العالم لإيقاف الوحش الكبير الذي هو بصدد التـقدم.. وسط هذه المتاهة و انعدام البوصلة و المخاوف الكبيرة من افتـقاد ما تم انجازه طيلة القرن العشرين.. يبدو أن التوقف قليلا تطلبه الأغلبية للاستراحة حتى ينـقـشع الضباب.. هذه الاستراحة لا تعني سوى المصالحة بين الأنظمة التي كانت قائمة مع الشعب الثائر عليها.. أبجديات تلك المصالحة تختلف من مكان إلى آخر..
نهاية الفصل الأول يترك فسحة للتجدد دون صخب.. لإعادة القراءة من الكل للكل.. فرصة خلق مجال لرؤيا جديدة في سبيل الانبعاث الجديد، و لكن ليس كمادة انفعالية دون وعي بمثل جميع مشاهد الفصل الأول، و إنما لأجل صناعة الوعي الضروري الذي يوحد أكثر الطاقات الممكنة لأجل الخلق الجديد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات