الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثانوية العامة في مصر : الموت أو النصر !

أحمد الخميسي

2017 / 7 / 17
الادب والفن


تجري امتحانات الثانوية العامة في مصر في أجواء أقرب إلي معركة ساخنة، يخوضها أكثر من نصف مليون تلميذ شعارهم"الموت أو النصر". معركة شرسة يتقدم فيها بواسل ليفكوا حصار الأسئلة ويهدموا قلاع الامتحانات، يسقط منهم شهداء، ويصاب بعضهم فينقل على محفات إلي الخطوط الخلفية للعلاج، تنهار أعصاب الضعفاء، وتنتهي الملحمة بأن تصعد مجموعة الأبطال المنتصرين إلي منصة احتفال بمجموع يتجاوز تسعين بالمئة! حرب طاحنة ينجلي غبارها كل عام عن عدد من التلاميذ المنتحرين على أرض القتال. لماذا؟ كيف؟ هل ذلك الانتحار ظاهرة فردية؟ أم أن هناك قانونا عاما يحكم تلك الحالات ويمكن لنا تعديله وتغييره؟. نشرت الصحف في 12 يوليو الحالي أن الطالبة " رشا. ج" – من قرية بالمنيا- تناولت سم فئران بقصد الانتحار بعد حصولها على مجموع 65% في الثانوية العامة، ولفظت أنفاسها بعد نقلها إلي المستشفى بدقائق. إليك أيضا: انتحار طالب داخل بيته في بولاق الدكرور بسبب صعوبة الأسئلة في امتحان اللغة الانجليزية! طالبة أخرى من شبين الكوم انتحرت بالقاء نفسها من أعلى كوبري لصعوبة امتحان مادة الفيزياء وخوفها من الفشل. في أواسط يونيو 2013 نشروا أن " علاء. ع" في محافظة البحر الأحمر تناول مادة سامة بعد عجزه عن الاجابة عن أسئلة امتحان اللغة الانجليزية! وأن الطالب " محمد . ص" بمدرسة أحمد لطفي السيد بالهرم علق نفسه بحبل في حجرته منتحرا من الخوف من امتحان الكيمياء قبل موعد الامتحان بيوم! وتتوالى الأمثلة كثيرة بلا توقف عاما بعد عام. ويمكن بطبيعة الحال أن نفض أيدينا من الموضوع بأن نرد حالات الانتحار تلك إلي السمات الفردية للمنتحرين فنقول إنهم تلاميذ بنفوس مهتزة ومقاتلون انهارت أعصابهم على الطريق. لكن تلك النظرة التي ترى كل حالة على حدة لا تكفي لفهم الموضوع. المسألة تحتاج إلي مراجعة تمس العملية التربوية سواء على صعيد المدرسة أوالأسرة. تلك العملية التربوية التي تخلق الذعر من الامتحان والخوف من الفشل وتنميه وتغرزه في نفس التلميذ إلي أن ينهي حياته على نحو فاجع، مبكرا في عمر الزهور قبل أن يفيد وطنه ويستفيد منه وطنه. بعضهم ينتحر خوفا من الفشل حتى قبل لحظة المواجهة وقبل أن يتجه إلي الامتحان! إن الأسرة والمدرسة هي التي خلقت للتلاميذ شعار" الموت أو النصر" ولم تترك لهم الباب مفتوحا لحلول أخرى. إما النجاح أو الفشل. لم يقل أحد لأولئك التلاميذ ما قاله توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي حين فشل مئات المرات فصاح:" أنا لم أفشل، لكني ببساطة وجدت عشرة آلآف طريقة لا تؤدي لنتيجة". لم يقل لهم أحد إن العلم تحصيل مستمر والانتصار فيه ثمرة تراكم، وإن الفشل عشرة آلاف مرة هو طريق النجاح الوحيد! بل كرروا لهم صباح مساء أن العالم كله سينهار إذا هو رسب، والعالم كله سيولد من جديد إذا هو تفوق وامتاز! ويرتعد التلميذ خوفا من الفشل! ومن ثم نخلق بأيدينا كائنا هشا خوافا ينكسر عند أول صدام واخفاق. فهل هذا مانريده لأبنائنا؟ وهل هذا الخوف هو مايرجوه الوطن منهم؟. من ناحية أخرى تغرز المدرسة والأسرة معا في عقل ونفس التلميذ أن التعليم النظامي، المتجسد في الامتحانات وليس في الفهم، هو كل شيء، لاشيء قبله ولا بعده. ولا يقول أحد للتلميذ إن هذا النوع من التعليم المدرسي جزء من التعليم وليس التعليم كله. لا يوسع أحد مفهوم التعليم لدي التلاميذ منذ الصغر بحيث يشمل في عقولهم قراءة الأدب، ومشاهدة الأفلام الجيدة، والتردد على المسرح، وتذوق الموسيقا الكلاسيك وغيرها، لكننا نقدم مفهوما ضيق الأفق، أحادي الجانب، يضغط العالم ويشوهه ويصبه في أنبوب ضيق هو الامتحان والنتيجة. لا يقال للتلميذ : إنك إن لم تستطع القيام بدورك كشخص يحمل شهادة جامعية فإن بوسعك القيام بدورك فنانا، أو إنسانا يساهم في نشاط جماعة محو أمية، أو مواطنا مدافعا عن حقوق الغير. لا يلقنون التلاميذ أن أعظم شعراء العرب المتنبي لم يحصل على الثانوية العامة، وأن درجات أينتشين في المدرسة كانت رديئة جدا، وأن توماس إديسون صاحب الألف اختراع طرد من المدرسة بدعوى أنه " غير قابل للتعليم"، ولا أن عباس العقاد لم يحصل إلا على شهادة الابتدائية، وأيضا مصطفى صادق الرافعي، وأن بيل جيتس- مخترع نظام ووندور للبرمجة- لم يكمل تعليمه في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، ولا يحدثونه عن أن توفيق الحكيم حصل على درجة صفر في الانشاء حين استكتبته حفيدته موضوع انشاء لتقدمه باسمها في المدرسة، فنالت عنه صفرا، وعادت إلي أمها ودفعت إليها بالكراس وهي تقول لها: تفضلي. والدك الذي تتباهين به كاتبا حصل على صفر في الانشاء! إنهم في المدرسة وفي الأسرة لا يوسعون أفق التلاميذ بنظرة أشمل لمفهوم التعليم، بل يخوفون أبناءهم من بعبع الثانوية العامة وغول الفشل إلي أن يخلقوا كائنا مرتعدا مذعورا ضيق الأفق ثم يقدمونه إلينا بصفته الأمل في المستقبل! ترى هل يحتاج الوطن شبابا من هذا النوع؟ سريع الانكسار، لا يرى الكون إلا ورقة أسئلة وقلما للإجابة عنها؟. لابد لنا من مراجعة الطرق التي نربى بها أبناءنا في المدرسة وداخل الأسرة لكي لا نحرمهم من الحياة ولا نحرم الوطن من حياتهم.
***
د. أحمد الخميسي. كاتب وقاص مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق