الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يكون الوعي ذبابة !

دعد دريد ثابت

2017 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نحاول قتل ذبابة، نخفق أكثر الأحيان، لماذا؟
لأننا مهما كانت حركة يدنا سريعة، هي بطيئة جداً بالنسبة للذبابة لتركيبة عينيها المؤلفة من عدسات كثيرة وفرتها لها الطبيعة لتحميها وتوفر لها غذائها. فالعالم من حولها يتحرك ببطئ كما في فيلم حين نبطئ حركته. حينها نصبح قادرين على الإنتباه وتمييز أبسط الحركات والإيماءات التي قد تفوتنا عما يكون عليه الفيلم في سرعته المألوفة.
وهكذا نحن. في مقتبل أعمارنا نعتقد أن العالم بطئ من حولنا لسرعتنا والطاقة التي تحتوينا. تشغلنا بادئ الأمر ولانعرف كيف نتصرف حيالها، وقد نضيعها في بحثنا عن كيفية التصرف والعمل بسرعة هذا الخزين من الطاقة والحيوية، فلا نعود نشعر حتى بالزمن من حولنا، وبأننا نفقد كل لحظة وللأبد ولانعي حتى ذلك.
أما حين نبلغ أواسط أعمارنا، فتبدأ حركتنا بالبطئ، وأقصد بالحركة هي الزاوية التي نتمعن بها الحدث. فلا تعود تبهرنا الأشياء ببريقها الأول فقط، وإنما نغربلها بمنخل العين الثالثة، والتي نحاول من خلالها التوصل لعمق هذا البريق وماقد يخفيه. ونحتاج بطبيعة الحال للكثير من الزمن للتأني والمراقبة، ونشعر لأول مرة ببطئ الحركة من حولنا وكأننا خارج هذا الإطار، ونحن من يراقب والكل يتحرك ببطئ من حولنا، حتى لكأننا نستطيع لوهلة الإحساس بل ولمس النواة الأولى، لنشعر بحركة الأشجار والريح ونمو الزهرة بكل مراحلها من البرعم وحتى تفتحها بأجمل ماتكون وذبولها، كل ذلك نراه في لحظة واحدة. هذا النشيد الكوني نسمعه في أعماقنا التي تحاول فهم مغزى مايجري، وربما قد لايكون هناك مغزى ما. ولكنها فطرة الشك والفضول بطريقة أخرى، غير فضول التهافت السريع لسطوح البريق الأولي الزائل، الذي يجذبنا في بدايات حياتنا.
ويصبح الزمن بلورة تبدأ بالإنكماش بين أيدينا تدريجياً حين نعي كل ذلك، ولانعود نستطيع فعل شئ حياله. نود لو نستطيع على الأقل إيقاف هذه البلورة بالإضمحلال، لنستطيع فهم وإستيعاب الكثير مما فاتنا والإستمتاع بكل ذلك. ولكن هيهات، فالطاقة والشباب الذي عهدناه هي الأخرى بدأت تذوي والزمن يتسرب من بين أصابعنا كرمال ناعمة لاتحتاج الكثير من العناء، بل تنزلق بكل سلاسة الى البداية الأخرى للنهاية.
وأعود للذبابة ألتي أتمنى لو كنا نمتلك وعيها الغريزي، والذي لو أمتلكناه منذ سنواتنا الأولى، لأستفدنا من كل هذا الطاقة ولكن في مراقبة أعماقنا والعالم بعمق. ولأمتلكنا إن لم يكن كل الزمن، فأكثر من بعضه للوصول أو محاولة الوصول لفصل جوهر الأشياء عن سطحها.
إذاً هل ثمن هذا الوعي هو قتلنا للذبابة في داخلنا؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنا و الذباب
ماجدة منصور ( 2017 / 7 / 20 - 04:29 )
تحضرني قصة الآن...أستاذه دعد المحترمة و لا بد من ذكرها...إنها حادثة طريفة جدا0
كنا نعيش في إحدى مدن سوريا و كنت أفعل المستحيل لإرضاء والدي...رحمه الله
كان الذباب في تلك المنطقة كثيفا جدا و كانت والدتي صاحبة وسواس خناس من الجراثيم و الذباب و خلافه...رغم قسوة والدتي إلا أنها كانت (مريضة بالتعقيم)...كانت تعقم كل شيئ تقريبا.0

كان والدي يأتي من عمله مرهقا قرفانا...مو طايق دبان وجهه كما يقولون.0
يتناول ما تيسر من غذاء...و يأخذ قيلولة بعد الظهر.0
و كنت أنا دون عن جميع إخوتي...أمسك ملطشة الذباب بيدي الصغيرة و أعسكر حول رأس أبي و قدميه من أجل أن (ألطش الذباب اللعين) لأني لا أطيق أن يزعج الذباب والدي.0
كنت أجمع الذباب على زاوية الحائط و حين يصحو والدي أريه ،،و بكل فخر،، مجموع الذباب الذي قمت بتلطيشه و هو نائم....ثم و بالوقت تطورت مهاراتي كثيرا فأصبحت ألتقظ الذباب بيدي الإثنتين و برعت في هذا المجال.0
بيني و بين الذباب..عداء جيني او تاريخي أو عداء ثقافي...و ما زلت لغاية الآن بارعة في لطش الذباب...و لكن المشكلة الآن....أنني لم ألمح ذبابة واحدة في أستراليا منذ 26 سنة على الأقل.0
أسعدك الله

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس