الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعيات -الطابور الخامس-

أحمد عصيد

2017 / 7 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتمثل دور المجتمع المدني أساسا في إعادة الاعتبار للقضايا العادلة التي أغفلتها السياسات العمومية وهمشتها الطبقة الحاكمة، إما لعدم ملاءمتها لتوجهاتها، أو لتعارضها مع مصالحها، وإما لوجود توازنات داخلية أو خارجية تمنعها من أخذ تلك القضايا بعين الاعتبار وإنصاف أهلها. ونظرا للضغوط التي تمارسها الجمعيات المدنية على السلطة داخليا وخارجيا من أجل انتزاع المكتسبات المطلوبة ديمقراطيا (حيث تعمل هذه الجمعيات بأسلوب اللوبي المدني المنظم، الذي يعتمد التنظير والترافع والاحتجاج والتواصل والاقتراح من أجل تغيير سياسة الدولة في قطاع من القطاعات) ، نظرا لهذا كله فإن السلطة تلجأ في كثير من الأحيان إلى خلق جمعيات أخرى تتظاهر بحمل نفس المطالب، ولكن بأهداف معكوسة تعمل على التشويش بالدرجة الأولى على أصحاب المطالب الأصليين، وذلك بغرض إضعافهم، ويتم ذلك أساسا عن طريق تحريف الخطاب المطلبي واختلاق المؤامرات لصرف النظر عن المطالب الحقيقية. هذه الجمعيات هي التي نسميها "جمعيات الطابور الخامس".
وإذا أردنا التمثيل الواضح لهذا المضمون الذي عبرنا عنه، فسنقدم المثال الحيّ التالي: ظهرت الحركة الأمازيغية بسبب اعتماد الطبقة الحاكمة المغربية منذ الاستقلال نموذج الدولة الوطنية التقليدي، القائم على مبدأ التأحيد واستبعاد عناصر التنوع، وذلك بغرض التمكين لنفسها وتقوية نظامها المركزي، مما جعلها تعتبر عناصر التنوع تهديدا لقوتها الناشئة، وعامل إضعاف لها، فكان دور الجمعيات الأمازيغية التي ظهرت منذ منتصف الستينات هو إعادة الاعتبار للأمازيغية هوية ولغة وثقافة، في مقابل توجهات الدولة التي كانت بحاجة إلى صناعة هوية مركزية لها بلغة وحيدة ودين واحد ومذهب واحد وفكر أوحد، بهذا يمكن القول إن الجمعيات الأمازيغية قد مثلت صوت الهوامش المنسية في ذلك الوقت.
ومع تزايد الضغوط وكذا التحولات المجتمعية الكثيرة والتطورات الدولية التي لا داعي لذكرها ها هنا، اضطرت السلطة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار مطالب الجمعيات الأمازيغية، وإلى إفساح المجال بالتدريج لأطروحة التنوع اللغوي والثقافي عوض الأحادية القديمة، لكن سرعان ما ظهر عاملان اثنان معرقلان:
ـ الأول يتمثل في كون السلطة بعيدة كل البعد عن الانسجام، حيث تنطوي في دواليبها على توجهات مختلفة تترنح بين التقليدانية والعصرانية، وعلى عوامل متضاربة بين التقدم والنكوص كما كان عليه الأمر دائما في غياب الحسم النهائي المطلوب.
ـ الثاني أن التيارات المجتمعية الدينية والقومية التي تربت في أحضان الفكر الأحادي، ونخص بالذكر هنا القومية العربية والإسلام السياسي، إن كانت قد وجدت نفسها في اللغة الواحدة والثقافة الأحادية سابقا، إلا أنها لم تستسغ التحولات الأخيرة التي جعلت الدولة تغير توجهاتها تدريجيا نحو الاعتراف بالمكونات المختلفة.
ومن نتائج هذين العاملين ظهور مقاومات كثيرة لسياسة الاعتراف الرسمي بالأمازيغية، ولكن أيضا خلق جمعيات جديدة تحمل شعارات أمازيغية، دون أن تكون لها نفس أهداف الجمعيات الأمازيغية، حيث تعمل في مساعيها الحقيقية على الإبقاء على الأمازيغية في موقع الدونية أمام العربية، والحيلولة دون رفع الميز عن مظاهر الهوية والثقافة الأمازيغيتين.
هذه الجمعيات لا تقوم بتنظيم أية تظاهرات أو لقاءات أو تصدر أية كتب أو مطبوعات للنهوض بالأمازيغية، كما أنها لا تؤطر مبدعين وكتابا باللغة الأمازيغية، ولا تحضر لقاءات النقاش العمومي التي تنظمها الحركة الأمازيغية، لكنها تظهر خلال لحظات النقاش داخل المؤسسات، وفي ظروف صياغة القوانين، لكي تستعمل من طرف الذين خلقوها باسم "التوافقات" وباسم "الطرف الآخر المختلف" الذي هو في الحقيقة طرف في السلطة لا يريد القبول بالواقع وبمنطق التطور، كما يتحفظ على العديد من الحقوق التي تدخل ضمن الحقوق الأساسية.
لقد واكبنا في صمت على سبيل المثال مسلسل خلق "جمعيات أمازيغية" من طرف حزب "العدالة والتنمية"، ولا حظنا كيف حضر وزراء الحزب في تأسيس جمعيات أمازيغية في الفترة الممتدّة ما بين 2011 و2016، وتناولوا الكلمة في الافتتاح ليحدّدوا التوجهات ويرسموا المسار، في الوقت الذي ظلت فيه الحركة الأمازيغية منذ نشأتها مستقلة استقلالا تاما عن الأحزاب وعن السلطة، وقد لاحظنا بأن الخطاب الذي اعتمده هؤلاء في التشكيك في الحركة الأمازيغية ومطالبها هو نفس الخطاب الذي اعتمده القوميون العرب خلال سنوات السبعينات والثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، خطاب الحديث عن "تهديد الوحدة الوطنية" و"تقسيم البلد" واستعمال نظرية المؤامرة مع ربطها بإسرائيل إلى غير ذلك من الخطابات الهذيانية، وكأنهم لا يدركون بأن الناس يعلمون اليوم جميعا بأن الخطر الوحيد الذي يهدّد بلدنا حاليا هو توظيف الدين في السياسة وخلق الخلايا الإرهابية النائمة واليقظة التي تسعى إلى إشاعة الخراب وتهديد الاستقرار، ويعرف الجميع المرجعية الإيديولوجية التي يعتمدها أصحاب تلك الخلايا ومن وراءهم من المنظرين سواء في التيار الراديكالي أو الانتخابي. من جانب آخر توجد لدينا اليوم خريطة ملتهبة من الحروب والمذابح في العديد من البلدان، أبطالها مجموعات مسلحة يعرف الجميع خطابها وأهدافها ومن يناصرها ويخطب لها في مؤتمرات "علماء الأمة"، التي تصدر توصيات "النصرة" و"الجهاد" في هذا البلد أو ذاك.
لم يؤدّ مسار الحركة الأمازيغية الطويل المليء بالحوار والفكر الحيّ والعمل النظري والميداني المثمر والوطني، ومنذ أيام سنوات الرصاص وغلو الفكر القومي، لم يؤدّ إلى تهديد وحدة البلاد، فكيف يقوم بذلك اليوم بعد انتزاع الاعتراف ونجاح الحركة في تغليب منطقها ومفاهيمها على فكر ومفاهيم الإقصاء.
إنّ مطالب الحركة الأمازيغية تندرج في إطار مسلسل الانتقال نحو الديمقراطية بمفهومها الشامل، وهو إطار لا يمكن أن تنفصل عنه، والهدف هو الترسيخ الديمقراطي القائم على احترام الحريات الفردية والجماعية والمساواة التامة بين الرجال والنساء، وفصل السلط وفصل الدين عن الصراعات السياسية، وبدون تمام هذا المشروع لن يكون للأمازيغية مكان تحت الشمس، لأن سياسة الدولة في غياب الديمقراطية لن تكون إلا ظالمة منكرة للحقوق، وبهذا الصدد نذكر بأن الحزب المذكور نفسه ، بجانب إنشاء جمعيات أمازيغية مناوئة لحقوق الأمازيغية، بادر إلى خلق تنظيمات نسائية ضد حقوق النساء، وتنظيمات حقوقية تتحفظ على حقوق الإنسان، ومن تمّ فعلى الطبقة السياسية أن تدرك بأن "التوافقات" لا ينبغي تكون مع من يسعى إلى التراجع عن الحقوق والمكتسيات الإيجابية، وأن "إشراك الجميع" يكون هدفه الاستماع إلى الكل، ثم أخذ الأفكار البناءة والمستقبلية والمنصفة بعين الاعتبار، وليس الأفكار الساعية إلى إعادة النزاع الشسابق، والتراجع عن الخيار الديمقراطي، لأن من شأن ذلك أن يؤدي بنا إلى اليأس من المؤسسات، وإلى نزع الثقة التام من جدوى العمل المدني المستقل.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطابور الخامس ؟؟؟
عبد الله اغونان ( 2017 / 7 / 21 - 21:56 )
هناك جمعيات تتلقى دعما خارجيا ومنها جمعيات أمزغوية اشتهرت حتى بزيارات الى الكيان الصهيوني

وهناك جمعيات أمازيغية مختلفة التوجهات وهناك شخصيات أمازيغية ليست على ملتكم

ابتداء من العلامة المختار السوسي

الى زعيم المعارضة الشعبية عبد السلام ياسين

وشخصيات حزبية من كل أشكال الطيف السياسي وخاصة حزب العدالة والتنمية وعلى رأسها

رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وهو كاتب ومفكر وطبيب نفسي

الطابور الخامس ليس في جهة الاسلاميين اذ الغرب يعاديهم ان الطابور الخامس معروف

توجهاته وشخصياته

رجاااااااااااااااااء خل الطبق مستور

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24