الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجلين لحمامة، فين خدامة

عذري مازغ

2017 / 7 / 24
الادب والفن


"رجلين لحمامة، فين خدامة"؟
غاية في البساطة، جملة اسمية تنتهك قواعد اللغة، لكنها مع ذلك تحيي نمطا مفعما بالحياة، تفترض نشاطا عقليا، تفترض خيالا بهيجا يرقص على نمط خاص، لقد دأبنا على أن الشيء الذي لا يمنح معنى ما لا يوحي بالحياة، وبتعبير غامر بالمودات المجحفة، التي ترمي إلى نكران الذات، هذا ليس أكثر من مقطع شعبوي ينتفي فيه الإبداع، فن غير ملتزم، ومن ثمة، ليس أكثر من ملهاة ترقص على إيقاع حرف السجع.
أرجل حمامة، لا تعني شيئا غير أن العبارة تدعو إلى شيء خفي، تدعو للتخيل، إلى استحضار صورة حمامة وقدميها، خصوصا إذا علمنا أن لون قدميها أحمر بلون حمرة الحناء، لكن ما الدليل في هذا الإفتراض؟ الدليل لا يمكن ملامسته إلا باستجضار السؤال الإستنكاري: فين خدامة؟ أين هي تعمل؟ سؤال استنكاري من قبيل من أين لك هذا؟
معروف جدا، في المجتمع الرحالي أنه لا وقت فيه للرخاء، إنه مجتمع دائم الحركة، مجتمع كل أفراده تعمل ويفترض فيه أرجل خشنة لا أرجل ناعمة تحتفظ ليونة دائمة، لا أرجل حناء، (الحناء هنا كتعبير عن نمط احتفالي في المغرب وكرمز للتزين في أوقات الفراغ) ومع كل ذلك، وعلى الرغم من استنكار السؤال، لا يعني المقطع أنه يستنكر الحالة، إنه بشكل آخر دليل استحسان، تغزل في آخر المطاف: الجميل جميل حتى في أوقات عمله مثل الحمام في بحثه الشاق عن قوته، إنه مقطع يعبر ببلاغة تامة عن تحول خاص فيه إحالة إلى تناقض خاص يكمن في شخصية الحمامة، الجمال الناعم والعمل الجاد، شكل من التناغم في قالب استنكاري هو ما يطرحه النص تعبيرا عن استحالة خاصة، عن تعجب في آخر المطاف: كيف لأرجل شخص أن تكون جميلة رغم أنه يعمل؟
صحيح أن التشبيه بالحمامة يفترض تناغما بين الحمام والعمل (عملها بالتحديد بحثا عن قوت يومها) لكن طرح السؤال الإستنكاري: فين خدامة (أين تعمل؟)، الغاية منه هو التعبير عن هذا التحول الذي استدرجه كل مرة، تحول خارج عن سياق عمل الحمامة، تحول عن نمط البحث عن القوت اليومي (العمل في الحقل كنمط إنتاج رحالي غايته الإكتفاء بالقوت اليومي الذي يحافظ على حمرة الارجل) إلى عمل يحرقها، العمل لصالح الآخر.
في سياق المقطع يمكن فهم الأمر ببساطة فائقة كما يفترضه الفكر السائد: إنه يرمز إلى عادة أريستوقراطية يفترض فيها السؤال الإستنكاري كشكل من أشكال التنديد (يجب أن نفهم هنا أن طارح السؤال الإستىكاري ليس من نفس الموقع، أو على الأقل ليست له تلك الخلفيات الإجتماعية التي تحكمنا الآن والتي فيها يمكن للعبد أن يتزوج ابنة السيد في الزمن المغربي الجميل بحق، الزمن الامازيغي قبل الإستعمار الفرنسي)، لكن التماهي في التشبيه بالحمام يمنعنا من هذا الإستنتاج خصوصا أن المقطع الجميل هذا لم ينتج في وسط مديني بل في وسط قروي (استنادا طبعا إلى مرحلة تداوله، من نهاية الخمسينات في القرن الماضي إلى نهاهة التسعينات، أي في زمن التحول من نمط الإنتاج الرحالي إلى نمط الإنتاج المديني أو ما يعبر عنه في علم الجغرافية الحديث بالهجرة من القرية إلى المدينة).
جمالية النص هي في سؤالها الإستنكاري، في التشبيه وفي تناقض الإحالة، بشكل مهذب غير جارح للعواطف، يجرد حالة للوصف: رجلين لحمامة، فين خدامة؟ لصياغة سؤال مشروع يعبر عن بهجة التعجب القريبة جدا من عجائبية أبوليوس في إشكالية حماره الذهبي.
في ثنايا هذا النص، هناك أكثر من لمح متسائل، إنه نص حركي لا يستقيم، نص ممانع لا يمكن سحبه ببساطة برغم سذاجة كلماته، هو نص إن شئتم، يحرك مفاصله برغم سكونيته الميتة كما تفترض اللغة العربية: "رجلين"، "لحمامة"، لكنه نص حي بفضل انتمائه الزجلي: رجلين لحمامة! مالها؟ (أرجل حمامة! ماذا بها؟)، هي أرجل حمراء ناعمة! هذا كل ماتعنيه في أحسن الأحوال بغض النظر عن رمزية النص، لكن عقلانيته الزجلية تمنعه من أن يكون نصا جامدا. هنا تطرح إشكالية عقلية اللغة (اللغة الزجلية كما تشاؤون، اللغة الحية عند علماء اللسنيات الغربيين، أي عكس هذه اللغة الميتة التي يتجادل حول موتها الكثير من الشعوب، هذه اللغة التي تأبى أن تتنازل ولو بشبر في أن تكون لغة ميتة برغم موتها الكلينيكي، اللغة السائدة بالحديد والنار كما يقال في لغة اللسنيين)، هذه اللغة التي تحدد الحي بالزجلي وتحدد الميت بالحضاري والفني، أقصد لغة الفناء الروحي التي تقدس الموت علانية.
منذ القدم، عبر أبوليوس عن خدعتنا وليس عبقريتنا كما يعتقد البعض، أن نتمسخ في حمار يبقي هويتنا، مفادها:
حين تشعر بأنك مغلوب تمسك بأن تبدو كأنك حمار(في هذه الحالة، بما أن الامر هو حالة عامة نتشابه فيها، في المغرب، عربي وارد افتراضا أوأمازيغي أصيل كما يفترض) يجب أن نكون جميعا على حالة أبوليوس: أن نكون حميرا.
الغريب أن العلم الأمازيغي لا يحتمل صورة حمار أو حتى صورة رمزية لأبوليوس.
كم اكره التشبث بالماضي!
كل هذا النمط من التعبير الأمازيغي حول الحق في اللغة والثقافة هو تعبير عن انحطاط يتوخى التشبث بذيل حمار أبوليوس.
لم يولد حتى الآن السؤال حول الهوية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث