الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرض ورماد

آرام كربيت

2017 / 7 / 26
الادب والفن


الإنسان، هو الكائن الوحيد الذي يلجأ إلى الرموز؛ للإمساك بالزمن والموت والغربة، وتتداخل في ذلك الرغبة في الخلود، وامتلاك اللانهاية. يلجأ إلى الفن والأدب والموسيقا؛ للدخول إلى الأبدية، محمولًا على الوقائع الحزينة، لمعرفة الحقيقة.
رواية، أرض ورماد، للروائي الأفغاني عتيق رحيمي، يحيل عالم النص، إلى الفناء والموت والضياع، إلى انهيار الروح، في مكان، كان مملوءً بالطقوس الصوفية، والخيال الوثّاب، والسحر اللذيذ القابع في أرض أفغانستان.
على هذه الأرض، كانت تنتعش ملحمة الشاهنامة للفردوسي. الملحمة الطويلة، الحافلة بالجلال والجمال والأسطورة. وكل شيء فيها يشير إلى القصائد والفرح والصفاء.
هذه الرواية، مملوءة بالرموز، تذكرني بالرواية السحرية (بيدرو بارامو) لخوان رولفو، من حيث أجوائها، وحيوات الناس الممزقة، والطاقات الروحية المفتوحة على المدى، حد الهذيان.
خلفية النص، أنتجت واقعًا على مقاسه. فالإنسان لا يستطيع أن يعيش في هذه الحضارة بمعزل عن الحمولة الثقافية التي يستند إليها. ولأن هذه الثقافة معقدة، مركبة بشدة، تجعله في حالة صدام مع نفسه، ومحيطه وواقعه.
كُتبت الرواية بأسلوب المونولوج الداخلي، لتفعيل الإسقاطات الفنية العميقة فيها. وكأن ما يكتبه عتيق رحيمي، عبارة عن قصيدة نثرية، رمزية، حداثية، تجنح إلى وضع الاستفسارات العميقة، في عالم ينحو نحو التعقيد.
ترتفع معها، وفيها، شحنات الألم العميقة جدًا؛ حتى نستطيع القول إنها رواية مجبولة بالقهر. صوت الشرق البعيد، الذي كان يعج بالروحانيات وقيم التسامي، وبات اليوم مهزومًا، مكسورًا، يعاني آلام المخاض البعيد، أو الحمل الغامض والغريب.
تتحدث الرواية عن التدخل السوفياتي في أفغانستان، والصراع العبثي الذي دار بين الفصائل المسلحة في إثر خروجه، والدمار الذي خلفه في الذوات والنفوس، جعلت الحياة في هذا البلد، صعبة جدًا، إن لم تكن مستحيلة.
يستند الطفل الأصم، ياسين، وجده، الذي يدعى داستاغوير، على درابزين جسر، يصل بين حافتي نهر جاف. يعود بنا النص -السرد الروائي- إلى الوراء، إلى الزمن الآخر؛ زمن المجزرة التي ارتكبها الجيش السوفياتي في أثناء احتلاله لأفغانستان، والتي أدت إلى قتل قرية كاملة، وتحويلها إلى رماد. لم ينجو أحد منها إلا هذا الجد، داستاغوير، والطفل الصغير ياسين، الذي أصيب بالصمم الكامل. طوال الرواية، يحاور الجد نفسه، لأن ياسين أصم:
” عند سماع صرخة ياسين تنزلق نظرتك من الجبل على مجرى النهر المجزّع، ومن النهر إلى شفتي حفيدك الجافتين، الذي يطالب بالماء بعصبية”.
” منذ أسبوع، ما إن يراك تبكي، حتى يردد ياسين هذه العبارات.
في كلّ مرة، يروي ويقلد مشهد القصف:
” القنبلة كانت قوية جدًا. أسكتت كل شيء. أخذت الدبابات أصوات الناس ورحلت؛ حتّى أنها أخذت صوت جدي. لم يعد يستطيع جدي الكلام، لم يعد يستطيع توبيخي”.
عمليًا الحرب تقتل الأصوات قبل أن تقتل الناس.
وفي مشهد البكاء يرفع الطفل عينيه نحوه. ينظر إليه، ويقول:
” جدي يبكي، عمي مات، بيبي رحلت، قادر مات، بوبو ماتت”
وقوفهما -الجد والحفيد- على الجسر في إشارة إلى انفصال وتقاطع زمنين. ينتظران سيارة عابرة تقلهما إلى المنجم، لرؤية الابن، مراد. في رحلة الذهاب والعودة، الزمن مثقل بزمن الموت، الماضي والمستقبل المنهار، الحرب التي قضت على كل شيء. وزمن الأبن مراد العامل المقيم في المنجم، الذي لم يستطع أن يراهما، أو أن الإدارة لم تسمح بهذا اللقاء لغموض تكوين المنجم، وغاياته وأهدافه الدفينة. يبقى مراد في الطبقات الأدنى من المنجم.
في دكان، ميرزا قادر، الموجود في العراء، لا مدينة حوله، ولا ناس بالقرب منه، ولا يمر أي كائن من هذا المكان باستثناء الجندي وسيارة. إنه على تقاطع طريق يفضي إلى المنجم. يسأل ميرزا قادر، داستاغوير ساخرًا:
– لماذا هاجموها؟ يقصد، لماذا هاجم السوفيات القرية. يرد عليه، داستاغوير:
“تعرف جيدًا يا صديقي، في هذه البلاد، إن تساءلت لماذا، عليك أن تبدأ بسؤال الأموات في قبورهم”.
إنه رد صادم لواقع صادم. يتمنى المرء، في الحرب الأهلية أو في أثناء التدخل الخارجي السافر، أن يموت ولا يرى المشاهد المدمرة التي تقتلع الأرض والسماء:
“كنت في الطاحونة. فجأة سمعنا صوت انفجار، خرجنا، لم أر سوى اللهب والغبار، بدأت بالركض نحو البيت. لماذا لم تقتلني شظية قبل أن أصل إلى منزلي! أي خطيئة ارتكبت ليحكم عليّ بالحياة، لأكون شاهدًا على…”.
يتشنج حلق الجد، العجوز داستاغوير، تنهمر الدموع من عينيه ولا يوقفها. يستخدم الروائي الرموز المقلوبة، ربما يسخر من القدر، أو من نفسه، أو من وطنه والعالم:
” فوق غيمة من اللهب والدخان. على الطريق، رأيت والدة ياسين. كانت تركض عارية بالكامل… لم تكن تصرخ، بل تضحك.
لنتخيل مقدار السخرية من الذات، من قسوة الواقع المدمر، المآسي التي جبل بها هذا البلد المنكوب، أفغانستان، أن يرى الجد، زوجة ابنه، مراد، عارية تمامًا، أن يرى أفغانه، وطنه”:
– كأنها مجنونة تركض في جميع الاتجاهات”.
كان الوطن، وطنه مبللًا بالدم والعار والخيبة من كل شيء:
– كانت في الحمام عندما سقطت القذيفة… انفجر الحمام… ماتت بعض النساء، ودفن بعضهن الآخر وهن أحياء… لكن كنّتي… لو فقدت عينيّ لحظتها؛ كي لا أراها في عارها هذا”.
لم يستطع التقاط اللحظة، أن يمسك بالزمن والموت، أن ينقذ أفغانه من الدمار؛ بيد أن ثقل الواقع أكبر من رغبته:
– أردت التقاطها لكنها اختفت في اللهب. لا أعرف كيف وجدت المنزل. لم يبق منه شيء، لقد تحول إلى قبر لزوجتي، لابني الآخر، لزوجته وأطفاله”.
لقد تحولت أفغانستان، إلى مقبرة، إلى موات، ينتظر الإنسان في هذه البلاد المنكوبة، الوقت ليدفن ما تبقى. يرد عليه ميرزا قادر:
– ” أيها الأب الوقور، في هذه الساعة الراهنة، الأموات أسعد من الأحياء”.
إنها رواية مكثفة، قصيرة، بيد أنها مملوءة بالدلالات. لم يبق من سحر الشرق وجماله إلا صوت البارود والنار. الحداثة الانتقائية التي فرضت نفسها على الجزء المتقدم من هذا العالم، وسّعت التناقض والصراع على مستوى العالم، مزقت العالم القديم، البلاد التي كانت تقف فوق الشمس والضوء. تحول هذا الشرق إلى مكان لإفراغ الجنون، إلى التمثيل به، بماضيه وحاضره، بجسده وضيائه.
تقع الرواية، في اثنتين وتسعين صفحة، ترجمة إسكندر حبش، دار الآدب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع