الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الديني والسياسي!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2017 / 7 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


واحدة من أكبر مآسينا نحن العرب والمسلمون، وربما مآسي العالم الثالث بمجمله، هو هذا الخلط العجيب بين المفاهيم والاختصاصات والأشخاص والقضايا والمهمات، وجعلها كلها كتلة واحدة صماء وخلطة عجيبة لا رأس لها تبتدئ منه ولا ذيل عندها تنتهي به.. وتختلط داخلها العصور والأزمان والتواريخ والأحداث والأشخاص والوقائع، ويختلط فيها الحقيقي بالخرافي والماضي بالحاضر والأسود بالأبيض والشيء بنقيضه..............الخ

فتضيع ـ لهذا السبب ـ معالمها الأصلية، وتتداخل وتختلط ملامحها وألوانها ببعضها، وتسيح على بعضها وتصبح بدون ملامح تعرفها ولا لون محدد يميزها.. ولهذا يصبح من العسير جداً إن لم يكن من المستحيل ـ على المختص وليس الإنسان العادي وحده ـ تميز ملامحها وفرز ألوانها وفك رموزها وقراءة طلاسمها!.

ولهذا يضيع المستقبل عندنا وعند من هم على شاكلتنا من الأمم والشعوب والمجتمعات، ويصبح ضحية لهذا الخلط العجيب والتفكير الغريب!.
وبسبب هذا ـ الخلط العجيب والتفكير الغريب ـ تتعقد القضايا بدل أن تحل، وتتضخم مع الأيام وتنعكس على الوضع العام بجانبيه السياسي والاجتماعي.. فتصبح أبسط مشكلة معضلة كبرى تستعصي على كل الحلول!!

وواحدة أخرى أيضاً من مأساتنا الكبرى، أن الدين عند بسطاء الناس قد تحول إلى (غــريــزة) فوق العقل وخارج المنطق ومرتبطة بالعواطف وحدها، وليس بالدين عندهم.. وبواسطتها استطاع "معذبو الأرض" أن يخلقوا عند هئولاء البسطاء هذا العصر الطائفي /العنصري البغيض، الذي يخيم على ثلاثة أرباع الأرض اليوم!.

والمأساة الأكبر عندنا ـ في المشرق العربي خصوصاً ـ هي:
عندما ينتحل السياسي صفة رجل الدين لأغراض انتخابية!!
وحينما يلعب رجل الدين دور السياسي، ويستخدم الدين لأغراض سياسية!!
وفي الحالتين: يخسر الدين وتخسر السياسة!.
وتختل موازين واختصاصات وأداء كل منها، فيختل المجتمع بسببهما .. و من ثم يدفع بسطاء الناس هئولاء ـ لهذا السبب دون غيره ـ أنفسهم ثمناً لاختلال هذه الموازين بصورة مضاعفة.. يدفعونها من حقوقهم واستقرارهم ومستقبل أجيالهم، وحتى من حياتهم!.
****
فرجل الدين مثلاً : تختلط عليه مهماته الدينية بمهماته السياسية، فيقدم (خدماته الجليلة) لمواطنيه على شكل خطب ومواعظ وطقوس دينية معجونة بماء سياسي.. فيتصور ـ لسذاجته ـ بأنه قد ملك (الحقيقة كلها) ومن حقه أن يقاتل من أجلها حتى الموت، ويتصوره (استشهاداً) في سبيلها!!
ولأن واقعنا التاريخي والاجتماعي الحالي يؤكد، بأن لا وجود لحزب ديني أو (إسلامي خالص) .. هناك فقط : (حزب أو أحزاب شيعية) .. و .. (حزب أو أحزاب سنية)!!
ولأن كل منهما يمثل (طائفة معينة) فإن بضاعته ستكون حتماً ـ وموضوعياً ـ (بضاعة طائفية) تمثل بعض طوائف في المجتمع، ولا تمثل كل فئات المجتمع!!
فتأتي ـ لهذا السبب الموضوعي ـ خطب ومواعظ ونشاطات رجل الدين (المسيس هذا) ذات طابع طائفي وليس إسلامي...,سواء كان يدري : ليحتفظ بجمهوره أو بناخبيه .... أو لا يدري : فالمصيبة أكبر وأعظم!!
ففي الحالتين – وسواء كان يدري أو لا يدري – فهو يساهم بتفتيت وحدة المجتمع وتمزيق نسيجه الاجتماعي طولاً وعرضاً .. وفي كل الاتجاهات!!.

أما السياسي الذي ينتحل صفة رجل الدين أو يتشبه به ، أو يخلط خطبه ومقولاته السياسية بنكهة أو تعبيرات دينية ، فهو أيضاً لا يستطيع أن يمثل كل المجتمع .. فهو الآخر ينتمي أيضاً لــ (طائفة معينة) ، ولكي ينجح في الانتخابات عليه أن يقدم بضاعة سياسية ذات (نكهة طائفية) ليرضي جماهير ناخبيه.. ولهذا السبب هو أيضاً يساهم في تفتيت وحدة المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي ، وبصورة أشد ضرراً من رجل الدين ومن رجال الدين جميعهم، لأن هئولاء معروفون للجمهور بطائفيتهم وانتماءاتهم الطائفية..أما هو فيدلس ويدجل لأغراض انتخابية شخصية!!.

فالسياسي الذي ينتحل صفة رجل الدين أو يخلط خطبه ومقولاته السياسية بنكهة دينية، جريمته أكبر.. لأن رجل الدين في كل الحالات سيكون (هــــاويــا) للسياسة بسذاجة في بعض الأحيان.. أما السياسي فهو (مــحــتــرف) للسياسة، ويعرف جميع الألاعيب السياسية ويعرف من أين تؤكل أكتاف الجماهير.. فهو في هذه الحالة يغشها ويستغفلها.. ويرتكب جريمته (الطائفية) ضدها عن "سبق إصرار وترصد" !!
****
وعلى هذه الطريقة سارت أمور العراق والعراقيين منذ الاحتلال إلى.. اليوم ما إذا بقيت حالنا بين الديني والسياسي على هذا المنوال، فإننا سنبقى ندور في هذه (الحلقة المفرغة) والمفزعة إلى يوم الدين ، أو حتى نفنى في ظل هذا التفكير الغريب والخلط العجيب بين :
السياسي و الديني، وبين رجل الدين ورجل السياسة، وبين مهمة رجل الدين و مهمة رجل السياسة.. فالاثنان ـ وكما عرفناهم بالتجربة ـ يساهمان في تمزيق وحدة المجتمع العراقي ـ وأي مجتمع عربي أو مسلم آخر ـ ويضعان العراق على حافة التقسيم الفعلي!!

والعراق الآن على أبواب (انتخابات جديدة).. فهل سنبقى ندور في نفس هذه (الحلقة المفرغة) أم أن هناك حل؟؟
أعتقد بوجود حلول كثيرة لحل هذا الإشكال والخروج من هذه الحلقة المفرغة.. وجميع هذه الحلول تستند أو ترتكز ـ حسب قناعتي ـ إلى أو على:
"فض الاشتباك" والتداخل ما بين :
مهمات الدين ومهمات السياسة ، و بين ما هو ديني وما هو سياسي ، وبين رجل الدين ورجل السياسة، حتى يتمكن كل منهما أن يؤدي دورة في مجال اختصاصه، الذي وجد لأجلــه في المجتمع أو داخل المجتمع.. فمن البديهيات التي تربينا عليها أن :

الدين : مسألة آخروية غيبية .. والسياسة : مسألة دنيوية مادية يقينية .
فمهمة الدين : تهذيب وإصلاح وتقويم أخلاق المجتمع ، ونشر قيم التسامح والحب والخير والجمال داخله .
ومهمة السياسة : بناء المجتمع ومؤسساته مادياً ونشر الأمن والعدالة وحفظ الاستقرار وحياة وحقوق جميع المواطنين .

فالدين : قضية فردية : لأن ((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) .. فالفرد هو وحده من يخلص نفسه من (النار) وهو وحده من يدخلها (الجنة).. فلا واسطة ولا شفاعة ، ولا تستطيع أية جماعة أو حركة أو حكومة أو خلافة إسلامية ولا أي عنوان إسلامي آخر، يستطيع أن يخرجه من (النار) ويدخله (الجنة)!.
فلو دخل جميع سكان الأرض (الجنة) ، وهناك فرد واحد (لم يعمل لآخرته) فإنه وحده سيخلد في (النار) ، ما لم يكن قد عمل لنفسه ما أخرجه منها .. هذا ما تقوله الأديان جميع الأديان ولسنا نحن الذين نقوله.. وهي نفسها التي تقول : (لن يخلص الفرد إلا لفرد نفسه) ، فالدين إذن (مسألة فردية) .. وما يقوله المتأسلمون والإسلام السياسي هو (بدع ، وتدليس ، ودجل) للكسب السياسي ، وليس لخلاص الناس من عذاب الآخرة!!

أما السياسة : فهي قضية اجتماعية .. فإذا كان الدين : (قضية فردية) يقوم بها الفرد بنفسه لتخليصها [من النار وإدخالها لجنة] في الآخرة .. فإن السياسة : (قضية اجتماعية) يقوم بها المجتمع نفسه لتخليصها من (جحيم الأرض) وخلق (جنته الأرضية) على الأرض نفسها و ليس في السماء ، وفي هذه الدنيا وليس في الآخر.. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بإشاعة العدل والمساواة والحرية للجميع، وبالرفاه المادي والثقافي.. وبمحاربة الظلم والاستبداد والدكتاتورية والشوفينية الدينية والعنصرية ، أو التفرقة بين البشر على أساس منهما!!
فما دامت القضية بين الدين والسياسة هكذا ، وما دامت بين الديني والسياسي هكذا ، وما دامت بين مهمة الدين ومهمة السياسة هكذا أيضاً ، وكذلك بين مهمة رجل الدين ورجل السياسة هكذا!!
فإذن : الفرز بين هذه العناوين جميعها هو الحل.. ويأخذ كل من رجل الدين ورجل السياسة مهمته الأصلية ودوره الطبيعي داخل المجتمع.. هو الحل الوحيد!!
فليكن المسجد : هو المكان الذي يشع على المجتمع قيم الخير والمحبة والحق والأخوة الإنسانية بين جميع البشر.. وليكن أيضاً هو المكان الذي يمارس رجل الدين فيه دوره ومهمته ورسالته النبيلة داخل المجتمع!!
ولتكن الدولة : ومؤسساتها هي المكان الذي يمارس فيه رجل السياسة دوره ومهمته ومواهبه في بناء الدولة والمجتمع، حينما يكون على رأس السلطة .. وكذلك يمارس نفس دوره هذا ، لكن في النقد والتقويم والتصحيح والمعارضة البناءة ، حينما يكون خارج السلطة!.
على أن يتخلص الاثنان في الحالتين : من الفساد والكبر المؤدي إلى الطغيان والاستبداد ، عندما يكونان داخل السلطة أو خارجها!!

بهذا الفرز بين الديني والسياسي ، وبين رجل الدين ورجل السياسة وبين دور ومهمات كل منها..ستستقيم الأمور وتصلح!!
وبدون هذا الفرز سنبقى ندور داخل هذه (الحلقة الجهنمية الفارغة) إلى الأبد!!
فليعرف كل منهما دوره ومهمته التي انتدب نفسه إليها باختياره المحض.. ودون إكراه أو إجبار!!

وليترك كل منهما ((ما لله لله..وما لقيصر لقيصر)) .

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن