الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة -الشيخ عبد الله نصر-... بين التراث والموروث

فاطمة ناعوت

2017 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السؤال:ماذا فعل الشيخ "محمد عبد الله نصر"، وما جريمتُه حتى يدخل السجن، ويُنسى بين عتمة ظلمائه، منذ شهور، قد تمتدُّ إلى سنوات، لا سمح الله، لو لم يُستجب لندائنا للإفراج عنه؟!
الإجابة: لقد طبّق هذه الآية الكريمة: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ". الرعد 17.
هذا ما قاله الُله تعالى حتى يبين لنا الفارقَ الهائل بين نقيضين. أحدهما ضارٌّ، والآخر نافع. “الزَّبَد" هو الرغوة التي تعلو الماء عند غليانه وتختفي عندما يبرد، أو ما يعلو موج البحر من رغوة بيضاء سرعان ما تتلاشى عند ارتطامها بالشاطئ. الآية السابقة تميّز إذن بين الزائل والباقي، بين الآفل والخالد، بين الغثّ والسمين. بين الخرافات المشينات التي تجعلنا نتوارى خجلا من الناس، وبين الفرائد النفائس الرواسخ التي تُزيّن جباهَنا بالنور وتُكلّل هاماتنا بأكاليل الفخر.
تلك الآية الكريمة بكل بساطة تميّز بين نقيضين هما: "الموروث"، و"التراث". والفارق بينهما هو الفارق بين حصوات الطريق ونجوم السماء. أما "الموروث" فهو "كل" و"جميع" ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا الأولين، من عادات وتقاليد وأفكار، قليلُها جيدٌ، وكثيرها خرافات وشعوذات، تجعل الناسَ، إن اتبعوها، يرزحون تحت ويلات الفقر والمرض والجهل، وعادة ما ينتهي الحالُ بهم إلى الاقتتال دفاعًا عن تلك الخرافات الموروثة. وأما التراث، فهو العنصرُ المشعّ من "الموروث”. التراث هو القليل الممتاز من الكثير الركيك. التراث هو قطعة الألماس الخبيئة بين كوم القش. التراث هو الأثر الخالد الذي تركه لنا الآباءُ والأجدادُ لنفخر به بين الأمم. هو العادات الراقية والتقاليد السامية التي تجعل واقعنا الراهن أكثر جمالا ويسرًا وإنسانيةً ونبلًا وفنًّا وتحضّرا. التراث هو "الصالح" من الآثار العلمية والفنية والأدبية والفلسفية، المتجسدة في الآثار والكتب والمقطوعات الفنية الساحرة من التشكيل والموسيقى والنحت، مما ترك لنا السلفُ الصالح. التراث هو الفلسفات الرفيعة التي تُعلي من قيمة الإنسان، مما ورثنا عن السلف، ولفرط سموّها وخلودها ورُقيّها، نظلُّ نتوارثها جيلا بعد جيل، حتى وصلت إلينا، وسوف نظلُّ نُورّثها لأولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل لأنها خالدة لا يجوز لها أن تندثر. أما الموروث، فإن العقل السليم ينتخب منه الجيدَ (فقط) ليرثه من السلف ويُورّثه للخلف، ويلفظُ منه الهشَّ الركيك حتى يتوارى وتطمره السنواتُ. بينما يأخذه كلَّه دون تأمل ولا فلترة، العقلُ الذي بين ثناياه مرضٌ.
لكل ثقافة وكل دولة وكل مجتمع وكل عقيدة، هناك دائمًا: “موروث" كثير وغزير، و"تراث" أصيلٌ وقليل. وتنقسم المجتمعاتُ في التعامل مع هذين الشيئين، تبعًا لتحضّرها أو تخلفها. المجتمعات الظلامية المتخلفة التي تقع في ذيل ركب العالم، تؤمن بالموروث (كله) دون تنقية، بحلوه ومُرّه، خيره وشرّه. أما الدول الراقية المتحضرة التي تقود العالم، فإنها تنتخبُ الجميل "فقط" من "الموروث"، وهو “التراث”.
هذا بالضبط ما فعله الشيخ "محمد عبد الله نصر". رفض أن يلتصق بالإسلام كلُّ "الموروث" الذي فيه ما فيه من جيد ورديء. فانتخب "الجيدَ" (التراث) وأقرَّ به، ورفض "الرديء" من الموروث مما يخالف القرآنَ، وقال: حاشا لديني وعقيدتي أن تصدقه.
أنصتوا من جديد لكل لقاءات الشيخ، في ضوء ما سبق، حتى تعرفوا كم هو مُفترى عليه. الشيخ "محمد عبد الله نصر" لم يُحرّض يومًا على قتل الناس، ولم ينشر البغضاء بين أركان مصر، حتى يُسجن ثلاثةَ عشر عامًا! إنما فكّر وبحث وقال. وفي جميع قوله حاول تبرئة عقيدتنا، مما يلصقه به مُشوهو الإسلام، خصومُ السلام. وأولئك هم الآمنون من الملاحقات القضائية! يترهلون على أرائك بيوتهم الوثيرة، يثرثرون على طاولات فضائياتهم، ويثرون ثراء فاحشًا بهدم الدين وتقويض الوطن والتحريض على قتل الأبرياء العزل المسالمين.
نداء متجدد للرئيس عبد الفتاح السيسي: الأمةُ التي تسجن مَن فكّر وقال، سواء أصاب أم أخطأ، وتلاحق بالقضايا من يحثّ على السلام بين الناس، وفي ذات الوقت تسكتُ عمن قتل وعمن حرّض على القتل، هي أمةٌ تستحق ما هي فيه من ويل. ومصرُ .... لا يليق بها هذا!
سيادة الرئيس، بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن كل عقلاء مصر، ممن يؤمنون بنهج ابن رشد: "الرأيُ يُحاجَجُ بالرأي، لا بالسجن"، أناشدك للمرة الثالثة بالتدخّل لحماية مفكري مصر من الارتزاقيين الذين يشتهرون ويثرون بهدم الإسلام وتحطيم صورة مصر أمام العالم. وعلّكم تعرفون أن الشيخ "محمد عبد الله نصر" مصابٌ بالسكر وبالتليف الكبدي، ولن يصمد للسجن طويلا.
إن لم تنته تلك المهازلُ، فإنني أعلنُ بكل أسًى أن هذه الأمة المنكودة لا أمل فيها ولا رجاء، مادامت تُصعَّد للقضاء تلك الدعاوى الكيدية البليدة التي وراءها شخوصٌ فارغون؛ لا شغلَ يشغلهم ولا مشغلة، يرتعبون إن شاهدوا شخصًا يفكر ويجتهد ويخطئ ويصيب، كما هو حال الإنسان منذ نشأ. فالدماغُ يُرعب من ليس له دماغ. والإسلامُ بريءٌ من المُنفّرين. والحريةُ للشيخ محمد عبد الله نصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قول الصدق في زمن الخديعة ثورة
شاكر شكور ( 2017 / 7 / 30 - 06:04 )
لقد اختلط وتزاوج التراث بالموروث يا استاذة فاطمة وأنجبا مولود مشوه الخلقة ، لا فرق بين التراث والموروث إلا بطريقة تجويد الأكاذيب وخاصة التراث الآتي عن طريق العنعنة الذي ضربته الشمس في الطريق فأسود وجهه وأزداد قبحا ، برأيي ان يموت الإنسان في السجن اشرف له ان يمن عليه شخص ضعيف الشخصية مثل السيسي ، ولو كان للسيسي كرامة لما سكت على الإسلاميين بتكميم افواه المثقفين في عصر حقوق الإنسان وحرية الرأي والمثل يقول لا تطلبي من الحافي شبشب ، تحياتي


2 - انما الامم الاخلاق ما بقيت
مروان سعيد ( 2017 / 7 / 30 - 07:53 )
تحية لااستاذة قاطمة ناعوت المحترمة وتحيتي للجميع
ابشرك بانه لاامل بامة تمسكت باخلاق اسلافها القتلة واكلي رؤس واكباد بعضهم فاي امل تترجين
الواقع يحكي ذلك سيدتي وصدق الشاعر احمد شوقي الذي قال
و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .....و إذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما و عويلا صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
ما اعظم هذا الشاعر ورؤيته المستقبلية لهذه الامة وحتى قضاتها لااخلاق لهم يتمسكون بالصحاح من التراث العفن والقليل الادب مثل
قوله : ( كان يطوف على نسائه في غسل واحد ) أي يجامعهن ثم يغسل غسلا واحدا ، ولأحمد والنسائي في ليلة بغسل واحد . والحديث دليل على أن الغسل بين الجماعين لا يجب وعليه الإجماع ، ويدل على استحبابه ما أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع : أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال فقلت يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ، قال : هذا أزكى وأطيب وأطهر
ايه الارف ده يا سيدتي وكلها صحاح وهي نيشان على صدر الامة
ليساعدك الله ايها الشيخ الجليل في عزلتك وسجنك على امة خجل الجهل من جهلها


3 - متضامن
عدلي جندي ( 2017 / 7 / 30 - 08:53 )
تحياتي

اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة