الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير العقول العربية من العوائق المعرفية

عبد الملك بن طاهر بن محمد ضيفي

2017 / 8 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التيه والحيرة سمة من سمات العقول العربية في هذه المرحلة المفصلية
-فإما انتكاسة ونكوص يسببهما التقوقع
-وإما انفتاح ونهضة سببهما العقل المبدع
فلا أمل في التغيير إذا مُنع العقل من التفكير وحيل بينه وبين التعبير

ألم تخرج اليابان من الحرب منهكة وأصبحت ألمانيا بعد
الهزيمة مفككة
فلم تملك اليابان المنهكة قرارها ولم تحقق ألمانيا المفككة استقرارها
تقيدهما قرارت المحتل وتلزمهما بتوقيع معاهدات الاستسلام والذل
وتحملهما تبعات الهزيمة في الحرب على كل المستويات والصعد اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ما جعل واقع الدولتين مأساويا وحال الشعبين لا إنسانيا تقبعان في أسفل الترتيب علميا ولا دور لهما عالميا والمتأمل للوضع حينها يكاد يجزم بانسداد الأفق دولة مسلوبة السيادة وشعب مشغول بتضميد الجراح يكفف الدمع على ما أزهق من الأرواح مدن مدمرة حدود مستباحة حتى الأجنة لم تسلم من الظلم تولد مشوهة تئن من الألم " وهكذا هو اليوم حالنا بين الأمم "

لم تنصفهم عصبة الأمم ولم تنصرهم شرعة الحقوق في العالم المتقدم

-1فماذا فعلوا؟

-2ومن أين جاء الأمل؟

-3وكيف صنع الحل؟

والجواب عن هذه الأسئلة ليس من باب المحاكمة التاريخية بل طلبا للحلول العلمية ثم العملية لتحقيق النهضة العربية وتخليص هذا الجيل من عقد التخذيل ونقم التقتيل وتحريره من سراب المعرفة وخراب التجهيل وتعليمه الاجتهاد والجد وأنه لا ينظر إلا ليجد فإذا نظر إلى الإنجاز الحضاري الياباني الألماني مثلا علم أنه كان شاقا ومكلفا بعد حرب أتت على البنيان من القواعد فكان المشترك الذي يجمع البلدين ويوحد الشعبين بعد الحرب ويجعلهما منارتين في الشرق والغرب
هو القطع مع الماضي ونبذه وعدم الالتفات إليه أو الاعتداد به
فلا مكان للنازية في ألمانيا اليوم
أما اليابان اليوم فتحترم دستورها ولا تقدس امبراطورها
ويتجلى هذا القطع مع الماضي في العقيدة العسكرية للجيشين والسياسة الخارجية للبلدين والرقي القيمي للشعبين
في الاعتذار عن الظلم الذي كان من أسلافهم والتعويض لضحاياهم فلا مكان في اليابان وألمانيا اليوم للنظام الذي كان يسوس البلاد قبل الحرب والقطيعة معه حاسمة على كل المستويات
-فالنظام الفاشل الذي كان سببا في النكسة لن يكون يوما شريكا في صنع النهضة
-وهذا هو مقياس النجاح فكل أمة تريد النهوض بعد كبوتها مطالبة بالتخلص من كل أسباب نكستها
ما يجعلنا نسأل من أين يبدأ العقل العربي في بناء معرفة موضوعية مستقلة سمتها الحياد وعدم الالتفات إلى ما فات والقطع مع الأموات لتكون خارج دوائر التصنيف والتعميم مع النظر إلى الآخر على أنه واحد متعدد فيتواصل معه معرفيا مراعيا هذا التعدد مستعيضا عن الذاتي بالموضوعي الذي ينطلق من الفهم ولا يلتفت إلى الحكم ولا يقارن بين الذات والآخر ولا يعيقه موقفه منه من التواصل معه معرفيا وإن كان يعده نقيضا موضوعيا فالمواقف المبنية على المبادئ والأفكار تعزز الذات ولا تقمعها وتدفعها ولا تمنعها من الرقي معرفيا بل تحصنها شخصيا وتشبعها قيميا لتجعل منها فاعلا حضاريا يفيد ويستفيد معرفيا متحررا من العوائق متخلصا من القواطع
-فليس العربي هو المنزه الكامل والآخر ذاك الوضيع السافل
-وليس الآخر ذاك المتحضر الرفيع والعربي هو الهمجي الوضيع
وليتم هذا التكامل والتواصل يجب التخلص من وجهات النظر المسبقة والتحرر من الأحكام المسقطة بالتخلص من نظرتي التنزيه والإدانة في الطريق إلى الإسهام في بناء المعرفة وتطوير التقانة فإذا كانت علوم العرب اليوم ومعارفهم تؤهلهم للقيادة العلمية والريادة المعملية فليحافظوا عليها وليعملوا على تطويرها وإذا كانت مكانتهم العلمية في درجة أقل من ذلك فليبنوا عليها إلى أن يتمكنوا من تغييرها أما إذا كانت مكانتهم العلمية لا تؤهلهم لكل ذلك فالمشكل في عقولهم فليبادروا إلى تحريرها ومما يعيق التغيير استثمار السياسيين والمتنفذين في الجهل واستفادتهم من التخلف ونخب مترهلة طال سباتها ولا علاقة لها بالتجديد والابتكار تكتفي بالتكرار ولا يزيد دورها على حجب الأنوار وتعويد الشعوب على الثرثرة والاجترار حتى انتكست فطرتهم مخالفين ما جبل عليه الإنسان من كره الظلمة وحب الأنوار لذلك طور الكتابة مستعيضا بالطباعة عن المسمار وأبدع المصباح مستغنيا عن النار إنه مخلوق متطور متحرر يعلم أن السكون والدعة مقدمة من مقدمات الانهيار ما جعله يبني حضارته على دوام الحركة والاستمرار ولا يركن إلى وهم الاستقرار الحضاري لأنه يعلم أنها مرحلة تُستفتح بالانحسار فالاندحار ولا تنتهي إلا بالتلاشي والاندثار فلا بد للعقل العربي من فرز دقيق وصارم يخلصه من كل العوائق المعرفية ولا يتم له ذلك إلا بتتبع مواطن الوهن في التصور والمنهج ليقطع معها ويستعيض عنها بالتصورات السليمة والمناهج المستقيمة التي تخلصه منها ليجمع بين
-تجاوز العقبة المعرفية
-وتحقيق القطيعة المعرفية
لأن الأمم التي لا تخطئ هي الأمم التي لا تجرب فيتجاوزها الركب وينبذها الشرق ولا يقبلها الغرب هل هذه حال قوم اسمهم العرب يُصنع لهم الغذاء والكساء والدواء فيسلبون الكرامة والمال والاستقلال يتقاتلون بسلاح قاتلهم ويسابقون إلى مقاتلهم طمسوا أنوارهم فضاع قرارهم وخربت ديارهم فإذا كنا نريد استعادة أمجادنا وبعث عز مات مع أجدادنا وجب علينا أن نكون مثلهم حينها يملكون قرارهم ويحمون ديارهم ويدور العالم في فلكهم وكل الناس في حاجة إلى علمهم وعالة على معارفهم فهل نحن اليوم مثلهم لنزعم أننا خير خلف لهم ونتبجح بأننا نمثلهم وأننا امتداد لهم فليتنا نعلم أنا بانتسابنا إليهم نشوههم ونظلمهم وللإنصاف نقول
هل يموت العقل؟
-نعم :
" لا يكثر العقل الالتفات ولا يساكن الأموات إلا إذا مات "
لتعلم ان أهم العوائق المعرفية التي تواجه العقول العربية مكانة ومتانة المنطق الصوري والتحدي الذي طرحه مذ أبدع أرسطو هذا العلم الذي بني على غير مثال سابق وولد مكتملا تام الأركان مقطوع الصلة بكل ما سبقه أو عاصره ليس له إلا أب واحد ما جعل علوم العرب قديما لا تنسب إلا إليهم في أغلبها ولما ذهب ذلك الجيل من العباقرة ترك فراغا وزادا يصعب تغييبه أو انتحاله لأنه ولد تاما مكتملا أو يكاد فلا يُستفاد منه إلا بالبناء عليه لذلك مازال العلم الحديث وثيق الصلة بهم يحفظ لهم مكانتهم ويشهد بعظمتهم لكنه قطع مع طريقتهم لندرة من يشابههم في زمن لا يشبههم لكن العربي مازال يريد تكرارهم بفكر لا يشبه أفكارهم لتعلم أن المشكل المعرفي العربي اليوم مشكل منهجي بحت مرده إلى مناهج التحصيل والبحث ولا علاقة له بالأهلية العلمية وليست مشكلة جينية ولا وراثية فلا علاقة للعوائق المعرفية بالأصول الأنثروبولوجية وهذه نظرة ضيقة عنصرية تصدت لها النخب العلمية مبكرا وفندتها وأثبتت فسادها وعنصريتها
فما الذي ينقص العرب اليوم ليتصدروا ركب المعرفة والعلم؟
ولماذا عقمت الترجمة اليوم وقد كان لها أثرا بليغا في النهضة العلمية العربية قديما أللقصور الذي شابها أم لنكوصنا عن العلم أم لتنكبنا طريق الحضارة الذي أزاحتنا عنه باقي الأمم وهل بإمكاننا إنتاج معرفتنا معرفة تحررنا من رق إطار طالما حال بيننا وبين تحقيق أحلامنا وجعل الحيرة سمة من سمات عقولنا لذلك نسأل

لماذا لا نغير طريقة تفكيرنا

لماذا لا نعدل زاوية نظرنا

لماذا لا نخرج عن المألوف

لماذا لا نحرر عقولنا من الوصاية والتبكيت

لماذا لا ننتج آليات وأدوات تحرك ركود المنطق الصوري وجمود القياس الساذج
لنمكن عقولنا من ممارسة عملها وفق قواعد نحن الذين نقعدها وكل حين نجددها حتى لا تهيمن الآليات التي نضعها على عقولنا وتحل محلها فيسود التقليد ويهيمن الجمود ويفقد العقل دوره من جديد في حقبة أحوج ما نكون فيها إلى النقد والتجديد لإنتاج معرفة يعول عليها ويعتد بها تديم نقد آليات عملها وقواعد فعلها وتغيرها كلما ظهر منها قصور أو عجز فكل النظم المعرفية التي أبدعها العقل صالحة ناجعة محددة بحقبة تسود فيها ثم تبدأ بالأفول ثم تزول لتصبح مجرد تاريخ يؤرخ للعقل في تطوره المستمر من خلال تفكيره المتجدد في ذاته وتجديده الدائم لأدواته وفتحه بابا رحبا للنقد والنظر الذي يمكنه من القطع الحازم ولا يلزمه باستصحاب أدوات غيبها تاريخه المتراكم فلو لم يتخلص العقل من القيد الصوري الذي كان يفرضه المنطق الأرسطي لما بلغ هذا المبلغ من الرقي وهذا مجرد مثل وعليه فقس لتتأكد أن العقل لا تظهر قيمته ولا يأخذ مكانته إلا إذا نال حريته بأن يفكر من غير قيود ولا شروط وأن يحلق في سماء لا تحجبها السقوف لا تكبته التصورات المسبقة ولا تبكته الأحكام المسقطة يفتح كل الأبواب لا يخاف ولا يرتاب لا يلتفت إلى الماضي ولا يحاكمه ويقطع مع كل ما راكمه لينطلق بعقله من نقطة الحياد التام التي تحرره من كل الأوهام وتبلغ به في الرقي إلى التمام فتصبح أعرافه وقناعاته ومعتقداته وامتيازاته ومقدساته دالة عليه منسوبة إليه وبهذا يتم تحرير العقل من الاستعباد وتطهيره من التبعية للعباد ليتمكن من شق طريقه الجديد المباين لكل طرق العبيد لخلوه من التبعية والتقليد فلا مكان في مثل هذا العقل الجديد لتقديس الأعراف والتقاليد
فإذا كان صاحبه من المؤمنين فليس تقليدا للمتدينين
وإذا كان من اللادينيين فليس افتتانا بالملحدين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ