الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تفريع اصول الدين أم تأصيل المتفرعات الجزئية ج1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
2017 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفرع في المعنى المتداول هو كل تخصيص ذاتي لذاته من الأصل، بمعنى أن الأصل له جزئيات متعددة حسب طبيعتها الذاتية تكون الصورة الكلية مع الأخريات ولكنها لا تمثل كامل الأصل بذاته، وهي بالعموم أجزاء أصيلة تعكس بتجمعها على النحو الرابط عن مفهوم كامل له حسب ما في طبيعة الأصل أو حسب تصورنا نحن عنها، فقد لا يكون الفرع حقيقيا وطبيعيا ولكن إدراكنا عنها هو من يجعلها كذلك والعكس صحيح، المهم في العملية كلها أن نجد الرابط الحقيقي والصادق بين الأصل والفرع بما يملك من تعبير عنه أو يكمل المفهوم ويتكامل معه.
عليه فالفروع هي أمتددات الأصل وليس وجوها له فالأصل واحد ووجهه واحد سواء تعددت الفروع أم تلاشت، لو عدنا للمفهوم الوضعي الذي عليه الأصل الديني كما رأينا مسبقا عن مفهوم أصول الدين التقليدية في الأديان والمذاهب المختلفة لوجدنا أختلاف شديد في معرفتها وتعريفها وبسطها وأستخراجها، وهذا يقودنا إلى مسألة عدم جواز أطلاق المعنى العام على نظرة حصرية قصورية، فلا فروع الدين في المذهب السني كاملا تمثل فروع الدين عامة، ولا هي كذلك في المذهب الشيعي لأنها تمثل قراءات منفردة للأصل، وكذلك الحال وكما سيأت أيضا في مقارنة بين الأديان عامة ومذاهبها الخاصة
إذا يجب علينا حتى نكون علميين عندما نطلق العموم أن نستكشف العام الكلي من الكل ثم نقرر ما هي الفروع كما فعلنا في الأصول، ومن هنا فلا بد أن نعود في بحثنا إلى أجراء المقارنات لنستخلص المقاربات وأظهار ما هو قانون حاكم على الكل لنتمكن من أن نقول عنها أنها فروع الدين لا فروع المذهب الفلاني ولا فروع الدين المخصوص، هذا إذا أردنا العمومية والتجريد والحيادية في الطرح.
يقول محمد حلمي عبد الوهاب في مقالته عن الدين في ذاته وفي تجلياته ... نصر حامد أبو زيد ونقد الخطاب الديني، عن حقيقة مفهوم التجديد الديني وعلاقته في فهم الدين أصلا وعموما، (إذا كان «أول التجديد قتلُ القديم بحثاً»؛ كما قال شيخه أمين الخولي، فإن عملية القتل، أو الهدم لأجل البناء هذه، لا ينبغي لها أن تكون عبئاً لا طائل من ورائه، ولا تسجيلاً للنقاط في معترك الصراع بين فريقين: أحدهما إسلامي والآخر علماني؛ وإنما ينبغي لها أن تكون ركيزة بناء، ونقطة انطلاق، وحصيلة تراكم على مرِّ الأجيال) .
فالعملية التي نحن في صدد دراستها لا بد لها أن تكون مثمرة إيجابية في فهم الدين على أنه فكرة عامة وليست ظاهرة محددة في أطارها الذاتي أو في مجالها الموضوعي المحكوم بالواقع وبالقراءة فقط، فليس الدين عموما هو الإسلام أو المسيحية، كما هو ليس المذهب الشيعي ولا نقيضه ومنافسه المذهب السني، إنها علاقة الإنسان ككل مع الديان وكيف يعبر عنها أستنادا إلى المشترك الجامع، من هنا فدراسة فروع الدين لا بد لها أن تعني أستنباط الكلي المشترك من الجزئي المتنوع ليكون قانونا عاما أو قاعدة عامة مجردة في التحديد والتوصيف والتقرير.
المطلب الأول _ فروع الدين جزئيا
حسب المذهب الجعفري فإن فروع الدين عبارة عن واجبات تنظم معاملات الإنسان المؤمن مع الله ومع المجتمع وكل ما يحيط به، تلك المعاملات مذكورة في القرآن الكريم، بعكس أصول الدين التي يجب أن يحصلها الإنسان بنفسه دون أن يقلد بها أحداً فإن أداء فروع الدين يلزم تقليد مرجِع محقق للشرائط الشرعية يؤدي فيها المُقَلِّد تلك الفروع على ما تعلمه منه من الفتاوى بهذا الخصوص .
هكذا عبر المذهب الجعفري عن معنى الفروع بأنها (واجبات) بمعنى طريقة أداء حسية وليست قواعد فكرية تلتحق بالأصل الذي هو فكرة، هذا تناقض جنسي بين الأصل والفرع، وهي في معنى أخر ليست إلا مظاهر من ظاهرة تعبيرية، فالأصول الفكرية يجب أت تبقى في طبيعتها كذلك وتختلف الأصول عن عما يراد أن يعبر عنها لأختلاف الفكرة عن الممارسة،فلو أخذنا أصل وجود المقدس الغيبي كأحد الأصول العامة فمن تفرعات الأصل لا بد أن يكون في الحقيقة أيضا فكرة عن تجسيد إيماننا به، فمثلا يكون من فروع هذا الأصل أن نعرف حقيقة القداسة وحقيقة غيبها، فنقول إن المقدس الغائب هو من يتخصص لذاته دون غيره بعدم التنجس مطلقا أو يضاف له منجس أو يمكن أن يكون ذلك.
فكل تنزيه للمقدس الغيبي وحفظه سيكون فرعا من الأصل وليس أكثر من ذلك، فالصلاة أو الصوم لا تتصل بهذا المعنى ولا تعبر عنه بالضرورة لا سيما وإذا عرفنا أن الصلاة بمعنى النداء أو الدعاء فهي مشترك بين المقدس الغيبي وغيره، كما أن الصوم ليس بالضرورة أن يكون عبادة فقد يكون أجراء صحي أو طبي لهدفما، هنا أشترك أو جعلنا ما للمقدس الغيبي كما لغيره في التعبير عن فعل أو سلوك.
مثلا في المذهب المقابل للمذهب الشيعي هناك بعض الأصوات التي تنكر التفريق بين الأصول والفروع، وهناك من يثبتها بناء على الرواية، وهناك من يشكك بها على أساس التفريق ما بين الظني والقطعي، فالأصول عندهم قطعية والفروع ظنية، ولكن الإشكالية فيما يبدو بعدم وجود معيار تقسيمي ضابط من جهة ومن جهة عدم توافق أن يكون الظني فرعا للأصل القطعي،فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد ((يُقَالُ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ: مَا حَدُّ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي يَكْفُرُ الْمُخْطِئُ فِيهَا؟ وَمَا الْفَاصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ) . {الفتاوى: 23/ 346}.
هذا التناقض في فهم الفروع داخل الدين الواحد وتعارضها وتناقضها أحيانا مرده النقاط التالية:
• عدم التفريق بين العبادة والتعبير عنها ودمجها كظاهرة حسية مع الفكرة الدينية، وجعلها واحد، فالفكر الديني هو نتاج بشري ظني لأنه يعتمد القراءة الذاتية للفكرة وبالتالي فهو إجرائي وليس قاعدي.
• وجود التنافس الفكري بين الأحزاب والملل والطوائف والمذاهب على أساس فكرة الأصح جعلت لكل منهم أتجاه مميز داخل المنظومة الفكرية ذاتها مما جعلها تتعرض للأهتزاز والتشويه، وهذا التنافس ليس إنعكاسا عن النص بل عكسا لما في الواقع من خلافات سبب البعض منها سياسي والأخر مصلحي.
• عدم وجود أتفاق على معيارية واحدة ضابطة ومنضبطة مع فكرة الدين بسبب النقل الكيفي ووجود ما يسمى بالدس والتدليس والكذب في النقل/ مما أتاح للبعض التجاوز عن الظهرة وأعتبار كل ما وصل إلينا مقدس يجب الأخذ به أستنادا إلى نظريتي عصمة السلف الصالح ونظرية الولاية والبراءة، فكل جهة تحاول أن تدعم موقفها بالدليل النقلي حتى لو كان فيه تجاوز على الحقيقة النصية ومنها ما يعرف بإمكانية النسخ (مسخ الحكم والأتيان ببديله) من قبل الحديث للنص القرآني أو قول المعصوم المقدس الذي هو حجة على من أحتج بهما.
• اللغة بأعتبارها الوعاء الحامل للفكرة وما طرأ عليها من تغيير في التعبير عن الدلالات لعبت دورا حاسما في ترتيب الأختلاف، مثلا في قضية الولاية ومعناها أحتج الشيعة أنها قضية حاكمة وتعني الحاكمية وبالتالي فهي من الأصول الكلية، بينما يراها الطرف الأخر بمعنى جزئي تعني المحبة والجمع ولا يمكن أن يكون الجزئي أصل وهنا نشأ الخلاف على أساس اللغة لا على أساس مقصدية النص وحاكميته على اللغة.
• أيضا لعبت الوقائع التأريخية بما في كونها تجربة مرتبطة بالزمان والمكان والحال الموضوعي دورا في التفريق بين الفروع وإدراكها، فما حدث تأريخيا كما في ظن البعض صالحا بذاته لأنه قابل للتجسيد بغض النظر عن النتائج وبالتالي إمكانية إعادة التجربة بمستوياتها الحدثية، في حين يثبت البعض على موقفه من التجربة أستنادا للنتائج المتحققه لا على شرط الحدوث وحده، وبالتاي مثلا أطاعة الظالم الحاكم والمتولي بالقوة لا يقدح بالشرعية عند البعض من المسلمين، بينما يرى خصومهم أن شرط الصلاح والتناسب بين الوسيلة والغاية شرط أولي يجب التشديد على مراعاته والأخذ به بقوة.
• التمازج الثقافي مع الأفكار والديانات الأخرى والحضارات كانت أيضا سببا في أنتقال عدوى الأختلاف بين المسلمين، فمن يؤمن بأن أهل الكتاب هم أهل الذكر ويجب الأقتداء بهم والأخذ عنهم لا يشكل مخالفة لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }الأنبياء7، يرى طرف أخر أن الأختلاف في أهل الذكر وحده سبب افي لعدم تقليدهم ولا حتى التقيد بما عندهم لقول الله تعالى {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }الشورى14، فهم أصلا في شك بما لديهم، ولا يجوز بالتالي البناء اليقيني على المشكوك فيه والمحتمل بناء على قاعدة (ما بني على الأحتمال يبطل الأستدلال به إلا ما يعزز بدليل نصي يقيني).
كل هذه العوامل مجتمعة ومنفردة ساهمت في الأختلاف في معنى الفروع وترتيبها داخل الدين الواحد الذي ينطلق من قاعدة نصية واحدة ومن خلال مقدس حضوري واحد، فكيف يمكننا أن نجمع الفروع التفصيلية عن الأصول الكلية في ديانات متعددة قد تختلف في المصدر النصي وفي تعدد المقدس الحضوري الواحد؟.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. صحيفة هآرتس: صفعة من المستشارة القضائية لنتنياهو بشأن قانون
.. عالم الجن والسحر بين الحقيقة والكذب وعالم أزهري يوضح اذا ك
.. واحدة من أبرز العادات الدينية لديهم... لماذا يزور المسيحيون
.. مشاهد لاقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات ال
.. تجنيد اليهود المتشددين قضية -شائكة- تهدد حكومة نتانياهو