الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بائعة الجبن شيماء

كمال عبود

2017 / 8 / 4
الادب والفن


+++1+++
يا الحاضرةُ دون موعدٍ ... دون إذنٍ ...
يا الحاضرة بعد سكون ... كحوريّة البحر ... كالساحرة في حكايا الجدّات ...
تغفو عيون الأطفال على صور الساحره .. ويحلمون .. تأتيهم في المنام ، لطيفةً ، جميلةً خفيفةَ الحركات و..... ضاحكه ... تأخذهم إلى عالم مختلف .. عالم يأتنس فيه الطفل مع الحصان والأسد والفراشات ويلعب ( الغميضه) في أدغال الغابات ، بين الأشجار العاليات.. ويحلق فوق ظهر النسر ذي الجناحين القويين الذين يحملان الدار والارجوحةِ وبنت الجيران ...
طوبى للأطفال الذين يكبرون وتتحقق بعض امنياتهم ، طوبى للكبار الذين يصلون بيسرٍ إلى بعض مبتغاهم ، طوبى لذوي الحظّ الذي الذي يلعب دور الرافعة في حياة القلّه في هذا الشرق المتناقض ..
طوبى ( للطيّب ) الذي التق شيماء
في السابعة صباحاً نزل العمال من سيّارة (الطيّب ) إلى بستان البرتقال ، دلّهم على النوع الذي سيقطفون ثماره وعلى مكان تجميعه وتوضيبه وسار بسيارته على الطريق الزراعيه ، وبعد منعطف بستان العميد رأى على الطريق فتاةً هيفاء بلباس بدوي تمشي وعلى رأسها قدراً كبيراً ، تقترب السيّارةُ وقبل بضعة أمتارٍ تستدير الفتاة وتوميءُ بحركةٍ كي يراها السائق ويقلَها معه.
يقف( الطيّب ) يفتح باب السياره : تفضلي ..
تُنزل الفتاة حملاً ثقيلاً عن رأسها ، تضعه على المقعد وتجلس ثمّ ترفع غطاءً يغطي نصف وجهها، وتقول : يكثّر خيرك .. ابن حلال
ينظر الرجل إلى صاحبة الصوت .... يشيح بوجهه ثمّ ينظر مرّةً أخرى ، تأخذه غشيةً من هذا الجمال الذي يراه، يُكرّرُ النظر .. يشعر بشيء ما ...شيء غريب .... شيء أشبه بالحلم ... وجه ساحرةٍ في اسطورةٍ ، كان قد سمعها من جدّته أيام كان طفلاً .. ساحرةٍ .. جنيّةٍ أخذت حبيبها من قرب نبع الماء ، هذه ملامحها كما وصفتها الجدّه .. اسطوره في الجمال. وهذا الصوتْ وتلك الصوره. قالت الجدّةُ يومها: لا عينٌ رأت ولا إذن سمعت ...
وقالت الجدّةُ حينها :
وتلك الساحرةُ - الجنيّة- تهواها القلوب وتكون عوناً للطفل الذي ينام في حضنها ، تأخذه الى القمر البعيد تزرع له وردةً وترسم على خديّهِ غمّازتان ..
يُلملم الطيّب ذاكرته واحلامه ويلملمُ ذاته المشدوهةِ ويردّد : اللهم صلي على النبي ... اللهم صلي على النبي ...
يحضر صوتها: رأيتُكَ مراراً في مدخل البستان الكبير والمقابل لمضاربنا
رد عليها : ولماذا تحملين كل هذا الثقل والطريق طويله؟
قالت : للضرورة أحكام ..
تفاجأ الطيّب بالرد ...!
ما اسمك ...؟ قال لها
أجابت: شيماء ، وأنا ذاهبةُ أبيع الجبن .. في السوق ..
قال: أنا اشتري الجبن وترتاحين من عناء السوق ...
قالت : تعطف عليّ .... ؟ أنا لا أحب العطف طالما عندي القدره على الذهاب سأذهب والتعب جزء من قاموس الحياة.
قال : لكن حياتكم قاسية جداً ...
قالت: إنُّ نمط حياتنا وكما يقول أخي: نمط انتاج مختلف.
فتح الطيّب فمه مستغرباً ، وقال : نمط انتاج ٍ مُتخلّف ، وحياة بائسه.
قالتْ قل مختلف ولا تقل ُمتخلّف اسمع : أنت تعمل وتنتج وانا اعمل وانتج .. بيوتنا نظيفه .. قلوبنا لطيفه ... عيشنا هني وطبعنا غني ... نتوق للاجمل ، ونعمل للأفضل... نرحل كي نُنوع طعام القطيع .. ألا تنوع طعامك أنت.....؟ لا تقل لباسنا متخلّف بل قل مختلف .. لدينا عواطف جيّاشه وعقول نيّره ونختص بعلوم لا تعرفونها انتم ، لقد كان أبي رحمه الله طبيب أعشابٍ، وجدّي كان شاعراً...
لقد وصلنا الطريق العام .. سأشكرك على طريقتي : وأنشدت بيتان من الشعر البدوي، فقال الطيب: لم أفهم شيئاً...
قالت : في المرّة القادمه ، سأقرأ لك ديوان شعرٍ كاملاً باللغة الفصحى ، تفضل إلى مضاربنا وسترى أخي... شكراً أيّها الطيّب.

+++2+++

بعد أيام ، مُنتظراً بفارغ الصبر حملها بسيارته إلى المدينه ، ودَّ لو كانت الطريق تلفُّ الأرض ولا تنتهي فهو في حضرتها - بنت الحكايه والواقع - لقد كان أمام شاعرةٍ مُختلفه وغزالةٍ مختلفه .. وتفكير أصيلٍ منفتحٍ على آفاق العلم والحضاره ، لايرى المتناقض ، يرى المختلف فقط...
قال الطيب: هل ترافقيني في نزهةٍعلى الشاطيء؟
قالت : شرط أن تقفَ أنت في الشارع وتبيع الجبن ...
كانت العينان الصافيتان تراقبان: هل ينزل الطيب من علياء التجارة إلى بائع جبن صغير واقفاً في شارع شعبي، ينادي ويعرض القليل من الجبن...
قبل الطيب الامتحان وباع الجبن وقبلت شيماء الدعوة وعلى الشاطيء الجميل تحدثا ، أحاديث وجدٍ ووجدان .... أحاديث كانت تروى في حكايا الجدات عن التاجر الامير والساحره وفي نهاية المشوار قالت شيماء وهي تشير إلى البحر:
كم أنتما متشابهان.

+++3+++

زار الطيب مضارب شيماء وهناك ذهل لرؤية أخيها وهو خلف عدسة منظارٍ تلسكوبي يراقب النجوم ويسجل اشياءً في دفترٍ خاص.
قالت شيماء : هذا أخي يحمل شهادةً جامعيةً مثلك وهو يحضر الدكتوراه في علم الفلك في باريس ألم اقل لك إنّ الحضارة والاصاله يمكن ان تجتمعان.

+++4+++

كل يوم كان ضياء الطيب ينير سماء شيماء وضياء الحبيبة ينير درباً آخر للطيب ، كانا يقتربان من الاتحاد الروحي اكثر واكثرحتى اتى الصيف ، حيث اختفى الطيب فجأةً .... ابتعد عن جنته والحلم وآثر العيش في فضاء الحكايه وحدها
قال له الطبيب الذي يعالج عينيه: لا فائده أيها الطيب ، العصب البصري في ضمور دائمٍ وشديد .... لا علاج لفقدان البصر تعلم ان تقبل حياتك الجديده ، كثيرون من عباقرة العالم كانو كفيفي البصر

+++5+++

ذبلت شيماء ، تهاوى حلماً دغدغ حياتها ... جفّ الندى عن عينيها ... راودتها كوابيس اليقظة حملت اوراق خضراء من شجرة برتقال جلست تحتها يوماً مع الطيب ورحلت وحين عاد الربيع عادت ، وصارت تسال عن الطيب تاجر البرتقال حتى القت بشاب من قرية الطيب قال لها :
لقد اضحى كفيفاً مقيماً في بيته على طول الوقت ...
بكل ثبات وهدوء حملت صرّة ثيابها وخرجت تسال في قرية الطيب .. عن منزله .. وحين كانت تُسأل: لماذا تسألين عن كفيف ..؟
تقول: حين يناديك الواجب إما تكون إنساناً أو لا تكون.

+++6+++

صار للزوجين الطيب والشيماء اولاداً وحين يُسأل احدهم من انت؟
يقول أنا ابن الطيب وبائعة الجبن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو