الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا علماء الإسلام انقذوا الإسلام بفصله عن الدولة

صالح بوزان

2006 / 2 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أقولها بكل صراحة، إذا أراد علماء الإسلام أن يُحترم الإسلام ويحافظ على قدسيته ودوره الأخلاقي والإنساني وترفعه عن التناقض الاجتماعي والسياسي، وصراع المصالح الطبقية والدولية، فيجب القيام بخطوة جبارة، وهي فصل الدين عن الدولة. لأنه كما يبين تاريخ الإسلام السياسي أن الحكام المسلمين جعلوا الإسلام وسيلة لتحقيق مصالحهم الطبقية وتبرير كل الممارسات الاستبدادية من أجل تأمين وديمومة مصالح الحاشيات الحاكمة. وفي العصر الحاضر أصبح الدين الإسلامي وسيلة لحكام طغاة، يستخدمونه سلاحاً ضد معارضيهم ومن أجل تعزيز قبضتهم على رقاب الشعوب. وقد تعامل اليمين واليسار العربي مع الدين الإسلامي بانتهازية فائقة، فحتى الشيوعيون العلمانيون استخدموه لغاياتهم السياسية. ولم يعلنوا صراحة أنهم إذا حكموا سيقومون بفصل الدين عن الدولة.
وهكذا ظهر الإسلام متعدداً. فكان الإسلام السوفييتي، الذي ظهر فيه رجالات من الدين الإسلامي يدعمون المجتمع السوفييتي العلماني، والإسلام السعودي الذي يدعم النظام الملكي الاستبدادي، وإسلام صدام حسين الذي برر كل تلك الإبادات الهولاكية والقبور الجماعية، وإسلام البعث السوري الذي شكل دولة الاستبداد والفساد، وسخر قسم من أصحاب العمائم ليمتدحون ليلاً نهاراً بحكمة الدولة الأمنية وحالة الطوارئ وأخواتها،غاضّين الطرف عما يعاني منه الشعب السوري.
أتذكر أن حزب البعث الحاكم في سوريا كان يحارب الشيوعيين بالإسلام والإسلاميين بالشيوعية. فكان يدعي العلمانية مع اليسار ويدعي الإسلام بين صفوف الناس البسطاء ورجالات الدين.
واليوم تتكرر صورة أكثر فجاجة لاستغلال الإسلام في الصراع السياسي الداخلي والدولي، ليس الهدف منه تعزيز الإسلام قطعا،ً بل استخدامه لتوظيف الناس البسطاء(إذا كانوا حقاً بسطاء) لتحقيق ما لا يستطيعون تحقيقه بالسياسة الواقعية، أو للهروب من الاستحقاقات الوطنية التي تتطلب تغييرات جوهرية، هم غير قادرين على القيام بها، لا لأنها تتعارض ومصلحة الوطن والشعب كما يدعون، بل لأن تلك التغييرات تتناقض مع مصالح الشرائح الحاكمة التي لا تريد التنازل عن هذه المصالح لصالح الوطن والشعب.
أقول هذا الكلام بمناسبة الضجة التي تثار اليوم حول تلك الصور الكاريكاتورية التي نشرتها بعض الجرائد الغربية، وما تبعتها من مظاهرات أخذت طابعاً همجياً عززت لدى الغرب تصورات عن شعوبنا الإسلامية كنا نسعى جميعاً لاجتثاثها من ذهنية الشعوب الأخرى.
أضم صوتي وموقفي إلى صوت ومواقف كل الذين يعتبرون أن هذه الصور تسيء إلى مقدسات المسلمين، ونشرها غير مقبول، ليس لأنها تمس مشاعرهم فحسب، بل لأنها تخلط المعتقد الديني بالإسلام السياسي. فلو قام أحدهم بالإساءة إلى تمثال بوذا الذي لا نعترف نحن المسلمين به كديانة سماوية، سيعتبر ذلك عمل غير أخلاقي( وللأسف هدمنا تماثيل بوذا في أفغانستان باسم الإسلام ولم نراع مشاعر الملايين من البوذيين في العالم)، لأن الإساءة هنا لا تستهدف التمثال بحد ذاته، بل تستهدف ذلك الشخص الذي يكون هذا التمثال رمزاً مقدساً له.
عندما أرى رجلاً مسيحياً يقف أمام تمثال مريم العذراء ويصلي، تتبادر إلى مخيلتي فوراً مخلفات الديانات الوثنية. ولكن، ولكون هذا الإنسان المسيحي كائن بشري مثلي، ومن خلال هذه الصلاة يطلب الرحمة والمغفرة لنفسه ولغيره ويتعهد بعمل الخير للناس والوقوف ضد الظلم مهما كان نوعه ومن أية جهة أتى، عندئذ لا أستطيع سوى احترام معتقده وكل مكونات هذا المعتقد، بما في ذلك تلك الصلاة التي أعتبرها من مخلفات الوثنية. بل أراه أقدس من ذلك الرجل الدين الإسلامي الذي يبرر سلوك الحكام الطغاة أو يسكت عن مظالمهم.
لو قام المسلمون باحتجاجات سلمية، حيث يتواجدون، وإرسال رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكل منظمات حقوق الإنسان في العالم، وشرحوا فيها أن هذه الصور تمس مشاعر المسلمين، وتسيء إلى حقيقة الإسلام، لوا قاموا بعمل من هذا النوع لكنت، أنا العلماني، بين صفوفهم، ولخرجت معهم في المظاهرات، ووقعت على كل البيانات الاحتجاجية.
لكن ما حدث لم يكن دفاعاً عن الإسلام، بل كان توظيفاً سياسياً لهذه القضية من أجل تحقيق أهداف لا علاقة لها بالإسلام.
لقد ذكر الدكتور أحمد أبو مطر في أحد البرامج التلفزيونية، أن تلك الصور نشرت في أيلول العام المنصرم، والسؤال الذي يطرح نفسه، أين كان عندئذ هؤلاء المسلمون الذين حرقوا سفارة دانيمارك ونرويج في دمشق وبيروت، مع اعتقادي أن الغالبية العظمى الذين خرجوا في المظاهرات لم يشاهدوا تلك الصور أصلاً.
هل سأل علماء الإسلام لدينا أنفسهم، لماذا يعتقد الأوروبيون أن الإسلام يعني الإرهاب؟. أقول الأوروبيين وليس الزعماء والقادة السياسيين. لأن النظرة العامة لدى الأوربي العادي هي كذلك. هل هذا التصور مختلق؟ هل هو مؤامرة؟ أم أن الواقع في البلدان الإسلامية يدعم هذه الفكرة. ما يعرفه الأوروبي عن الإسلام، هو ذلك الإسلام السياسي المسيطر على كل سياسات العالم الإسلامي، هذا العالم المليء بالفقر والتخلف والأوبئة والمجاعة والجريمة والصراعات الطائفية والاثنية الوحشية والنهب الفاقع من قبل الحكام لخيرات بلدانهم وشعوبهم، والقائمة طويلة وطويلة جداً. إنه يقارن بين بابا روما الذي يدعو إلى السلام والمحبة وخير الناس، وابن لادن الذي يبرر إسلاميا ً الجرائم الأكثر وحشية والتي تطال الأبرياء. إنه يجد أولئك الشيوخ المسلمين الفاناتيزم، الذين يقسمون العالم إلى فصطاطين؛ فصطاط الإيمان وفصطاط الكفر، وبالتالي يعطون حقاً إلهياً لفصطاط الإيمان لكي يستبيح فصطاط الكفر. إنه يفتح التلفزيون ليجد أمامه ذلك الجزار الملثم الذي يتلعثم ببعض الآيات القرآنية ويمسك بشعر الرهينة الأوروبية، ويقول عالياً الله أكبر، ومن ثم يقطع فرحاً رأس الرهينة. أو يرى ذلك الذي يحول جسده إلى قنبلة موقوتة ويفجر نفسه بين الناس باسم الإسلام، ليقتل الطفل والشاب والعجوز ويتناثر لحمهم إلى خردة صغيرة تلملم في أكياس صغيرة.
لقد صاغ القادة السياسيون في العالم الاسلامي الإسلام كوسيلة إرهابية لتحقيق أهدافهم، وبالتالي أصبح القسم المسيطر من رجالات الدين على شؤون الإسلام عبارة عن موظفين لدى الحكام الطغاة، ليبرروا أعمالهم ، ويدعموا سراً أو علناً أعمال الزرقاوي وأمثاله.
لقد مرت المسيحية بهذه المرحلة الإسلامية. فعندما أصبحت الكنيسة والدولة شيئاً واحداً، صارت الكنيسة تستطيع أن تقتل، وتوظف الديانة لأهداف سياسية ومادية، وبالتالي تمارس أشنع أنواع الاستبداد تجاه الناس والشعوب غير المسيحية، وفيما بعد في حروبها الطائفية بين الملل المسيحية نفسها. وعندما أقصيت المسيحية عن السياسة، أقصد عندما جرى فصل الدين عن الدولة، أصبحت المسيحية أكثر الديانات تسامحاً ليس في الخطاب الديني فقط، بل كذلك في ممارسات الغالبية العظمى من رجالات الدين المسيحيين. وبالتالي أصبح القس المسيحي يتربى على التعامل الإنساني والأخلاقي مع كافة الناس، بما في ذلك مع الملحد.
عندما انهار جدار برلين وسيطر اللاشيوعيون على الحكم جردوا رئيس ألمانا الشرقية اريش هونيكر من كل شيء بما في ذلك من البيت الذي كان يسكن فيه، وأصبح هذا الشخص بدون مأوى. فآواه قس مسيحي في بيت للكنيسة، رغم أنه كان يدرك أنه يحوي في بيت الله ملحداً لا يؤمن بالأب والابن وروح القدس. لقد كان يؤمن هذا القس أن الخير أقوى من العقاب والثأر.نعم ..ما من فكرة تقرّب الإنسان من الوحشية مثل القناعة المطلقة التي لا تقبل النقاش، فكل الجرائم البشرية بدأت من هنا.
باعتقادي، إذا كان المسلمون الحقيقييون يريدون أن ينقذوا الإسلام من ورطته الراهنة، نعم أقول من ورطته الراهنة، ورطة استغلال الإسلام لأهداف سياسية لا تجسد حقيقته, إذا كانوا يريدون أن يكون هذا الدين رحمة للعالمين، فعليهم أن يسارعوا إلى عقد مؤتمر إسلامي عام، ويعلنوا فيه، هم وليس غيرهم، فصل الدين عن الدولة، ويفتوا بأن من يستخدم الدين لغايات سياسية يريد الإساءة إلى الإسلام.
لا شك أنهم سيتعرضون للاضطهاد من قبل حكام العالم الإسلامي قاطبة، ومن قبل أولئك الشيوخ المسلمين الموظفين لديهم، لأنه عندئذ، أي عندما يتم فصل الدين عن الدولة سيتعرى كل هؤلاء الحكام الطغاة أمام شعوبهم، ولن تعود سجادة الصلاة تفيدهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا


.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني




.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح