الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقطة نظام علي النظام

حمدى عبد العزيز

2017 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



عندما أعلن عن تغيير اسم "أمن الدولة" إلي "الأمن الوطني" اعتبرنا نحن ضحايا "مانتمني دائماً" أن هذا سيصحبه تغيير في المفاهيم

وأن هناك انتقالة ستحدث جوهرها أن الأمن الوطني لم يعد هو " جهاز مباحث أمن الدولة" سئ السمعة الذي كان يرتكز منذ عقود ممتدة علي مفهوم أن أمن الدولة لايعني سوي أمن النظام الذي يمكن اختزاله علي الأرض في أمن الحاكم المطلق وأن حماية أمن الحاكم تعني ضرورة إحكام السيطرة علي كل مايقال وكل ماينشر وقمع كل مايخالف العزف السياسي المنفرد للحاكم ووضع كل المؤسسات الديمقراطية والنقابية والشعبية وأية تجمعات ومايجري فيها من انتخابات أو أنشطة تحت فلتر أمن الدولة الذي كان يتولي أيضاً مهمة إدارة المسألة الطائفية ويضع جميع أطرافها تحت النظر والسيطرة (أندر كونترول)

وهذا طبعاً قد أدي لكوارث عميقة لكل من النظام والشعب ،

حدث ذلك في الحقبة الناصرية التي انتهت بخروج قوي الثورة المضادة من تحت عباءة النظام الناصري نتيجة سياسة تأميم العمل السياسي والديمقراطي ووضعه تحت رحمة عالم التقارير والوشايات القذرة التي تسببت في تراث من الكراهية عند الكثيرين من المصريين لكل ماهو سياسي

وحدث ذلك في ظل الخطوات البهلوانية الساداتية فيما بعد والتي أعلن فيها عن عودة العمل الحزبي تحت سقف الدولة من خلال ثلاثة منابر تحولت إلي ثلاث أحزاب

إلا أن السادات اعتمد سياقاً قمعياً جديداً أسس له بمقولته الشهيرة
(للديمقراطية أنياب وأظافر)

فشهدت مصر أسوء مناخ قمعي وكان طبيعي أن يكون عمود خيمته هو "جهاز مباحث أمن الدولة" الذي لعب لعبة تجهيز قوي الفاشية الدينية ودعم شبابها في الجامعات لضرب الشباب اليساري ومنع أنشطته بالعصي والجنازير

وصاحبت ذلك حملات التكفير المكثفة ضد كافة تيارات اليسار الماركسي والناصري والقومي وحتي اليسار الليبرالي الذي لم يسلم من تلك الحملات التي انطلقت في النصف الأخير من السبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي علي يد تحالف الثورة المضادة الذي احكم قبضته علي الحكم بعد إقرار ورقة أكتوبر
والذي تشكل من كتبة التقارير الإنتهازيين في الإتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب ولصوص القطاع العام والمهربين وتجار المخدرات وبقايا من رموز ماسمي بالإقطاع الزراعي ، الذي كان يحكم قبل ثورة يوليو والإخوان المسلمين، ومشايخ الوهابية وجماعات الفاشية الدينية الذين قدموا إلي مصر عند التقاء مصالح الرأسمالية المصرية بمثيلتها الخليجية في مرحلة البترودولار الوهابية

كان ذلك يتم عبر المساجد والزوايا في خطب الجمعة والدروس المسائية وعبر كل وسائل الإعلام المملوكة للدولة وفي وصلات كاملة خطب الرئيس السادات نفسه وعبر الخطاب اليومي للوزراء ورجال الدولة ومسئولي الوزارات والوحدات المحلية وبشكل ممنهج ويومي يحذر المواطنين من الإستماع لهؤلاء الكفرة الملحدين التابعين للإتحاد السوفيتي والمتمولين منه لتخريب البلد

وهكذا كانت تلك أظافر الديمقراطية
أما أنيابها فقد تمثلت في حملات الإعتقال والقبض علي أصحاب الرأي ومصادرة الكتب والدوريات المخالفة لرأي النظام ، وهذا ماجعل الكثير من المصريون يؤثرون السلامة والعزوف السلبي عن الانخراط في الحياة السياسية والنشاط الديمقراطي العام

وهذا مااستمر بصور وأشكال أخري وأدوات جديدة مبتكرة ومتنوعة في عهد الرئيس المخلوع مبارك

فظل جهاز "مباحث أمن الدولة" محافظاً علي جوهر رسالته الخالدة التي لم تتغير كثيراً بعد تغيير مسمي الجهاز فيما بعد لأسم "الأمن الوطني" وهي تأميم العمل السياسي ووضع جميع تنوعات الأنشطة السياسية والنقابية والثقافية بل والفنية تحت كاميرات المراقبة وأعين البصاصين المعاصرين من أفراد الجهاز وعملائه الذين تم تجنيدهم وزرعهم في كل مكان

تصورنا بعد سقوط مبارك وقيام اندلاعين شعبيين عظيمين في يناير 2011 و يوليو 2013 أن مفهوم الأمن الوطني سيعني حماية أمن كل مايتعلق بحقوق المواطنة
من أمن للأرواح والممتلكات والحريات العامة والشخصية في سياق فهم الحقوق والواجبات التي نص عليها الدستور

وفي سياق اللحظة الراهنة رصده لعصابات الفاشية الدينية المسلحة والعمل علي إحباط مخططاتها وعملياتها الإرهابية قبل أن تحدث وتودي بأرواح الأبرياء في الكنائس والساحات المجاورة لها والأماكن الحساسة ومديريات الأمن والكمائن والمنشآت المتنوعة وخلافه

تصورنا - ونحن دائماً ضحايا لتصورات تنتجها أمنياتنا المستبقة للواقع - أن الفهم سيتغير
وأن الأمن سيعني أمن الوطن والمواطنين أولاً
ولن يعني وضع أمن النظام والحاكم كأولوية مطلقة لايتم تحققها إلا عبر العودة إلي ممارسة عملية تأميم العمل السياسي والديمقراطي واختزاله في مجري معزوفة تأييد الحاكم فقط أيا كان

للدرجة التي اصبح معها الأمن الوطني الآن متحكماً في الغالبية الساحقة وكل ماأمكن له من الفعاليات التي تقيمها المؤسسات والمنتديات والمكتبات العامة وقصور الثقافة ومعارض الكتب والفضائيات المصرية وكل المنابر العامة وأصبح وصياً مباشراً علي كل هذه الفعاليات تعرض عليه أولاً اسماء القائمين بها ويحدد الضيوف المتحدثين

بل امتد الأمر به إلي جانب أجهزة أخري في مراجعة عمليات اختيار المراتب والوظائف القيادية واتخاذ الفيتو لترجيح صعود هذا واستبعاد ذاك من المنصب القيادي الهام داخل مؤسسة ما أو هيئة ما أو شركة ما من الهيئات التابعة للدولة
يستبعد منهم من يستبعد ويوافق علي من يوافق بمعيارية وحيدة هي مدي التوافق مع المعزوفة السياسية المؤيدة للحاكم من عدمه
إضافة إلي تلك التكنيكات الجديدة التي أضافها حكم الإخوان المسلمون والمتعلقة بإنشاء وتشكيل اللجان الألكترونية الداعمة لمعزوفة التأييد وهو ماورثته عنهم أجهزة الأمن الوطني وعملت علي تطويره ليتواكب مع العقيدة الأساسية لمثل تلك الأجهزة
وهي
اختزال أمن الوطن والدولة في العمل علي تحديد مجري وحيد للحياة السياسية هو مجري معروفة التأييد العام (عمال علي بطال)
لأنه هو الفهم الوحيد لديهم للعمل الوطني المخلص
ولأن المعارضة
أية معارضة
هي مشبوهة وهي خطر علي النظام
بل أن أي عمل ديمقراطي مستقل حتي ولو كان ندوة ثقافية محدودة لاينبعي أن يكون مستقلاً
ينبغي أن يكون تحت الكنترول

وللأسف
لم يتعلموا من الدروس الماضية
ولم يستوعبوا حقيقة أن تأميم العمل السياسي والديمقراطي قد أدي إلي قتل الحياة السياسية

وأن ذلك ماقادنا إلي كارثة هيمنة العصابات الفاشية الدينية علي مناحي الحياة العامة لأنها لاتعيش إلا في مثل هذه الظروف

وهذا هو المسئول الأول عن عدم تجدد المجري الديمقراطي العام للحياة السياسية والثقافية والنقابية فتظل علي مجراها الضحل الغير مواتي للإبداع والحيوية السياسية وانتاج الكوادر والنخب العلمية والإدارية والثقافية والسياسية والنقابية

وموات السياسة لن يهدد العمل الديمقراطي فقط
وإنما سيهدد في النهاية النظام وسيعرضه للفساد والتحلل الداخلي كما سبق في كل العهود والأنظمة المصرية السابقة حتي وإن راهن علي السير في طريق السلطوية والإستبداد علي نحو أشد ولن يحصنه ضد انفجارات عفوية يركب موجاتها من يركب
بما يهدد سلامة الدولة نفسها
وخاصة في ظل ظروف إقليمية ودولية كالتي تعيشها الدولة المصرية والتي لايتوقع أن تتحسن قريباً في ظل عالم كالذي نعيش

(ملحوظة :
كتبت هذا المقال ورزقي علي الله
تعبيراً عن شخصي وليس تعبيراً عن أحد
ومن واقع ماأري وألمس شخصياً
خالصاً لوجه الوطن وملاكه وساكنيه من أبناء الشعب
ولم يدر في ذهني إطلاقاً كتابة أي نوع من أنواع المكايدة أو الإسقاط أو الهجاء لشخص أو لمجموعة ما أو لهيئة أو جهاز أو مؤسسة ما
لم أكتب سوي ماكتبت
ولم أعن سوي ماعنيت )

_____________
حمدى عبد العزيز
18 يوليو 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل