الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنكار أم مُكابرة ؟!

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2017 / 8 / 16
كتابات ساخرة


إنكار أم مُكابرة ؟!
في العادة لا تُحبّذُ زوجتي أن أشتري شيئا، حتّى ملابسي، لأنها تعتبرني ساذجاً، يخدعني أيُّ بائع بكلماته المعسولة ...!! وهي في هذا صادقة (مليون بالمية )، فثقتي وتصديقي للآخرين ودون استثناء، كلفتني ما هو أكثر من النقود . وما زِلنا ننفجر ضاحكين على " خداع" تعرضتُ إليه أثناء زيارتنا لأنطاليا التركية ذات سنة ماضية.. كُنّا نتجول في السوق ، وشاهدت زوجتي مناديل اعجبتها ، فدخلنا الى الحانوت ووجدنا رجلا مُلتحيا يقرأُ القرآن.. بادرتُه سائلاً: هل تُجيد العربية ؟!! كان يتكلم الُفصحى وبعد تبادل المجاملات ، سألته زوجتي : كم ثمن هذا المنديل ؟ فنطق برقم كبير ، وبدأت زوجتي بالمساومة ...ولم ترغب بالشراء ... فتوجه إلّي قائلا : أنتَ رجلٌ طيب، أما زوجتك فهي تاجرة..!! وهنا ركبتُ رأسي وفرضت على زوجتي أن تشتري ما تُريد من عند هذا الرجل "ألطيب" ..!! أكملنا تجوالنا في السوق ، ليتضح لي بأننا دفعنا عشرة أضعاف السعر في الحوانيت الأُخرى ...!! وها أنا أعترف بسذاجتي ولا أُنكرها .. ومنذ ذلك التاريخ لا تطلبُ زوجتي مني أن أشتري شيئا، إلّا المنتوجات المُسعرّة بتسعيرة "حكومية" ثابتة لا تلاعب فيها على الأغلب .. أو أشياء صغيرة لا مجال فيها لخسارة كبيرة. هههههه..
اتصلتُ بالبيت وأخبرتُ زوجتي بأنني في الطريق ، فهل تريد شيئا؟؟ أحضر لنا نصف كيلو بندورة ونصف كيلو خيار، طلبت منَي.. ليس أكثر !! وعندما أخرج سأقوم بمشتريات البيت ..هكذا أكدت لي ..!! فلو "غشني " البائع، فما هي إلّا بضع حبات من البندورة والخيار ..
عند دخولي الى الحانوت شاهدته خارجا منها، بالكاد تعرفتُ عليه ، رغم علاقة متينة ربطتنا قبل أعوام ، فقد كُنّا عضوين مركزيين في لجنة أولياء الأمور المركزية، لمدارس المدينة القريبة من مكان سكني في القرية الصغيرة.. كان شعر رأسه قد تساقط كليا ، وجهه شاحب ومشيته مترنحة !!
- مرحبا.. سلامتك .. ماذا جرى ؟ عرفتُ أنه مريض بالسرطان ويتلقى علاجا كيميائيا من مظهره الخارجي ..
-لا ... لستُ مريضا البتة ، إنما قررتُ فقط ، أن أحلق شعر رأسي" على الصفر " ..!!
تبادلنا التحية وافترقنا ... وتمنيتُ له الشفاء في سرّي.
احترتُ في أمره ، فمرضه ظاهر للعيان ، وحالته لا تسرُّ عدوا ولا صديقا .. ومع ذلك ما زال يُكابر ويدعي بأنه في تمام الصحة والعافية...
كان هذا اللقاء قبل ثلاثة أشهر ، وقبل يومين نادى المنادي عبر ميكروفون الجامع بأن فلانا قد انتقل الى الرفيق الأعلى... له الرحمة ولذويه الصبر والسلوان .. هل كانت مكابرة فقط ، أم انكار؟! لا أعلم...
لكنني أُتابع كل يوم حالة الإنكار الجمعية التي يمارسها العرب والمسلمون من على كل منبر ... ولا أقصد أولئك المنتفعين من التجارة بالأمجاد الماضية ..
بل أقصد كل تلك المجموعات الكبيرة ، التي تُنكر أن الأُمتين العربية والإسلامية في الحضيض .. لا بل ترى بأن كل التقدم التكنولوجي ، الحضاري والإنساني ما هو الّا زيف .. ونحن فقط ارباب التقدم والحضارة ..
والإنكار هو وسيلة دفاعية نفسية ، تجعل الفرد "مُصمماً" على عدم رؤية الواقع الصعب ، بل ،النظر اليه بألوان وردية زاهية..
فهنيئا للعرب والمسلمين الذين يعيشون أزهى عصورهم الوردية في القرن الحادي والعشرين .. فلولا الإنكار لانتحروا جميعا.
ولكل من سأل عني أو لاحظ غيابي طيلة أسبوعين ، له الشكر الجزيل وللعزيز نضال الربضي الذي تواصل معي ، خالص مودتي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصديق
محمد البدري ( 2017 / 8 / 17 - 00:01 )
لا يوجد شئ اسمه الامة العربية فهناك شعوب ذات اصول واعراق وتواريخ وحضارات مختلفة ومتباينة تتكلم لهجات متعددة تسمي بالعربية. هذه الشعوب يعود انحطاطها الي الثقافة العربية والاسلام


2 - الحل من الأعلى
نضال الربضي ( 2017 / 8 / 17 - 09:14 )
أجمل التحيات الصباحية يا صديقي!

التعويل على تحوُّل في الوعي الجماعي، حُلم بل قل هو كابوس.

الحل ببساطة شديدة: ظهور طبقة من المستنيرين فكريا ً بين رجال الاقتصاد و السياسة، تعمل من خلال أُطر قانونية مجتمعية على ممارسات عملية، تفيدها بالدرجة الأولى، و لا بأس من ذلك، و تقود نحو العلمانية،،،

،،، لاحظ أنني قلت: تفيدها بالدرجة الأولى، و لا بأس، بل أرحب بهذا حيث أن هذه الفائدة جوانبها جميعا ً إيجابية من حيث أن المنفعة ستعم الشعب بالضرورة و ترتقي بوعيه و تفتح أمامه أبواب الخيارات و تزيل القيود عن الممكنات و تحرر الإبداع و الإنتاج، و هو المطلوب.

لكن مصلحة رجال الأعمال و السياسين اليوم ما زالت في الاستثمار في الموروث و السائد و العاطفي، خصوصا ً إذا ما نظرنا إلى التكلفة الكارثية لاغتيال شخصية رجل الأعمال أو السياسي، و ما تستتبعه من انخفاض أو إفلاس اقتصادي لمن يمشي عكس التيار مُعلنا ً مُجاهراً، و بالتالي لن تجد العلمانية لها طريقا ً لبلداننا على الإطلاق.

مُعضلة صعبة أشبه بالمستحيل، لكني لا أقول: مستحيلة، فأنا لا أعترف بهذه الكلمة أبداً!

مودتي الخالصة!


3 - العزيز محمد البدري تحية
قاسم حسن محاجنة ( 2017 / 8 / 17 - 15:56 )
شكرا على التعقيب
ويمك سعيد


4 - العزيز نضال الغالي
قاسم حسن محاجنة ( 2017 / 8 / 17 - 15:57 )
تحيات مباركات
شكرا على الاضافة ودائما لك وجهة نظر معتبرة
احيي فيك روح التفاؤل
دمت بود


5 - الاخ قاسم حسن محاجنة المحترم
وليد يوسف عطو ( 2017 / 8 / 17 - 19:03 )
مقال جميل وموضوعي ..

من مشكلات الفرد العربي الانانية وتضخم الانا والتفرد بالراي وامراض نفسية كثيرة ..

اقترح تطبيق انظمة تربية وتعليم واعلام جديدة في جامعاتنا ومؤسساتنا .

سلامي من خلالك للزميل والاخ نضال الربضي ..

نلتقيكم على خير دوما ..


6 - الخوف هو السبب
ليندا كبرييل ( 2017 / 8 / 17 - 20:07 )
الأستاذ قاسم حسن محاجنة المحترم

المعذرة لم ألاحظ غيابك فقد كنت غائبة أنا أيضا
سلامتك أخانا الكريم

معليش أستاذ لست محللة نفسية ولا متخصصة، لكني أعتقد أن الخوف من المرض يدفع الإنسان إلى الإنكار خشية أن يقترب منه الموت لو اعترف به
أو أنه ينكره كيلا يرى نظرات الشفقة والرثاء في عيون الآخرين
كنت في جمعة نسائية، كانت إحداهن تحدثنا عن سيدة مصابة بسرطان الثدي وأخذت تشير إلى صدرها وهي تشرح عما استؤصِل من المريضة، فزعت سيدة من الحضور وصرخت في وجهها : لا تشيري إلى صدرك بعيد عنك
الإنسان ضعيف والخوف مرض العصر

وأما المتاجرون بالعقل العربي فهم يخشون من الحداثة التي ستقضي على كل منجزاتهم الوهمية، ويخافون من الانخراط في المجتمع الدولي لأنهم يفتقرون بشدة إلى الوسائل التي تعينهم على الانطلاق

تحياتي للحضور الكريم
احترامي


7 - الزميل وليد يوسف عطو
قاسم حسن محاجنة ( 2017 / 8 / 18 - 05:01 )
صباح الخير
الشكر الجزيل على الاضافة
وسعيد بحضورك
يومك سعيد


8 - الزميل وليد يوسف عطو
قاسم حسن محاجنة ( 2017 / 8 / 18 - 05:02 )
صباح الخير
الشكر الجزيل على الاضافة
وسعيد بحضورك
يومك سعيد


9 - العزيزة ليندا
قاسم حسن محاجنة ( 2017 / 8 / 18 - 05:04 )
صباح الخير (حسب توقيت بلادنا)ههههه
شكرا لك على التعقيب
نعم ما زالت مجتمعنا يتحاشى ذكر المرض وتحديدا السرطان ..
يومك سعيد

اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث