الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- وجهة الوعي العقلاني الليبرالي في مرحلة ما بعد الحداثة - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة الحادية عشر- الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 8 / 17
مقابلات و حوارات



" وجهة الوعي العقلاني الليبرالي في مرحلة ما بعد الحداثة " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة الحادية عشر- الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg

11ـــ ما وجهة الوعي العقلاني الليبرالي في مرحلة ما بعد الحداثة، زمن الكوارث الاقتصادية، الكوارث الأخلاقية من مخلفات الحروب؟

خديجة زتيلـي:

أعادت مرحلة ما بعد الحداثة النظر في المفاهيم وفي فضاءها الاصطلاحي وحاولتْ الخروج من أسْر القواعد القديمة والثنائيات الشائعة، وفي مُحاولة للتحرّي عن آفاق فكريّة جديدة دشّن نصّ فرانسوا ليوتار Jean-François Lyotard الذي صدر عام 1979 المعنون ((الوضع ما بعد الحداثي)) مرحلة نقديّة جديدة في التاريخ الفلسفي المعاصر، وقد سبقه في عام 1971 نصّ آخر له يحمل عنوان ((الاقتصاد الشهوانيّ/الشبقي)) وكان بمثابة إرهاص لحركة ما بعد الحداثة كما يذهب إليه بعض النُقّاد. اشتغل نصّ ليوتار الوضع ما بعد الحداثي على نقد مرحلة الحداثة والتشكيك في سردياتها الكبرى المألوفة حول الحريّة والعدالة والعقلانيّة والتقدّم، فأعلن بكلّ ثقة عن فشل مشروعها وإفلاسه وعن تخلّي الأنوار عن وعودها التي أطلقتها، فما آلت إليه البشريّة من كوارث وهزائم وحروب وأنظمة شموليّة أطفأ لديه الإيمان بمبادئها التي طالما تشدّق الناس بها، وهو الموقف الذي انْخرط يورغن هابرماس ابتداء من عام 1988 في مُناقشته والتأمّل في مضامينه مُقترحا بشأنه صيغا أخرى بديلة عن آراء ليوتار ومن حذا حذوه، والتي وجدها هابرماس متطرّفة ومبالغ فيها.

ففي كتابه الموسوم ((القول الفلسفي للحداثة)) Le Discours philosophique de la modernité ّ أقرّ هابرماس أنّ الحداثة تمرّ اليوم بأزمات خطيرة لا شكّ في ذلك ولا يمكن نُكرانها، ولكن من غير المجدي إدانتها جذريّا والتنكّر لمنجزاتها السابقة جُملة وتفصيلا، وفوق ذلك بالإمكان استدراك مزالقها وأخطائها فراح هابرماس يكرّس موقفه التجديدي في نظريّته عن العقل النقدي التواصلي مؤسّسا بذلك لفلسفة نقديّة جديدة تقترح أن يتحولّ العقل فيها من العقل الأداتي إلى العقل التواصلي ، من مفهومه الضيّق الذي يسعى إلى الربط بين الذات والمعرفة ربطا آليا مباشرا إلى مفهومه الإنساني الذي يعتني بالتواصل وبالعلاقات بين الذوات في العالم، في جوّ ديمقراطي وإنساني مسؤول بغضّ النظر عن مذاهب الناس واختلافاتهم. وهكذا يكون هابرماس، بمشروعه ذاك، قد خالف رأي الجيل الأوّل من فلاسفة مدرسة فرانكفورت الذين سبقوه إلى نقد قيّم الحداثة والتنوير كـأدورنو وهوركايهمر في كتابهما ((المشترك جدل التنوير))، وهوركايهمر في كتابه ((أفول العقل))، وماركوز في كتابه ((الإنسان ذو البعد الواحد))، الذين كانوا قد أعلنوا جميعهم عن فشل العقلانيّة الذريع وإفلاس التنوير وانسداد أفق الحداثة، فما كان من هابرماس إلاّ التأكيد من بعدهم أنّ نظريّة العقل التواصلي بإمكانها استدراك أخطاء العقل الأداتي وربط العلاقات بين الناس وتحقيق التفاهم فيما بينهم متى تمّ السعي الحثيث إلى ذلك، وبمقدورها أيضا تحويل العلم والتقنية إلى وسيلة لخدمة الانسان وليس إلى وسيلة ضدّه، فبذل أن تسيطر التقنية على الإنسان بات من الأهميّة بمكان أن يسيطر هذا الأخير عليها! فهل تحقّق هذا المبتغى؟

ترتكز الليبيرالية في الفكر الغربي كتنظير على فلسفة الإنجليزي جون لوك John Locke ( 1632-1704) فهو الأب الحقيقي والشرعي للفكرة، وإذا كان لوك يمثّل وجهها السياسي، من خلال نصوصه، فإنّ آدم سميث (1723-1790) Adam Smith يُمثّل وجهها الاقتصادي من خلال كتابه ثروة الأمم، وتقترن الليبراليّة بوجه عام بفكرة الحريّة والفرديّة وامتلاك الانسان لزمام أموره، وبنبذ أيّ سلطة بإمكانها التحكّم في رقاب الناس مهما كانت طبيعتها. ولكن هل بقي المفهوم يحمل نفس المضامين في عصر الليبرالية الجديدة، وهل صارت التقنية في عصر العولمة وفي مرحلة ما بعد الحداثة حليفة للإنسان، أم أنّها انحرفت عن مساراتها المنشودة ودمّرتهُ وتحكّمتْ برقاب الناس إلى حدّ القتل والتنكيل والإبادة بمختلف الأسلحة؟

لقد استاء إدغار موران وجان بودريارد في كتابهما المشترك ((عنف العالم)) استياءا بالغا من فظاعات التقنيّة ومن انفلاتها الذي أصبح يهدّد الإنسانيّة في وجودها على هذه الأرض، وقد عبّرا عن موقفهما في النصّ الوارد في (ص 84) من النسخة العربيّة للكتاب التي صدرت في عام 2005 بقولهما: «إذا كان التقدّم العلمي التقني، والطبي، والاجتماعي مُذهلا، فإنّه لا يجب التقليل من قيمة السلطة المريعة المدمّرة والتي تجد تحت تصرّفها العلم والتقنية. إنّها للمرّة الأولى في التاريخ الإنساني حيث ثمّة إمكانيّة القضاء نهائياً على الإنسانيّة. كما أنّ الحياة على كوكبنا هي أيضا مُهدّدة بالفساد: هذه الأخطار هي ثمرة تقدّمنا. فالتطوّر ذو النموذج الغربي يجهل بأنّ هذا النموذج يحتوي على مساوئ، حيث أنّ رفاهيته تعمّم البؤس، وفردانيته تحتوي على الأنانية والعزلة وتفتّحه المديني يولّد القلق والملل، وقوّته المنفلتة تؤدي إلى الموت النووي. ماذا يعني ذلك؟ ينبغي عدم الاستمرار في هذا الطريق وعدم التدليل إلى هذا الطريق الذي سلكناه: يجب تغيير الطريق«.

وفي حقيقة الأمر فإنّ تغيير الطريق أصبح ديدن الإنسانيّة والضمائر الحية في العالم من خلال السعي إلى إنهاء الحروب البشعة، والتصدّي للتهديدات القاتلة التي تتربصّ بكوكبنا أملا في تحقيق مواطنة عالميّة إنسانيّة تعي جيّدا وعميقا ضرورة العيش المشترك. لقد قادت التقنية والاستخدام غير العقلاني للعلم والإفراط في الثقة بالنفس إلى إنتاج الأسلحة النوويّة والكيمياويّة والبيولوجيّة وأسلحة الدمار الشامل، فاشتعلت الحروب في كل مكان وهلك الإنسان ومحيطه الحيوي، وصارت أشكال التطور الواقعة في العلوم والتقنيات والصناعة والاقتصاد، وهي المحرك اليوم للمركبة الفضائية الأرض، على حد تعبير موران، لا يحكمها شيء من سياسة ولا أخلاق ولا فكر فأطلقَ الرجل صرخة مدويّة مستغيثة، جرّاء هذا الوضع المأساوي، في كتابه ((هل نسير إلى الهاويّة؟)) فهل يحملنا الوعي الليبرالي الجديد في عصر العولمة ومرحلة ما بعد الحداثة إلى الكارثة، أو أنّه قد حملنا إليها وفوّتنا على أنفسنا فرصة النجاة؟

قبل عامين كتبتُ مقالا بعنوان: فلسفة جان جاك روسو وصداها في التأسيس لأخلاقيات العلم والتكنولوجيا في الكتاب الجماعي الذي أشرفتُ عليه وكتبتُ مقدّمته، والموسوم بــ ((الأخلاقيات التطبيقيّة: جدل القيم والسياقات الراهنة للعلم))، وقد أثرتُ في المقال قضيّة كون السؤال الفلسفي حول جدوى تطـوّر العلـوم والمعارف وانعكاسات كلّ ذلك على حياة الإنسان الاجتماعيّة والأخلاقيّة منها، على وجه الخصوص، قد استبـق القرن العشرين وقرننا الحالي بكثير حين جاء في سياقات تاريخية وفكريّة مختلفـة، وكان أبرز من تناول تلك المعضلـة بالتحليل والنقاش في العصـر الحديث، الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1778-1712) Jean- Jacques Rousseau في نصّه الشهيـر: ((مقـال في العلـوم والفنـون)) عام 1750 Discours sur les sciences et les arts. ويعدّ ((مقال في العلوم والفنون)) لروسو، من وجهة نظري، من أهمّ النصوص المرجعيّة أو المؤَسِّسَة للنقد المعاصر للعلوم بوصفـه تطرّقَ، منذ أكثر ما يزيد عن القرنين ونصف القرن من الزمن، إلى ما تنبـري الفلسفة المعاصرة اليوم لمناقشته تحت مسمّـى أخلاقيّات العلم والتقنيّة؟ وأنّنا بإزاء نصّ مبتكـر جريء مضادّ لما كان يُعبّـرُ عن الذوق العام السائد، فسوف لن ينصاع روسو إلى القيم التي كانت سائدة في القرن الثامن عشر وسيتمرّد على التقاليد الفلسفيّة التي كانت ذائعة الصيت.


انتظرونا وسؤال أكاديميّة ديجون هل ساهم تقدّم العلوم والفنون في إفساد الأخلاق أم في تطهيرهـا؟ في الحلقة الحادية عشر - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي