الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والفلتان

ناجح شاهين

2017 / 8 / 20
القضية الفلسطينية


الحرية والفلتان

ناجح شاهين
نحن في مناطق السلطة الفلسطينية نتمتع بالحرية أكثر من أية مجموعة بشرية أخرى. بالطبع يجب أن نستثني أموراً من قبيل الاحتلال وما يتصل المقاومة. بالتأكيد المقاومة المسلحة ليست أمراً يمكن التساهل معه من جانب الاحتلال أو سلطة الضفة أو سلطة غزة.
لكن فيما عدا ذلك لا يستطيع الأمريكي أو الياباني أو الفرنسي أن يحلم بما نتمتع به: في الواقع أن بإمكان المواطن في رام الله أو نابلس أو الخليل أن يفعل أي شيء يخطر بباله مع تجنب الاستثناء أعلاه.
يستطيع صاحب البقالة أو محل الأحذية أن يضع سلماً أمام محله وسط المدينة ويحتل المكان ويمنع الاخرين من إيقاف مركباتهم أو حتى من المشي بحرية. وبعد أن يقفل محله في المساء يمكن له أن يلقي بالنفايات في الشارع نفسه مبعداً إياها عن باب محله قليلاً فيشوه الطريق، ويضايق المارة من سيارات ومشاة.
يمكن لمن يقود مركبته نهاراً جهاراً أن يعاكس اتجاه السير وأن يمشي والإشارة حمراء. وهو أمر عادي تماماً وسائغ نفسياً لدى الجميع. في إحدى المرات قال لي أحدهم لأني أطلقت منبه السيارة بشكل متصل احتجاجاً: "انت ليش معصب؟" فقلت له إنه يعرض حياتنا للخطر بقطع الاشارة الحمراء. فقال: "كل الناس بتقطعها بس انت بدك تعمل حنبلي." وفي مرة أخرى شكوت الأمر ذاته لشرطي كان يقف ليراقب الحركة عند تقاطع رام الله القديمة فقال لي: "عادي يا زلمة الدنيا أزمة." هل رأيتم؟! لا يوجد قانون ولا ردع، لأن الشرطي الموكل بتطبيق القانون لا يعتقد بأن من الواجب حمايته.
يمكن للطبيب أن يقصر، أو يتسبب بطريقة أو بأخرى في موت المرضى، وفي هذه الحالة لا يلحق بالطبيب أي أذى أو عقوبة اللهم إن كان المريض/الضحية من عشيرة أو فصيل متنفذ فيهجم "ربعه" على المشفى ويمارسون حريتهم في تحطيم جانب من محتوياته والاعتداء على طاقمه بمقدار أو بآخر.
أذكر كنا في الولايات المتحدة داخل حافلة، وكانت ابنتي الصغيرة تمضغ العلكة. اشتبه الأمر على السائق الذي توهم أنها تأكل، فنظر إلي بصرامة تامة وأشار إلى جملة مكتوبة على جدار الباص: "يمنع التدخين وتناول المأكولات والمشروبات. إنه القانون."
إنه القانون الذي لا يسمح بمخالفته بسهولة أبداً.
يمكن لجاري في نابلس ورام الله أن يلقي بأية أشياء لا يريد الاحتفاظ بها من طابقه إلى فناء بيتي أو الى الشارع نفسه، إنه حر، ولو تطوع أحد من الجيران وقال له إنه يشوه الشارع أو يلوث البيئة أو أي شيء من ذلك القبيل، فإن الرد السريع الغاضب الانفعالي الجاهز هو: "إنت شو دخلك؟" أو "شو اللي حشر دين أهلك في؟" بالطبع فقط إن كنت قادراً أو مستعداً أو عاشقاً للعراك يمكن لك أن تتدخل فيما يفعل الناس، خصوصاً أنك تعرف أن أحداً لن يقوم بعاقبة الفاعل، وغالباً سوف يوجه اللوم لمن حشر نفسه في أفعال الناس الحرة.
نحن نعيش حالة فلتان وفوضى: الكل ضد الكل/ وعلى المستويات كلها، وصولاً للقتل خارج القانون، والنصب والاحتيال والسرقات. نعيش حرب الكل ضد الكل بالشكل الذي وصف به هوبز المجتمع الطبيعي الذي يسبق الدولة.
جاءت الدولة لتقنن الأوضاع، خصوصاً الدولة الرأسمالية التي تضع لنفسها مهمة واحدة لا غير، هي حماية البلد من الاعتداء الخارجي، ومنع الآفراد من الاعتداء على مساحة غيرهم ولو قيد أنملة. وهذا يعني الحرية التامة للفرد في فعل كل شيء ما دام لا يمس مباشرة حدود الآخرين.
نحن نظام حر مثل الرأسمالية، ولكنه منفلت من كل عقال، بما يجعله ينتمي الى حقبة تاريخية قبل الرأسمالية بل قبل القرون الوسطى التي كان فيها دولة قوية في أحيان كثيرة.
لكن السؤال الذي يطل برأسه مهم بالفعل: "ترى ما هي الفوائد التي تجنيها "الدولة" الفلسطينية من موقف الفرجة الذي تمارسه تجاه "الحرية الهوبزية" التي نعيشها جميعاً من الخليل إلى جنين؟"
لم أفكر في السؤال بما يكفي لكي أتلمس معالم الإجابة، ولكنه فيما أحسب موضوع يستحق التفسير بالفعل خصوصاً عندما نقارن الفلتان في مستوى الحياة اليومية في مقابل الانضباط الصارم والفعال فيما يخص المواضيع الأمنية ذات البعد السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة