الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدين ومصير الإنسان ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 8 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد يقول سائل ولكن فرض الدين بهذه الشكلية يفسد النظام الطبيعي الذي يحرص الإنسان على العيش فيه ككائن مجعول أصلا أن يكون طبيعيا؟ الجواب سيكون بالطبع النتيجة مغلوطة بالأفتراض هذا لو علمنا أصلا أن الدين ما جاء إلا نتيجة لجهود الإنسان ذاته لإفساد النظام الكوني والعودة به إلى التوافق الأساسي، فلولا أنحراف الإنسان عن السوية التي خلق بها لم يكن للدين أي دور في حياته، مثلا من يقرأ وعلى سبيل المثال قصة آدم أبو البشرية ويتدبرها سيجد أن الخطيئة التي وقع بها وإن كانت أجلا أو عاجلا ستحدث لأرتباطها أساسا بعلة التكوين سيجد أن ما نتج من تلك المعصية قادت إلى سلسلة من الأخطاء البشرية والإنسانية نتيجة التجربة الحياتية، وهنا كان لا بد للدين من حضور أولا لتنبيه الإنسان أنه بدأ ينحرف كثيرا عن الخارطة الأفتراضية لوجوده، وثانيا تقديم معالجات لهذا الأنحراف تكبح تمرده أولا وتعيد للوعي الإنساني قيمته.
فالدين أذا يتحدد دوره بوجود الإنسان متدخلا وفاعلا في أنتهاك النظام الكوني أو التمرد عليه، بما يعني أن الدين لم يأت فرضا لتغيير معادلات محترمة ومتوفرة على ما يحميها من العبث، هذا التدخل الفوقي مرتبط بالتدخل البشري ونتيجة له، فلا نتصور مثلا أن الله يبعث للملائكة دين أو يبعث لعالم الحيوانات دين، لأن كل منهما قد حافظ على شكلية الجعل الأول بسبب أن مجتمع الملائكة مجتمع محكوم بالطاعة المطلقة ومأمور بها، أما المجتمع الحيواني محوم بكونيته الغريزية فلا يستخدم العقل ولا يتمرد عليه إن كان موجودا، في العالم البشري هناك ما يثير إلى التمرد ويدعو إليه فهو غير محكوم بالطاعة المطلقة ولا أسير الغرائزية التي لا تنثصاع للعقل، هنا الدين هو من يعمل أطفائي حاضر لمعالجة كل الأشتعالات الغير متوقعة لا في الحال ولا في الزمن.
من خلال كلما تقدم يتضح أن الإنسان هو صانع المعرفة وصانع العلم كما يصنع السياسة والفن والأدب وينتجها، وكل هذه المعارف والعقليات لا يمكن أن تكون بلا ثمن أو بلا أثر على وجوده، فهي بالأخر تعمل دور المرشد الضابط كما يفعل الدين تماما، العلم صحيح أنه يفتح الأبواب أمام الأسئلة المحيرة ومن خلاله تم تيسير كثيرا من النقاط العسرة في حياة الإنسان، ولكنه أيضا فرض الكثير من القيود والألتزامات المتقابلة، حتى الجمال كفلسفة معرفية عندما أتقنها البشر ساهمت في أعادة صياغة الذوق الذاتي والجمعي وفرقت بين الكثير من المفاهيم والصوريات لتنبئ الإنسان أن الجمال الأعظم هو أن تمنح بوجودك للعالم الحولي قيمة من قيم الجمال التي تؤمن بها، الدين هكذا عندما تؤمن به على أنه مساهمة معرفية لضبط حركة فوضى العالم عليك أن تقبل بشروطه والتي كما قلنا سابقا هي صيانة للوجودية الطبيعية.
فلا إشكالية للدين مع الإنسان ولا إشكالية للمعرفة مع الإنسان، ولكن الإشكالية الجوهرية هي حين يفشل الإنسان في ترتيب عالمه الطبيعي، ويفشل في تفسير لماذا يجب أن يكون الوجود متحركا للأمام ومتطورا دون أن يخرج هذا التطور والتجديد عن خط سيره الأساس، حتى في فهمه للحرية يرى البعض أن وجود الحرية في حياة الكائن الإنساني ليست فقط ضرورية ولكنه لازمة وجودية، وبالتالي منح هذه اللازمة حدودا مفتوحة دون رابط أو ضابط هو تفعيل لها، ونسي أيضا أنه ليس الكائن الوحيد في الوجود وبالتالي يكون من حقه أن يطلقها لعنانها، لأن الأخر له حق مساو ومواز له، وعند أصطدام الحقوق مع بعضها لا بد من منظم وحكم وحيادي خارجي يفصل في القضية.
إذا أشكالية الإنسان إشكالية طبيعية لا بسبب خارجي عنه ولا تتعلق جوهريا بوجود خارجي عنه، هذا الكلام يقودنا أن توصيف الدين وحتى أي معرفة أخرى على أنها تعارض حقيقي ما بين وجوده وبين ما تسببه المعرفة هو قول يجانب الحقيقة في الكثير من جوانبه، وعليه أن يقر الإنسان أنه طالما رضي أن يكون عاقلا ومتمتع بالقوة الحسية الذاتية فأنه سيكون عرضة لكل شيء يمر به، وهنا أذكر المقولة التأريخية (أنا أفكر إذا أنا موجود) وأعيد صياغتها في ضوء الكلام السابق (أنا في مواجهة مع الواقع طالما أنني أملك قوة العقل والحس)، فالتفكير وحده غير كاف لإثبات الوجود بل يحتاج إلى تفسير علة لماذا أفكر، وعليه أن يتذكر أنه كائن جدلي يعني كائن يتحسس الوجود ويحاول التمرد عليه، لأنه يبحث عن سر خلوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24