الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تأويل الظاهرة الارهابية

عبد الحسين شعبان

2017 / 8 / 30
الارهاب, الحرب والسلام



عدتُ لأرشيفي بعد حوادث الإرهاب الخمسة التي حصلت خلال أسبوع واحد في عدد من المدن الأوروبية، وهي برشلونة الإسبانية، وتوركو الفنلندية، ومرسيليا الفرنسية، ولندن العاصمة البريطانية، وفي بروكسل العاصمة البلجيكية، (17 و19 و21 و25 أغسطس/ آب الجاري)، منقّباً عن إشكالية الظاهرة، وتفسيراتها، وتأويلاتها، خصوصاً بعد أن اجتاحت العالم بفعل العولمة إلى حدود لا يمكن حصرها، وتعدّدت أساليبها إلى الدرجة التي لا يمكن حسابها، فحسب أحد التقارير الدولية بلغ عدد الحوادث الإرهابية 13400 حادثة، في العام 2016 ، راح ضحيتها 34 ألف إنسان.
صحيح أنّ الإرهاب ظاهرة دولية، وهي ليست جديدة، بل إنها وُضعت على طاولة البحث والتشريح في الأمم المتحدة، وقبل ذلك في عصبة الأمم، وانشغل به المجتمع الدولي كلّه. ولم يعد كافياً، منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية التي حصلت في الولايات المتحدة وهزّت العالم، الحديث عن صدور بعض القرارات الدولية، التي تعالج قطاعياً وجزئياً بعض مظاهر الإرهاب، وإنّما استجدّت الحاجة الملحّة والماسّة إلى بحث شامل للظاهرة بأبعادها، ودلالاتها المختلفة، خصوصاً بوضع تعريف محدّد لها، لكن مثل هذا التعريف ظل غائباً بسبب تعارض المصالح الدولية والتفسيرات والتأويلات الخاصة به، لا سيّما من جانب القوى المتنفّذة في العلاقات الدولية.
وكانت الأمم المتحدة منذ العام 1963 أصدرت نحو 20 اتفاقية وإعلاناً دولياً حول الإرهاب، لكنها لم تتوصل إلى تعريف ماهيّته، وحتى حين أصدر مجلس الأمن الدولي 3 قرارات دولية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، وفي ما بعد 4 قرارات عقب احتلال «داعش» للموصل في العام 2014، إلّا أنّ الأمر لم يتغيّر وظلّ تعريف الإرهاب عائماً، بل ازداد التباساً وتناقضاً بحكم التفسيرات المختلفة بشأنه.

وإذا كان الإرهاب نتاج التطرّف، فإن كل تطرّف لفكرة، أو رأي، أو أيديولوجية، أو دين، أو طائفة، أو قومية، أو إثنية، أو سلالية، أو لغوية، أو غيرها، ينجم عن تعصّب، مهما اختلفت الأسباب، وتعدّدت الأهداف، فلا بدّ أن يكون التعصّب Fanatism الدافع لها، وكلّ متطرّف في حبّه أو كرهه لا بدّ أن يكون متعصّباً، لا سيّما في نظرته للآخر وعدم تقبّله للاختلاف، الذي هو حقّ للبشر ولكلّ إنسان، فضلاً عن كونه من طبيعة الأشياء.
والتطرّف Extremism يمكن أن يكون دينياً، أو طائفياً، أو قومياً، أو لغوياً، أو اجتماعياً، أو ثقافياً، أو سياسياً. أمّا التطرّف الديني فقد يكون إسلامياً، أو مسيحياً، أو يهودياً، أو هندوسياً، أو غيره، كما يمكن للتطرّف أن يكون علمانياً، حداثياً، مثلما يكون محافظاً وسلفياً، فلا فرق في ذلك سوى بالمبرّرات التي يتعكّز عليها لإلغاء الآخر، باعتباره مخالفاً للدين، أو خارجاً عليه، أو منحرفاً عن العقيدة السياسية، أو غير ذلك.
أما الإرهاب Terrorism فإنه يتجاوز التطرّف، أي أنه ينتقل من الفكر إلى الفعل، وكل إرهاب هو عنف جسدي أو نفسي، مادي أو معنوي، يؤدي إلى إحداث الأذى بالآخر والرعب في المجتمع، ولكن ليس كل عنف هو إرهاب، خصوصاً إذا ما كان دفاعاً عن النفس، واضطراراً من أجل الحق ومقاومة العدوان.
ولا يصبح الشخص إرهابياً إلاّ إذا كان متطرّفاً، ولكن ليس كلّ متطرّف إرهابياً، فالفعل تتم معالجته قانونياً، وقضائياً، وأمنياً، لأن ثمة عملاً إجرامياً تعاقب عليه القوانين، أما التطرّف، ولا سيّما في الفكر، فله معالجات أخرى مختلفة، وهنا يمكن قرع الحجة بالحجة، ومحاججة الفكرة بالفكرة، وإنْ كانت قضايا التطرّف عويصة ومتشعّبة وعميقة، خصوصاً في المجتمعات المتخلّفة، علماً بأن بعض التطرّف الفكري قد يقود إلى العنف ويحرّض على الإرهاب، بما فيه عن طريق الإعلام بمختلف أوجهه.
وإذا كان التطرّف يمثّل نموذجاً قائماً على مرّ العصور والأزمان، فإن نقيضه هو الاعتدال والوسطية والمشترك الإنساني بين الشعوب، والأمم، والأديان، واللغات، والسلالات المتنوّعة، لأن الاجتماع الإنساني من طبيعة البشر، حيث التنوّع والتعدّدية والاختلاف صفات لصيقة بالإنسان، وهذه كلّها ينبغي الإقرار بها والتعامل معها كحقوق إنسانية توصّلت إليها البشرية بعد عناء، وهي النقيض لفكر التطرّف.

التطرّف يعني في ما يعنيه ادّعاء الأفضليات، فالأنا أفضل من الأنت، و«النحن» أفضل من «الأنتم»، وديني أفضل من الأديان الأخرى، وقومي فوق الأمم والقوميات الأخرى لدرجة الزعم بامتلاك الحقيقة، وتلك البذرة الأولى للتعصّب المنتجة للتطرّف والعنف والإرهاب.
لا يكفي إدانة العمل الإرهابي كلّما حصل، واتخاذ إجراءات احتياطية مشدّدة فحسب، بل يجب البحث في الأسباب الحقيقية له، وقد أثبتت التجارب أن الفكر المتطرّف الذي قد يصل إلى الإرهاب لا يمكن الانتصار عليه بالعمل العسكري، أو المسلّح وحده، أو مواجهة العنف بالعنف، بل يحتاج للقضاء على الإرهاب معالجة الظاهرة وجذورها وأسبابها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والدينية والقانونية والنفسية، خصوصاً بتقليص الفوارق الطبقيّة والاجتماعيّة، وتحقيق الحدّ الأدنى من العدالة والمساواة، وبالتالي خلق بيئة مناسبة لنشر قيم التآخي والسلام والتسامح واللاّعنف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م