الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار المفتوح........ ج3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سؤال_ هل تعتقد أن وجود منظومة رجال الدين ومن ورائها هيكلة المؤسسة الدينية (بدعة تأريخية) قلد فيها المسلمون من سبقهم من أهل الديانات القديمة؟ وهي نتاج واقع تنظيمي أكثر من كونها حاجة تتماشى مع دعوية الإسلام ومن صلب متطلباته الصميمية؟
الجواب_ نعم وبكل قوة أقول أنها بدعة سلفية تأريخية لا أصل لها في الفكرة الدينية الإسلامية ولا موجب لها طالما أن الله تعالى أوكل للإنسان الفرد مسئولية التبصر والتدبر والسعي لمعرفة الدين من خلال رد م أستشكل عليهم من أمورهم إلى الله بمعنى العودة لكتابه وللرسول كونه الشاهد والبشير والنذير، التنظيم ضروري جدا في حياة الأمم والمجتمعات وهذه الحقيقة لا خلاف عليها ولا أختلاف في أهميتها، الإشكالية التي نعترض عليها هو تحويل الدين إلى مؤسسة مغلقة كهنوتية الإدارة تمتلك لوحدها وتحتكر المعرفة الدينية وكأنها وكالة من الله ورسوله على العقل الإنساني، فما صح منها فهو الصحيح وما ترفضه هو الباطل.
هنا يكون التنظيم الديني المغلق نوعا من الشرك بالله وتعديا على مفهوم رد الأمور إلى جهتي التشريع والتبليغ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59، هذا يتناقض حتى مع مفهوم أولي الأمر الوارد في نصية الطاعة، حتى وصل الأمر أن بعض رجال الدين يكتب في ما يكتب من أجتهاد ومعرفة يتقنها أنها (مبرئة الذمة) لمن عمل بها، بمعنى أن الخروج من أحكامه التي يستنبطها لها المعصومية من الباطل وبالتالي الخروج عنها خروج عن الدين.
هذا التعدي أوصل البعض إلى تكفير الكثير من المسلمين لمجرد الأختلاف في التخريجات الفقهية الجزئية مع أن كل المسلمين أفتراضا هم مؤمنين بالله ورسوله، خاصة وأن الأتفاق على جوهرية معنى (أولي الأمر منكم) لم يتفق المسلمون وأقصد بهم من ينتمون إلى المنظومة التنظيمة المسماة رجال الدين على مفهوم موحد حتى يتم الرجوع والطاعة لهم، فمنهم من وسع الأمر لحدود الأفراط في أدخال مسميات تحت هذا العنوان وصل في البعض جعل من القادة السياسيين ولو كانوا فجرة وفاسدين وعلى خط مخالف تماما للعدل والإحسان تحت يافطة أولي الأمر، في حين ضيق البعض المفهوم وجعله داخل دائرة محددة بالأسماء والأوصاف دون النظر إلى حاجات التطور والتوسع الذي يفرضها عامل الزمن والواقع العملي.
الوظيفة الدينية لمن يتصدى للتفقه تقع نصا تحت عنوان (في سبيل الله) وبالتالي أي خروج عن هذا السبيل نحو مصلحة فردية أو لطلب أمتياز شخصي أو دنيوي هو خروج عن غائية العمل لأجل الله والإنسان، التأطير التنظيمي وما يتبعه من توصيفات وأمتيازات ومصالح فردية أو فئوية لا يمكن أن يكون في سبيل الله ولا لأجل مصلحة المؤمنين طالما أن الهدف غير مطابق للنتيجة الواقعية، وهنا يقع التقاطع ما بين الوظيفة الأساسية والواقع العملي الذي نعيش مساوءه اليوم، فالإنسان كما هو مكلف بمعرفة الدين وقواعده وأسسه والنجاة من الأنحراف بهدف الفوز والفلاح، مطلوب منه أيضا أن يعيش الحياة كإنسان كادح وعامل ومتحسس ومتفاعل لتجربة العمل من أجل البقاء، ليكون على تماس حقيقي بين ما يتفقه به وبين متطلبات الوجود اليومي والتفصيلي له.
لقد أورد القرآن وبصورة غير متحفظة عن قصص معيشة الأنبياء وطريقة ونمط حياتهم العملية كمثال ليتقي البعض من التعالي عن العمل والكسب، كما أورد التأريخ الإسلامي صورا عن طبيعة ممارسة الحياة اليومية للرسول أو لقادة الجيل الأول من المسلمين، كان ابو بكرا وعمرا وعثمان ومع توليهم مهام القيادة يمارسون عملهم المعتاد بالتجارة والعمل في الأسواق، حتى الإمام علي لم يستنكف أن يكون فلاحا أجيرا عند الملاك بعظيم منزلته وعلمه ، لقد حول رجال الدين في العصور اللاحقة مفهوم الداع إلى الله كأباطرة مال وسلطة وجاه ونسوا أن التفقه تكليف شرعي كفائي وليس تشريعا بالتشريف لهم لأنهم زعموا أنهم رجال دين فقط.
لم يحدث هذا الوضع السلفي التأريخي المنقول من عادات وقيم ونتاج المجتمعات الدينية التي سبقت الإسلام لولا عملية التأطير وتقسيم السلطة في المجتمع إلى دينية ودنيوية، وما لحق هذا التقسيم من محاكاة لتلك الاقوام والأمم وأتخاذها قدوة بالرغم من نهي النبي من أن يحذو حذوهم أو يسلكوا طريقهم، أراد نبي الإسلام من المجتمع الجديد أن يخوض تجربته معتمدا على أحكام دين سعى لتقليص الفجوة بين الفكرة الدينية الداعية للعدل والإحسان وسبل الخير، وبين الواقع الذي فرضته سطوة المؤسسة الدينية الكهنوتية السابقة على أفرادها ومارسته تحت عنوان إرادة الله وضرورات الإيمان بها، النتيجة أن المسلمين بهذا الحال وصلوا أيضا إلى نفس النقطة الحرجة التي إنساقت لها المجتمعات القديمة وحصدت الخراب.
سؤال_ أنت بذلك تضرب مفهوم الأمامة الدينية وتسعى لهدم الهيكلية التي لا بد لها من قيادة المجتمع الإسلامي وضبط مرجعيتها حين تعلن أن التفقه وما يتبعه من مراقبة وتحديد لمديات إيمان الناس وإرشادهم إلى سبل الإسلام الحق؟ ليس من المعقول أن نترك الدين لمن هب ودب كي يتفقه فيه دون ضوابط ودون مراقبة ومعيارية حاكمة؟ ألا ترى أنها دعوة للهدم بدل أن تكون صيحة للتنوير؟.
الجواب_ من ال أننا ضد الإمامة التي وردت بأوصافها وحدودها في القرآن ووفق نسق تعريفي قصدي واضح، التعريف تفصيلي عام وسامل ومؤطر بالجدية التي لا تسمح لأحد بالتوسع في المعنى، النص هنا جلي حين يرد كما هو {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73، فليس كل من يدع الإمامة بمعناها الوارد بالنص هو إمام بل فقط هم من تحت عنوان الجعل، وهنا نأت إلى قضية مهمة أختلط على الناس مدارها وعنوانها، الإمامة لا تعني فقط رجال مؤمنون يقودون الدين بعد رسول الدين، بل حتى الرسل هم من ضمن قائمة الأئمة بهذا المعنى المحدد {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74، المقصود هنا تحديدا إبراهيم النبي {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124.
فشروط الإمامة منها أولا_ أن يكون هناك جعل رباني مسبق أما بالدعاء والعمل أو بالإصطفاء، ثانيا أن يكون هدف الإمامة هو الهداية لدين الله حصرا وتخصيصا وليس الدعوة للنفس أو للغير وتحت أي عنوان، ثالثا_ أشترط النص أن يكون الإمام منشغلا بفعل الخير تماما دون أن يكون هذا الفعل لمصلحة فرد أو مجموعة وإنما بمطلق معنى الخير، رابعا_ أشتراط إقامة الصلاة بمعنى إعمار الصلة التامة ما بينه وبين من جعله للناس إماما وشرط التمام فيها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فكل فعل منتسب لهذه الصفات صغيرا كان أو عظيما يبطل الصلاة وبالتالي يبطل جعلية الإمامة للمجعول الرباني، خامسا_ إيتاء الزكاة بمعناها الروحي تطهير النفس من حب المال على أنه بالغ ما يتأمله الفرد في حياته {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103، والشرط السادس أن يكونوا عابدين للجاعل وليس لأحد غيره، والعبادة هنا ليس فقط أداء الطقوس والمراسيم والشعائر بل تتعدى المعنى إلى الأنخراط التام في أمر الله ودليله وهو كمثال لتعريف العبادة {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }الأعراف85.
هذه الشروط السته إن توافرت بشخص ما على وجه المطابقة العملية التامة وليست الأفتراضية تصح معها أن نؤمن بإمامته ويكون من أولي الأمر المأمور بطاعتهم، قد يقول أحدهم من يملك هذه المواصفات اليوم أو في عمق التأريخ الإسلامي عدا قلة ليكون إماما مفترض الطاعة، أقول أن الأفراد الذين تم لهم ما أراد الله من جعل وما أشار النبي لهم بالتخصيص لا يتعدى الثلاثة أفراد هم، علي إمام المتقين بنص حديث الرسول المتاتر بالتسمية عليه ولا خلاف بين المسلمين من عهد النبي لليوم أن عليا إماما، والحسن والحسين أيضا بنفس العلة والمصدر إن قاما أو قعدا، أما بقية من أطلق عليهم لقب إمام أو من أدعى الإمامة لنفسه أو نسبت له، فهي خارج ما قدمنا، وبالتالي حتى نظرية الشيعة الإمامية القائمة على تسلسل الأئمة عندهم لا تستند إلى نص شرعي لا قرآني ولا سنني مطابق للجعل النصي في القرأن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي