الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرف في قصيدة -عبود الجابري-

رائد الحواري

2017 / 9 / 6
الادب والفن


الحرف في قصيدة
"عبود الجابري"
"عبود الجابري" يكتب بطريقته الخاصة، فأحيانا نجده يقدم لنا نصوص أقرب إلى السريالية، والتي توجب على القارئ أن يتوقف عندها متأملا فيها لتفكك المشاهد قدمها، ومن ثم ربط الشكل الذي قدمه بالمضمون/الفكرة التي أرادها، وأحيانا نجده يستخدم مشاهد عادية سهلة لكنها تخفي وراءها معاني وأفكار إنسانية وما على القارئ إلا أن يتأمل فيها، ليصل إلى ما فيها من معاني وأفكار، وأحيانا أخرى نجده يحدثنا بالغة الحكمة/الفلسفة والتي تؤكد ما عند الشاعر من ينابيع معرفية ومشاعر إنسانية، تجعل المتلقي يستمع ويتقدم من جديد من تلك المياه العذبة التي يقدمها لنا.
عندما يشعر الإنسان بأنه محاصر، يخضع لظرف غير سوي، يمر بحالة ضغط، غير راضي عن حالته، يستخدم الحروف أكثر من الكلمات، وإن كان لا بد من الكلمات فستكون مختصر، فالحديث/الكلام إذا كانت فيه الحروف بكثرة يعطي دلالة إلا أن المتحدث ممتعض وغير راضي، لهذا نجده يستخدم هذه الحروف لكي يظهر للطرف المقابل عدم رضاه، ومن ثم على الطرف الآخر أن يفهم ما وراء هذه الأمر.


يبدأ الشاعر بكلمة "أخطأت" والتي تدل على الاعتراف بالقيام بشيء غير سوي، والاقدام على فعل لا يرضى عنه الشاعر، فيبدأ يحدثنا عن تفاصيل الخطأ الذي أقدم عليه:
"أخطأتُ في كتابة العناوين" فنحن لا نعرف بعد ما هي تلك العنوان التي تجعله يشعر/يمر بحالة من الضيق وعدم الرضا عن النفس، لكنه يشعرنا من خلال وجود حروف "لا، لكن، لمن، إلى، لم، يكن، كما" في كلامه عن حالة عدم الرضا، لا عن نفسه وإلى عنا نحن المتلقين/القراء أيضا:

" أخطأتُ في كتابة العناوين
لكنّي لا أعرف
لمن وصلت رسائلي
فبعضها يحمل أدعيةً
كتبتها إلى الله
بشكل شخصيّ جدا
لم يكن الأمر هينا كما كنت أتصوره"
فرغم عندم الرضا عن الخطأ الذي قام به، إلا أن حديثه معنا، أو تكلمه فيه يشير إلى أنه يجد فينا نحن المتلقين، القراء من يفهمه ويستوعب ما يقول، وأننا على مسافة قريبة منه، لهذا خصنا بهذا الكلام، بهذا الحديث يريد أن يريح نفسه مما يثقلها ويسبب لها الألم، فلم يجد أقرب منا إليه، فأخذ حديثه هذا الشكل، يكمل لنا الشاعر حديثه فيقول:

" فقد سعيت ببراعة الجائع
أن أبدو عفيفا
وانتقيت ُ الفاظا
لا تخدش السمع
كما لو كنتُ أكتب أغنية
لمطرب ذائع الصيت"
نجد هنا تبرير وشرح للخطأ الذي وقع فيه، فرغم الدقة التي توخها الشاعر، لكنه لم ينجح في إيصال رسائله، فبهذا التبرير يريد أن يخلص نفسه من تبعات الخطأ الذي وقع.

" أخطأت في كتابة العناوين
لكنّي أعرفها تماما تلك
اللحظة
لحظة يعلن المذيع
ارتطام الدمعة بالأرض
لحظة سقوط الخواتم
من الأصابع الذابلة"
مشهد يدهش المتلقي/القارئ، فمن أين جاءت صورة المذيع الذي يعلن: "ارتطام الدمعة بالأرض" وهل للدمعة هذا الدوي على الأرض؟ وإذا ما قارنا بين سقوط الدمعة والخواتم بالتأكيد سيكون الصوت الناتج عن الخواتم أعلى بكثير، فالدمعة الساقطة لا يمكننا أن نسمعها بالإذن البشرية، لكن الشاعر يقلب تأثره/نا بالدمعة أكثر بكثير من الخواتم.
ويقدم لنا تبريرا آخر من خلال قوله:

" فأنا كذلك لي انتصاراتي
التي تقبّلت فيها العزاء"
فهو رغم الخطأ الذي اقترفه له انتصارات/انجازات/مآثر لكنها انتصارات غير منطقية، انتصارات فيها العزاء، فهل أراد بهذا الكلام أن يشير إلى حالة عدم الرضا عن نفسه؟، أم أرادنا أن نعيد التفكير (بانتصاراتنا) نحن؟ فالعزاء لا يمكن أن يقرن بالانتصارات، لكن هنا شيء أراده الشاعر، وعلينا نحن أن نبحث عنه.
يخبرنا الشاعر بحقيقة الانتصار الذي تحقق، فهو انتصار فيه من الألم الإنساني والخراب الجغرافي/المكاني:

"ما من شهيد
سيعود من أجل بكاء شجرة
وما من منزل
سينهض من ركامه
أنا في عراء شاسع"
يقدم لنا الشاعر صورة نحن "المنتصرون" غافلون عنها، هناك شهداء ومنازل لن تكون موجودة، فهؤلاء الشهداء وتلك المنازل التي كانت هي من يجعل الشاعر/يجعلنا في عراة/مدانين/مخطئين إلى أقسى درجة.
بعد الصورة غير المنطقية، "ارتطام الدمعة، الانتصار والعزاء، يقدمنا من الفكرة التي ينشدها، التي تلبي طموحه/نا:

" أبحث فيه عن انتصاري القادم
حيث لا إخوة يرحلون
ولا أعداء يعودون إلى منازلهم
بحصيلة وافية
من فرح كسير"
وهنا يعود بنا الشاعر إلى المشاهد العادية، السوية، المفهومة لنا، والتي ليست بحاجة إلى وقفة أو تأمل، وهذا الانسجام بين الشكل الذي قدمت فيه الفكر وبين المضمون يعد ذكاء من الشاعر، فهذا المشهد/الكلام هو الأكثر بساطة وانسجاما مع العقل، فلا نجد فيه أي تشويش/عدم وضوح، وما علنا إلا الأخذ به، وتقديمه للآخرين بالطريقة والشكل الذي جاءت به، على النقيض من المشاهد/الصور التي جاءت في حديثه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا