الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار المفتوح........ ج6

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سؤال_ هل تعتقد أننا وحسب النص السابق موكلون لأحكام النص الديني نسير في الوجود حيثما سار، وبالتالي لا قيمة للعقل البشري في تدبير وإدارة الحياة الإنسانية؟.
الجواب_ لا طبعا لا إقرار بهذه الشمولية المطلقة على الوجه الذي يقوله البعض من أن الحكم الديني أو الأمر الديني يغنينا عن التجربة والفعل الإنساني، فالحياة ليس بكاملها شأنا دينيا وأن الله من خلال النصوص يفرض علينا خارطة طريق تفصيلية، فهناك من الأحكام ما هو إرشادي تخيري القصد منها أن تكون مثالا واقعيا للصورة الأفضل والأخير والإنسان عليه أن يجرب ولكن لا ينسى المقارنة بين ما فعل وتعقل والنتائج المتحصلة وبين الأمر الإرشادي ونتائجه، مثال حي بين الحكم الإرشادي ونتائجه وبين التجربة الوضعية في قضايا نظرها القانون الجنائي الذي تتعامل به المجتمعات، النص التالي يتحدث عن القصاص وهو إيقاع نفس فعل الجاني به ليكون رادع نفسي لغيره {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة179، القوانين الوضعية في الغالب مثلا تتخذ تدابير عقابية وجزائية من باب فكرة الإصلاح والتقويم، السؤال هنا هل هذه التدابير نجحت في ردع المجرمين وحدت من وقوع الجريمة، الجواب بالغالب كلا والدليل أن القانون الجنائي أولا في تطور والبحث عن وسائل رادعة أحيانا تقترب من مفهوم القصاص، أذن وبالعودة للمقارنة بين النص وما فيه من مقاصد وبين الفكر الوضعي أرى أن القصاص مع تفهم المشرع الوضعي للجريمة ودوافعها وأسبابها يمكن أن يكون رادع نفسي ذاتي يحد من وقوع الجريمة وتكرارها في المجتمع.
أما النصوص الحاكمة والأمرة والناهية فهي تدور في أضيق الحلقات لضبط السلوك الأجتماعي أو الشخصي أو لتلطيف الميل الإنساني الطبيعي فيه نحو التفلت من الضوابط السلوكية، ونعود أيضا لملاحظة المنظومة القانونية التي تحكم المجتمعات البشرية نراها تتضخم يوما بعد يوم نتيجة تشعب الحياة الإنسانية وتنوع أساليب التفلت والهروب من الضابط القانوني، هل هذا يعني أن القانون الوضعي بضخامة تشريعاته يشكل تدخلا لا معنى له في حياة الناس، هناك قاعدة في علم الأجتماع القانوني تقول أن القانون بوصفه أداة تنظيم يحتاج إلى شعور عام بأحترامه كونه أداة حفظ ولو شعر الفرد الأجتماعي بأنه لا يرغب بالحد من حريته، أذن الأوامر المولوية أو ما تسمى بالقواعد الجبرية في الدين تشكل نفس المعنى والأطار للحد من رغبة الإنسان للخروج عن السوية والأستقامة المطلوبة لأستمرار الحياة وتفاعلها الإيجابي تحت سقف الممنوع والمسموح.
من الخطأ الأعتقاد أن الدين تدخل فوقي لا يراع العقل الإنساني ولا يحترم التجربة الإنسانية، لأن كل ما فيه من أحكام لا مولوية ولا إرشادية تشكل الجزء الأكبر منه، وكلها تتصل بالحث على التعقل والتدبر والتفكير والسؤال والنظر للكون الوجودي بعين الفحص والتأمل والسؤال، هذا الواقع المغيب عن أذهان الناس ومشاع بكثرة الترديد وسعي الكثير من يسمون أنفسهم رجال الدين إلى أدخال كل تفصيلات الحياة بنفق الدين، ليس القصد منه بيان دور الدين الحقيقي بقدر ما يستهدف مصادرة العقل البشري بأشاعة هذا المفهوم وتعميمه، ومن ثم تتم عمليات السيطرة والتوجيه والأستلاب العقلي أو ما يسميها المرحوم علي شريعتي بـ (الأستحمار الديني)، الدين وإن كان يرسم خطين متوازيين للحياة لكنه في النهاية ترك التقدير والمسئولية على الإنسان وعمله وأجتهاده العقلي.
سؤال_ إذا هل تعتقد أن الدين يمكن أن يتطور ليس كنصوص وإنما كمفاهيم وأخلاقيات ويستطيع أن يتجاوز أزمته مع الواقع من خلال العودة إلى الروح التي تسكنه والتي تتمثل في مصلحة الإنسان والسعي إلى الخير بمعناه الواسع؟ أي قدرة الدين على مساعدة الإنسان أن يختار الطريق الأيسر له في إدارة الوجود؟.
الجواب_ أولا ليس الدين هو من يمر بأزمة إشكالية وإنما علاقة الإنسان بطبيعته الأعتباطية هو من يمر بالأزمة الوجودية، فالدين كسائر المعارف ومثلها العلوم سلاح ذو حدين يمكن أن يتصرف به الإنسان وفقا لما يدركه أو يفهمه من تجربته مع المعرفة أو العلم أو وفقا لأهدافه التي وضعها والغايات التي يريد أن يصل لها، فعندما تتعاطى بفهم إنساني طبيعي خالي من التشويش وتدخل الأنا حتى الأفكار الهدامة يمكن أن لا تجد لها طريقا إلى عقل الإنسان وسلوكه، لأنه يرى فيها إخلالا بإنسانيته والعكس صحيح، فكثيرا من الأفكار اللا دينية والتي لها توجه إنساني خيري تجدها تتغلغل في عمق العقل البشري وتأخذ حيزا مهما في سلوكياته لأنها تتماشى مع طبيعة الإنسان عندما يكون سويا ولا تتعارض مع قيمه الأخلاقية.
وعودة على السؤال بمضمونها الأستفهامي، نعم الدين لو أخذ بهذا المعنى السالف أنه رحمة وخير وإصلاح أجتماعي وفردي دون أن نتدخل في أعادة صياغته وفقا لأهداف خارج روح المصلحة الشمولية والخير، يمكنه أن يكون ليس فقط قابلا للتجدد مع الحياة بل طريقا أصيلا لتجديدها وهي تعاني التخبط وأنتشار الظلم والأستبداد، الدين معرفة والمعرفة ليست فقط في ذاتيتها يمكن أن تكون نافعة أو ضارة أو متحجرة أو قابلة للتحرك، بل العنصر الأساسي هنا العقل الإنساني حينما يتعامل معها، حتى العلم الوضعي الذي غير وجه الحياة تعرض للكثير من سوءالأستعمال وتحول إلى أداة للقتل والظلم والأستعباد، السبب ليس العلم ومنجزه بل كيفية تسخيره لأن يكون رافع وجودي لتقدم المجتمع وتطوره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي


.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن




.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر