الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار المفتوح........ ج10

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سؤال_ ألا ترى أن البعض من المهتمين بالمعارف الدينية يبالغون في التعبير على أن القرآن لم يترك صغيرة وكبيرة إلا أتى على ذكرها، ويستشهدون بالنص {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}النحل89؟.
الجواب_ أولا لنفهم أن القرآن ليس كتاب نظريات ولا مدونة معرفة بالمعنى الذي نعرفه اليوم، ولم يطرح الله في النصوص هذه الإشارات إلا في سياق فائدتها لتعزيز الفكرة التي يسوقها القصد المعنوي للوصول بها إلى عقل الإنسان لتكون دليلا له في التفكر والتدبر، نعم لم يترك الله شيئا يحتاجه الإنسان في سبيل أن يستثمر وجوده للخير وإثبات الحق، ولكن كل ذلك جاء مرمزا ومحتاجا إلى جهد من التأما والدراسة والبحث والتجرية، الله لم يمنحنا العلم بهذه السهولة وإلا لكان الكتاب أكبر من الذي بين أيدينا بعشرات بل بمئات المرات، ولبطل أيضا سعي الإنسان لكسب العلم وخوض التجربة وإبطال فائدة العقل.
سؤال_ هل هذا إنكار حقيقي منك بأن القرآن لم يحتوي على أي فكرة أو نظرية علمية فيما أن الكثيرين يبرهنون عكس ما تقول؟.
الجواب_ أكرر نفي ورفضي للمقولة السائدة أن في كتاب الله شيء من هذا القبيل، نعم هناك إشارات متفرقة عن قضايا علمية أراد الله من خلالها أن يبين عمق وأصالة الفكرة المطروحة، أولا من خلال حث الإنسان على البرهان عليها وكشف بنائها العلمي، وثانيا لتكون شاهدا على بعض الأحكام أو الأفكار التي تتعلق بشؤون الحياة بكل جوانبها، أضرب لك مثلا عمليافيما أقول وهي في قضية طيران الطيور في السماء دون أن تقع، وكيف وصف الله تعالى القضية بتعبير كلي بدون تفاصيل والغاية أنه يريدنا أن نتشف ذلك من خلال تجربتنا الخاصة المستندة للعقل والعلم وليس كما يفهمها الكهنوت الآن، النص هو {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }الملك19.
لقد أشار الله وبتعبيره بالإمساك عن السقوط من خلال ألية القبضوالصف والتي تعني ألية الطيران الطبيعية، فهو لم يمسكن كما يقول البعض بواسطة قوة خارجية عنهن أو من خلال تدخله الشخصي كما يفهم ظاهرا من النص، بل وفقا لتفسير علمي وواقعي ومنطقي، هذه ليست نظرية علمية بحت بقدر ما هي إشارة إلى قدرة الله على التنظيم وفقا للحاجة أو الكيفية التي تجعل من كل مخلوق مهيأ لأن يمارس وجوده بتناغم طبيعي بين القدرة والوجود، هنا أكرر جوابي في كل مرة أن القرآن ككتاب معرفي يماهي الواقع الطبيعي المستهدف بالإصلاح ويختزن أفكارا بحاجة للكشف والتدليل عليها بشريا.
سؤال_ في عودة للأحكام الشرعية كيف نفرق بين الحلال والحرام كقاعدة عامة مجردة ومطلقة دون أن نتدخل في توسيع أو تضييق مصاديق القاعدة المعيارية؟.
الجواب_ البعض من أهل الرواية التأريخية الدينية الذين عبثوا بفكرة الإسلام كدين من خلال إشراك مصدر ثاني مع القرآن ليكون ما فيه هو الوعاء الأساسي للتشريع ومصدر الأحكام، فلجأوا إلى السيرة والسنة والأحاديث وجعلوها بمستوى القرأن من حيث كمية وضخامة ما فيه من أحكام قد تتوافق وقد تتعارض مع النص القرآني، وهذا مبحثه في مكان أخر، ولكنهم من حيث معنى السؤال ومراده فقد وضعوا معيارا حديا لهذه القضية، وهو (أن حلال محمد حلال إلى يوم الدين وحرام محمد حرام إلى يوم الدين).
القارئ البسيط قد يعترض ويقول وهي الحقيقة بعينها فما شرعه محمد هو الأساس وما نهى عنه فهو الباطل أو الحرام، وقد يستند هؤلاء إلى نص حاكم من القرآن { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7، الحقيقة وإن كان هذا النص قد ورد في سياق أخر لا علاقة له بالتحريم والتحليل وحتى مع أحتسابه على ذلك، أقول أن النص يقول (ما أتاكم الرسول)، وهنا المعنى يعود للمؤتى منه أو عنه وليس ما نسب أو أسند للرسول، فالرسول لم يأت بشيء من عنده حسب ما نؤمن بل كان مأمورا بالتبليغ والإنذار فقط ولا يمكنه أن يكون مشرعا إلا في الحدود التي أتى بها ومن خلالها وبها.
فالحلال هو حلال القرآن والحرام هو ما حرمه الكتاب فقط، أما ما ينسب لمحمد من تحليل أو تحريم بالأشارة أو التلميح أو التأويل أو القياس أو الأجتهاد، فهو عائد لأساس تبني مقولة حلال محمد وحرام محمد، ونحن نعلم ضخامة ما نسب له زورا وبهتانا، فحتى نوسع دائرة الحرام أو نضيقها نذهب فورا لمجموعة الأحاديث بأعتبارها الوعاء الذي يمكن من خلاله النسبة لمحمد أو القول أن هذا من محمد ليكون الهدف، أما أن نحرم ونحلل حسب نص القرآن ونصوصه المحفوظة فلا يمكن فعل ذلك، لأن كل شيء فيه مدون وواضح وبين، لذا كان المقياس المعياري هو حلال محمد وحرام محمد.
أعود للجواب وأقول أن النظرية العامة المجردة في التحليل والتحريم ترتكز على النقاط التالية:.
• الأصل في الأشياء الحلية المطلقة، فالأصل البراءة والأستثناء هو ما خصص له وصف يحدد البراءة سواء بالتحريم أو الكراهة أو الأجتناب، وبذلك يكون الحلال هو كل الدائرة الحياتية بما فيها من ألتزامات وسلوكيات والحرام ما أستثني نصا بلا ترديد أو تأويل وتسمى دائرة الأكثري.
• الحرام ما نص على تحريمه بلفظ تام قاطع {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ .... فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3، أو بمعنى قاطع دال على الحرمة كقول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29، وهي مواضع محددة ومؤشرة بأطار عام جلي، عليه لا يمكن أن نزيد من دائرة التحريم مطلقا كما لا يمكننا أن نضيق الدائر بعلة أو سبب.
• هناك مفهومين للتحريم واللافت أن الكثير من دارسي الفقه والتشريع لم يلتفوا إلى هذه النقطة، هناك تحريم لذات الشي ولا يمكن أن يكون محللا تحت أي ظرف ما عدا ما نصت عليه حالة الأضطرار ولها مبحث خاص، هذا التحريم متعلق بذات الموضوع أو الفعل ويدور معه بقاء وأنتفاء كقول الله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء23.
وهناك تحريم لما بعد الذات الموضوعية أي أن التحريم لم يأت بناء على كونية الشيء أو الفعل بل لما بعد الإتيان به أو بناء عليه، فتحريم الربا والذي هو نوع من أنواع التجارة والنشاط الأقتصادي الذي يمكن أن يكون ضروريا في المجتمع بأحوا خاصة، ومع ذلك تم تحريمه ليس لأن التجارة بالأموال وتضخيمها هو الحرام، وإنما لمساؤي الأجتماعية والأقتصادية والنفسية التي يتركها أو يخلفها هذا النشاط {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة275، فلو أفترضنا أن الربا لم يترك هذه المحذورات وتحول إلى تجارة عادية ومن أمثالها ما أسماه النص القرآني الإقراض الحسن، أي تجارة بدون أرباح أو بأرباح غير ثقيلة، تحولت تجارة الأموال إلى حلال، الفرق بين الربا والقرضة الحسنة هو في ضخامة ما يطلبه المرابي من نفع وفائدة أضعافا مضاعفة عما هو معقول ومقبول، وهنا تقع علة التحريم تحديدا.
إذا القاعدة التي يجب أن تعتمد في تحديد الحلال والحرام، هي أولا تشخيص مواطن الحرام في النصوص الدينية على وجه الدقة والأختصاص، ومن ثم يكون كل شيء خارج هذه المحددات النصية حلال، ثانيا لا مجال ولا إمكانية للتأويل والتفسير والتبرير والتدبير في فرض الحرام أو فتح باب التوسيع فيه، لأن ذلك يعد تعديا على سلطة المشرع المطلق وتدخلا في تحديد ما هو معلوم لديه، لذا فكل تحريم خارج دائرة الأقلي كتحريم الموسيقى والغناء والرسم والتصوير والفلسفة والكثير من المعارف والفنون الإنسانية بذريعة اللهو أو اللغو أو أنها لا تتوافق مع القيم الدينية، كلها محاولات فرضها الكهنوت الديني المتضايق في قراءته للحلال والمتوسع في تحديد الحرام، بناء على قراءات أعتباطية صرفة لا أساس لها ولا ركيزة في النص القرآني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال