الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار المفتوح........ ج16

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحكام أساسية مغيبة
سؤال_ هل ترى أن الإسلام كما عرفه الرسول وأمر أتباعه به هو كل ما بين أيدينا اليوم؟ بمعنى هل الإسلام المحمدي هو صوم وصلاة وحج وزكاة وجهاد في سبيل الله؟.
الجواب_ قد أجيبك جوابا صادما إن قلت لك هذا ليس دين محمد ولا أمر الله المنزل عندما نصوره في هذه الصورة المتقزمة، الدين أكبر من أن يكون فروض وعبادات وأوامر ونواهي تخص الله وطاعته، الدين الإسلامي على وجه التحديد بني على قاعدتين هما العدل والإحسان من جهة والمعرفة والتبيان من جهة أخرى، العدل أول الأوامر الألهية لبني آدم وعليه يبنى الحق، فالعدل فعل والحق صورة له، متى ما تطابق الفعل مع الصورة وصلنا للمعرفة بهما معا وعملنا على أن يكونا أساس الإيمان اللاحق بالله وكتبه وبالرسل {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90.
فمن لا يعدل في حياته ولم يمارس العدل كأساسية وركيزة من ركائز الأخلاق السوية لا يمكن أن يكون مؤمنا والعكس صحيح، فالعادل لا يمكن أن يخطئ الحق ويجاوزه أو يتجاوز عليه، والظالم والمحرف والمزيف لا يمكن أن يتبنى الإيمان وشروطه ويعمل بهما، العدل هو المقابل النوعي لكل شروط الإيمان والظلم نقيضه في كل موارد ما يتعقله المؤمن أو ما يشترط أن يكون عليه {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }النحل76.
العدل في معناه الديني كما ورد في النصوص هو إحقاق الحق وجعله في أطاره الموضوعي والذاتي دون أن يكون هناك خلل لا في المحل ولا في المحمول، وبالتالي عندما يأمر الله بالعدل يعني ذلك الطلب من الناس أن تتبع كل وسيلة لجعل الواقع مطابقا لما يجب أن يكون، فالكافر بالله أو بالدين أو المشرك مثلا لا يتبنى فكرة أن الله هو من ترجع إليه الأمور وهو خالقها ومدبرها لأنه يعتقد أن هناك قوة أخرى أو علة ثانية تفعل هذا الشيء، فهو ظالم لنفسه أولا، لكن لا يمنع هذا من أن يكون في جانب أخر عادلا في غير من موضع، العدل معيار عقلي بصحح للإنسان مفاهيمه ويعيد صياغة رؤيته للحياة متى ما وضعت الأمور موضع التأمل والتدبر والتفكر، ولكن من يدع الإيمان أو يتبناه فقد بدأ بالعدل من ركنه الأكبر وعليه لا بد أن يكون هذا التبني ساريا على كل نواحي سلوكه وتصرفه مع الأشياء العقلية الأخرى.
فلا يمكن مثلا لمؤمن أن لا يعدل مع نفسهويحاسبها على الظلم الأكبر والأصغر ولا يقبل عنه بديلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8، هنا تكمن أهمية العدل وضرورته في الحياة الدينية لأنه طريق الإحسان والخير وكل مظاهر الأنسنة الوجودية التي أرادها الله للناس، فالعدل مقدمة للإحسان ورفع الظلم والتسلط والأستبداد من النفس وقواها الفاعلة، وهو كما يقول النص السابق أقرب للتقوى، ومعروف أن التقوى هي مفتاح الرحمة وسمة المؤمن الصادق {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الأنعام69.
أما المحدد الأخر والذي أهمل ولم يجري التأكيد عليه في حياة المؤمن نتيجة التركيز على مظاهر التدين من عبادات وطقوس هو حد المعرفة والتبيان، فمن لا يعرف نفسه لا يعرف ربه وبالتالي لا يعرف بالتأكيد ماذا يريد الله منه وبه، المعرفة هي القدرة على أكتشاف عواهن الأمور وأسرار الأحكام ومتطلبات الإيمان الحقيقية، وهي الطريق المستقيم الذي يجب على المؤمن أن يسلكه في حياته وبه يخلق واقعه ووجوده، والمعرفة طريق الحق والجهل مصدر الخطيئة ومنبع الضلال{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }المائدة83.
لعل هذا العرض البسيط يبين أن ركني العدل والمعرفة هما أكثر الأحكام الأساسية المغيبة عن عقول الناس وأكثر ما أهمل منها، فلو كنا مجتمعا عادلا وذا معرفة بما في دين الله لا يمكن لأي قوة في الأرض أن تجعل من هذا المجتمع مشرذم ومنشظي وقابل للإنكسار في لحظات التأريخ الحرجة، فكل أستقامة في الحياة لا بد لها أن تكون نتيجة العدل والتبيان والمعرفة لذلك أوصى الله الناس بالعدل وسمى نفسه (العدل) {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }الشورى15، فلكل حياة سوية قوية قادرة على تحقيق حلم الإنسان بالسعادة لا بد من عدل يسوقها ومعرفة تحدد طرائق العدل ومواطنه في الوجود، والعكس ينتج مفهوم المخالفة بالتأكيد دون أستثناء أو تبديل.
سؤال_ يقال أن الحاكم الكافر العادل أفضل في بسط التوازن في المجتمع من المؤمن الظالم، هل هذا ما تشير له في كلامك؟.
الجواب_ نعم ولا بمعنى أن الكافر يمكنه أن يصنع العدل الأجتماعي الذي تسموا به المجتمعات الإنسانية وتصنع وجودها القوب، ولا بمعنى أن هذا الحاكم الكافر قد يخضع لمفاهيمه العدلية التي في ركنها الأكبر خلل وهو الإيمان بما في العقل الفطري من ميل نحو الخضوع لأمر الله وأتباع حكمه وطاعته فيما يأمر ويريد، ويبقى أن نقول أن كلمة المؤمن بمفهومها الحقيقي لا تقترن مع الظلم ولا تمارسه بأي شكل من الأشكال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الأنفال2، فكيف يكون الإنسان مؤمنا وقد نزع من إيمانه الخوف من الله والخشية من عدله.
سؤال_ وغير العدل والمعرفة هل من أحكام مهملة أخرى قد تعيد لنا صوابية الرؤيا تجاه الواقع وتجاه أنفسنا نحن بني البشر؟.
الجواب_ نعم هناك مردات وأحكام جرى تغيبها عن عمد والتركيز على العبادات والطقوس وما نتج من ذلك من خلل في التوازن بين منظومة الأحكام، خذ مثلا مفهوم الحرية والإشاءة وقد تكلمنا في بداية الحوار عنه، الله أو الدين لا يؤمن بالإكراه والألجاء في فرض الدين، وبالتاي ما نجده في الفكر الإسلامي كقواعد أن الإيمان بالله وكتبه وأنبياءه هو فرض واجب، بينما النصوص الحاكمة والأمرة تعلن برائتها من ذلك الفرض، أيضا هناك التشدد في تعظيم الشخصانية الفردية لبعض الرموز التاريخية التي ساهمت في بناء منظومتنا الدينية، بالمقابل هناك تهوين وتضعيف لدور الإنسان المؤمن البسيط الذي يسعى حقيقة لأن يكون صادقا مع الله.
هناك فكرة مغيبة تماما أو شبه منسية في تفكرينا الديني العام وهي أهمية العمل في الوجود، العمل بمعناه الطبيعي الذي يراد منه إثراء الوجود وزيادة فرص السعادة البشرية، قد يكون لبناء مفهوم النخبة الدينية وطريقة تعاملها مع المجتمع أن ترسبت في الذهن الجمعي الإسلامي أحتقار العمل اليدوي، ووصف البعض أن التبشير بالدين والتفقه فيه هو أعلى المنازل الطبقية في حياة المجتمع، ولو قارنا هذا الواقع مع الثلة المؤمنة التي ساهمت مع النبي في بناء المجتمع الإسلامي الأول نرى تناقض الصورة المطروحة {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }الملك15، العمل وخاصة منه الذي تتوقف عليه مسيرة الحياة يمثل المحرك الأساسي لديمومة البقاء والتطور وعنصر أهم حتى من العبادة أحيانا حينما يكون المجتمع بحاجة أكبر له ليحافظ على توازنه بدل الجلوس والتفقه والتنظير الذي لا يمنح الإنسن قدرة على الأستمرار فيميل نحو غيره ويخضع له بدينه، والشواهد التأريخية حين باع البعض دينه للسلطة مقابل الترف والحياة الرغيدة مع الكسل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا


.. #shorts -21- Baqarah




.. #shorts - 22- Baqarah