الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاون المصالحة يقلب المشهد السياسي التونسي

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تجدها أطرافا متناقضة في ذاتها و لكنها تـتـفق على دحض الثورة و خاصة كرموز و أفكار و مواقف. و بغض النظر عن مختلف التحليلات للحدث التاريخي من زوايا المفكر الصادق، فانه و لا ريب فيه يمكننا إحراز اتـفاق في توصيف الواقع بكونه تحركا جماهيريا يريد الحرية.
مقولة الحرية الشائكة و المتـشعبة ترتبط بمقولة القوة الحاصلة في الواقع. القوة التي تريد أن تكون في الواقع. هنا بالذات نكون في رحاب الصراع السياسي. هذا الصراع الذي يعمل المفكر الحر على أن يكون اعترافا فعليا بحرية الآخر كما بحريتي باعتبار أن حريتي في عمقها و في اعتبار تأسيسها كبنية متينة لا يمكن أن تكون إلا بحرية الآخر المختلف و ربما المتـناقض.. انك هنا أمام معضلة كبرى تتمثل في أن يكون المفكر مثـقـفا عضويا أي متواجدا في تـفاصيل الأحداث و لو من باب تصوراتها أو كلياتها المختلفة..
و اليوم يتبين بشكل واضح أن السياسي منذ الحدث الزلزالي لـ 14 جانفي 2011، مازال غير طارح بشكل جدي لمسألة الاعتراف المتبادل الفعلي للحرية. السياسي السلطوي و المعارض و لكن بالأساس السلطوي الذي ما أن يتربع على عـرش السلطة حتى يغرق في وهم الامتلاك للآخر أو نفيه بأي شكل من الأشكال..
انك اليوم تجد أن الرئيس الباجي قايد السبسي قد كشف عن هذا الوجه بوضوح، و بالتالي فانه قد صعد بملئ إرادته إلى الصليب لتـنفيه اللحظة التاريخية. فالغريب فعلا هو الإعتـقاد بالقدرة على التمويه ليس على العقول و إنما على الزمنية التاريخية التي نكون جميعا أجزائها. أجزائها المكونة بكل تـناقضاتـنا و صراعاتـنا التي يصنعها عقل التاريخ الماكر ..
لقد قال صاحب "نداء تونس" الذي ظهر كقوة قادرة على منافسة حركة النهضة الإسلامية و الانتصار عليها بمنطق الانتخابات و بالتالي جنب البلد سيناريو الانقلاب العسكري أو الأمني مثلما حصل في مصر أو قبلها في الجزائر. جنب البلد إراقة كثير من الدماء.
لقد قال من خلال المكر المفضوح الذي نشبهه بفعل جريمة و بإحساس من فاعليها بجُرم صنيعهم حين تم استدعاء النواب في جلسة استـثـنائية للبحث في سد الشغور الحاصل على رأس الهيئة المكلفة بالانتخابات، ليتم إدراج المصادقة السريعة على مشروع قانون المصالحة مع رجالات النظام السابق أي النظام السابق. لقد عبر هذا الصنيع عن مهزلة الخداع المكشوف و عن غيبوبة العقل عن الواقع الجديد الفارض نفسه على الجميع و غصبا عن الجميع. واقع الثورة على الأصنام جميعها و بدون استـثـناء. واقع مهزلة الخداع و الكذب و خاصة من قبل من المفترض فيه أن يكون عنوان أخلاقية الدولة و صدقيتها و كينونتها كدولة فعلية حقيقية. أي دولة تعبر عن روح الشعب.
فهل الشعب مخادع؟ هل الشعب عجوز و عاجز؟ هل الشعب ينجز مصالحه بمنطق الجريمة؟ إذا كان الشعب كذلك فهو ليس بشعب و إنما قطعان من الذئاب هنا و هناك.. لكن الشعب التونسي قال انه شعب في عدة مناسبات. قال انه يريد الحرية و الكرامة أساسا.قال كذلك انه يريد الترقي، و قال انه يحب الحياة، فما الحياة بزيف و بهتان و زينة تخفي مملكة الظلمات و الفساد..
أحرز ثـقة الكثيرين و لكن الوهم البشري الذي ينفذ بسرعة بألوان مختلفة إلى الذهن جعله يعتـقد أن بإمكانه الإجهاز على الثورة. الثورة التي قال عنها أنها تحركا عفويا لشباب دون أي حزب سياسي. أي دون قيادة سياسية ثورية. هذا التوصيف عام جدا. يتـناسى الدور الفعلي للنقابيين اللذين هم من الاحزاب الثورية الماركسية و القومية العروبية. كذلك التراكمات التي خلقها السياسي المعارض للاستبداد عبر عقود.. و بما انه رجل سلطة فقط منذ نعومة اضافره فانه غير قادر على تصور العمل الخفي الذي قام به كثيرون و التي خفيت عن أجهزة الأمن المرعبة..
أجهزة الأمن تلك للنظام الاستبدادي كانت غير قادرة على الوصول إلى الاجتماعات السرية في البيوت. كانت غير قادرة على الوصول إلى الأماكن الصغيرة المهمشة مثل المقاهي الصغيرة. تلك المقاهي التي كانت تحتـفي بما يعتبرونه رموزا ضد السلطة و كانت تستمع إليهم. تلك الأجهزة عجزت عن ترصد من يبزق على صورة الرئيس أو الإلاه "هبل" هنا و هناك. تلك الأجهزة كانت تعتـقد أن هؤلاء أو بعضهم ينتهي نشاطهم بمجرد ما حصلوه هم من معلومات.. تلك الكلمات التي كانت تجد آذانا صاغية عند سائق الشاحنة أو بائع البقول أو الحداد و النجار أو التلميذ و الطالب و البطال. هؤلاء كانوا ناشرين لنار الثورة دون اي التزام شخصي و دون ادارك حتى لمعنى الثورة أو الحلم بها. كانوا ناشرين للكلمات غير المعهودة من اشخاص غير عاديين يعتبرونهم اسودا و اقوياء و ايقونات برغم رفضهم ان يكونوا مثلهم و لكنهم يحملون كلماتهم ليبسطوها بين الناس اينما تواجدوا..
تلك الكلمات المتراكمة كنار خافتة و لكنها شديدة اللسع. تلك النضالات من اجل خلق بوصلات للجماهير يركنون إليها و يصدقونها.. تلك التراكمات الخفية التي أفلت في خضمها بائع الجرائد من أعين البوليس لبيعه خلسة لجريدة معارضة محاصرة فينسخ منها هو بدوره ليسلمها إلى أشخاص معلومين لديه بمعارضتهم للسلطة. بائع الجرائد ذاك تجد عنده انخراطا في الحزب الحاكم..
طبعا فالسيد الرئيس الغائب عن هذا الشارع الواقعي الفعلي الحقيقي يكون من المستحيل لديه أن يصف الثورة إلا بكونها حدثا شبيها بكارثة طبيعية مفاجئة غير متوقعة...
قال السيد الرئيس من خلال مهزلة تمرير قانون المصالحة في البرلمان، أن الثورة انتهت و أن الحرية التي تـنعمون بها قد حان وقت وئدها. كأنه هو الذي منح الحرية.. الحرية لا يمنحها احد. الحرية أن تـتـقد الرغبة في أن يكون البشر إنسانا. أن يخرج من مملكة الحيوان إلى مملكة الروح. الحرية أن تكون لك إرادة و وعي و تصور و تخطيطا لانجاز تصورك في الواقع و بالتالي تحولها من الحرية إلى تحرر يمشي على الأرض وفق تضاريسها، و ليس من مسير مستـقيم على الأرض لأنها كروية بشكل عام. لقد غادرنا عصر الكرة المنبسطة في الوعي الإنساني.
و لعل المقاربة الكانطية تدلل على عمق التحرك الشعبي الأخير ضد مهزلة تمرير قانون المصالحة في البرلمان. يقول الفيلسوف الألماني "امانويل كانط":
" كلما كان شخص ما قادرا على إلزام ذاته بذاته، كلما كان حرا. و كلما كان أقـل حاجة إلى الإكراه الخارجي الممارس من طرف الغير، كلما كان حرا داخليا"..
فالتونسي يدرك جيدا أن الواقع حتم على الجميع أن يُكرهوا أنفسهم على فعل ما لا يريدون. يدرك جيدا أن الأشخاص الفعليـين المشمولين بهذا القانون هم ضمن هذا المنطق. و لكن التونسي سواء بوعي أو بدون وعي أراد و يريد أن يكون حرا بهذا التوصيف الكانطي للحرية. الثورة بالنسبة له هي هذه الحرية. قانون المصالحة و بالطريقة المخزية التي أثارت كره التونسي لما يسميه "البالدة" أي الانتصار بالخديعة و الغدر و ليس ببطولة الفرسان، بعث برسالة تـفيد إرادة وئد هذه الحرية و بالتالي وئد الثورة..
لقد كانت مسيرة عشية السبت الموافق لـ16 سبتمبر 2017 ضخمة جدا. كانت رقصة الحرية التاريخية. لكنها كانت كذلك من خلال زعماء المعارضة الوقوف في الصف الأول للدفاع عن منطق الدولة و الدولة ضد منطق السلطة التي أصبحت بشكل واضح في الخط المعاكس لمنطق الدولة. دولة القانون و العدل و الحق. دولة الروح المطلق للشعب.
لقد انقلب المشهد عن المسيرة السابقة منذ بضعة أشهر و هي نفسها كانت ضد مشروع قانون المصالحة الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية في خطابه الذي تم تسويقه على أساس كونه تاريخيا. و هو فعلا كان إعلانا واضحا عن تعريف الدولة بكونها دولة النصف الثاني من القرن العشرين و إدراج الثورة كحدث جعل هذه الدولة تُـقوم مسارها و تعالج خطئها في الاستبداد السياسي. كانت المعارضة السياسية و أحد زعمائها في تلك المسيرة قد رفع شعار "الرخ لا" بتماهي تام مع اعتصام "الكامور" الذي كان عنوانا لتخريب الدولة و مضادا لمنطق الدولة.. مسيرة الأمس انقلب فيها المشهد تماما. أصبح الرئيس و السلطة الحالية فيها هم المهددون للدولة و منطق وجودها و كيانها، و أصبحت المعارضة السياسية هي المدافعة عن منطق الدولة..
و السؤال هنا، هل يمكن للمعارضة أن تؤسس بديلا فعليا موحدا تحت مسمى البديل السياسي، بكل ما يتطلبه ذلك من إرادة توافقية و عمل جدي على صناعة برنامج حقيقي و شامل و واقعي و زماني أي وفق المعطيات الحالية للدفع بمسيرة التحرر الوطني إلى الأمام في خط معاكس لمنطق الارتداد عن الحرية؟
أول ما يتطلبه الأمر هنا هو الصدق و المصداقية و التـنكر للذات في سبيل الوطن و الحرية. هل يمكن للمعارضة أن ترتـقي لهذا المستوى و بالتالي يكون بإمكانها تأسيس البديل السياسي؟
هل يمكن إعادة قراءة الأحداث السياسية منذ ليلة 14 جانفي 2011 إلى اليوم؟
هرب الرئيس و السلطة انتـقلت إلى وزيره الأول و زعماء المعارضة مشتـتون يظهرون في التلفزيون و الجماهير و الشعب منذ تلك اللحظة دخل في دوامة لا يعرف بدءها من منتهاها. فساعتها كان السيد "نجيب الشابي" هو الوجه الأبرز في المعارضة لنظام بن علي. كيف يتم القبول من المعارضة بحكم نظام "بن علي" بعد رحيله أو ترحيله من أجهزة الدولة؟ ألا يُعذر من هذه الزاوية أصحاب قانون المصالحة؟
ألم يكن من المنطقي لو كانت لنا معارضة غير انفعالية و عاطفية أن يكون الاتفاق على إنشاء مجلس حكم بزعامة "احمد نجيب الشابي"؟..
اليوم لا نقول نفس الكلام لان المعطيات تغيرت. اليوم صعد رمز آخر يمثل البديل. هل يمكن لأحزاب المعارضة أن تـتـفق على زعيم ناطق باسمها و تـنشئ مجلسا موحدا مؤلفا من زعماء المعارضة و تـشتغل على إنشاء البديل السياسي كبرنامج و عمل ميداني وفق تنظيم علمي أي بعيد عن الرغبات و الحسابات الضيقة من جميع الأطراف و إنما وفق قراءة علمية للواقع التونسي الآن و ما يتطلبه من صياغات في التحرك و الفعل السياسي؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية