الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملتي

مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)

2017 / 9 / 18
الادب والفن


(ملتي)
ملتي التي أحبها، تجر اذيال الخيبة والخسران، وتصطف دائما في أواخر الملل والنحل.
ملتي التي لا ترضى بالحرية، وتعبد الخضوع، وتسير وراء الآخرين، تبني بأحلامها قصورا فخمة على أنقاض اكواخها، قصور لن تسكنها حتى في احلامها.
لماذا لا تهدمون ما بناه في مخيلتكم الكاذبون فيكم من رؤساء العشائر، والجبناء من الأمراء، والدجالون من رجال الدين؟
لا يرضيكم صمت البلبل وهو سجين في قفصه حزين على حريته، وتستطيب اسماعكم أناشيد الحجل وهو يدعو اقرانه ليقعوا مثله في الفخ.
يا ملة ترى أنهار العلم تجري أمامها، وتبقي على أدرانها دون أن تزيلها من جسدها.
كنتم تتبجحون أمام زوجاتكم في مخادعكم قائلين: "لو جاء العدو سنقطعه أربا أربا"، وعندما هجم عليكم عدوكم اختبأتم وراء زوجاتكم فسبى نسائكم أولا.
إلى متى سيطول رقادكم على جبلكم، وفي القرى القريبة يتجوّل عدوّكم بصحبة بناتكم؟
ابكيكم ولكنكم تسخرون من بكائي.
فمن يحبكم تمنحونه الكراهية.
أشفق عليكم من جهلكم، وترمونني بسهام غدركم.
واحدكم يريد عدّ حبّات رمال سيباى، والآخر يريد نقل حجارة السكينية، وثالث يريد معرفة عدد ثمار التين في جبل سنجار في الصيّف القادم، وآخر يريد عدّ النجوم في الفضاء عندما تكون الشمس في كبد السماء.
عندما كنتم أحياء لم تطلبوا الحياة، والآن أنتم موتى، وتتمنون الموت.
مللت عجزكم، وصدعّني صرّير الريح في جماجمكم الخاوية.
احبكم، ولكنكم لا تحبون انفسكم.
لست بعدوكم، فكفاكم عداوتكم لبعضكم.
تسكنون الكآبة، ونفوسكم حزينة.
تبكون عندما الأمر يتطلب الضحك، وتضحكون وقت البكاء، وكان الأجدر بكم الابتسام في كلا الوقتين.
لا تعرفون أنفسكم.
تسيرون بسرعة، وتتراجعون أسرع، أما من نبيه فيكم يدلكم على قاعدة (التقدم كلّ يوم بخطوة).
صوتكم صراخ، وصمتكم سكون مقابر.
فليكن صوتكم دندنة طنبورة، وسكوتكم لحن شبابه.
تجلسون في الظلام، وتتمنون النور.
لماذا لا تجلسون في النور، ولماذا لا ترفضون الظلام؟
يا ملتي كلانا نتألم، أنتم لجهلكم وأنا لمعرفتي بجهلكم.
تتنهدّون على ماض توّلى، في حين عليكم أن تهمسوا لمستقبل آت.
لا تبتسمون للأرملة؛ لتقلب حيرتها إلى قوّة.
ولا تربتون على ظهر اليتيم، ليشرق وجهه للغد.
أنتم تذهبون إلى لالش للتبرك، فهلا بنى كل واحد فيكم بداخله لالشا.
هربتم من بابل وأضعتم طريق العودة. وأنا اقول لكم اينما حللتم ابنوا أبراجا أعلى من برج بابل.
تبكون على نينوى، وعندي كلّ المدن نينوى.
إن كنتم لا تجدون قبورا لأجسادكم الفانية، ماذا ستفعل أرواحكم الهائمة بالقصور الفخمة؟
أتنم ألعوبة بين أيادي غيركم، فلن اكون ألعوبة في ايديكم؟
تقدمون النذور وينحروكم كضحايا، ولكن عليكم أن تحرقوا البخور لذواتكم.
تخضعون لمن يجيد التكلم، وحري بكم أن تتبعوا المحبّة الخرساء.
لستم سوى قطيع تبحثون عن قطعان لتمثلوا دور الرعاة.
أوصيكم أن تبحثوا عن الإنسان لتسيروا معه يا ملتي، فلن تخطوا خطوة واحدة إلى الأمام ما لم تتعرفوا على الإنسان في داخلكم.
الكسل والخمول والقناعة والتوكل قيود تعيق مسيرتكم، ولن تسيروا ما لم تكسروا تلك القيود أولا، فمن يهوى الصباح تستقبله الشمس ضاحكة، ولكن من يقلّد البلبل كالببغاء لن ترقص في حضرته وعلى أنغامه الشقائق.
إن كنتم ترغبون برؤية الزنابق في غير مواسمها عليكم بإزاحة اكوام الثلج عليها.
تعلمتم النوح في المقابر ولا تعلمون بأن الأشباح تهرب من نوحكم.
تطالبون المجتمعات بدوركم في الرقص ولا تتمنون الصلب، أما عرفتم بأن الرقص يأتي بعد الصلب يا ملتي.
تضحكون في الربيع وتهربون في الصيف، تسكرون بنبيذ الخريف وتختبئون في الشتاء، وكان لزاما عليكم أن تعانقوا كلّ شيء في جميع الأوقات.
لا تزرعون وتريدون أن يأتي وقت الحصاد.
لا تركبون الأمواج وتقولون بأن البحار غدّارة.
تحبّون اللون الأصفر، ولا تخرجون إلى الشمس.
تحبّون اللون الأخضر، ولا تخرجون إلى الربيع.
تحبّون اللون الأزرق، ولا تركبون البحار.
تحبون اللون الأحمر، ولا تحتفلون مع الشقائق.
تحبّون اللون الأبيض، ولا ترتدونه.
تتكلمون عن الهدايا، وأيديكم خاوية.
تتكلمون عن الذهب والدنانير، وجيوبكم فارغة.
تتكلمون عن الحبّ، وقلوبكم غليظة.
تتكلمون عن الحرية، وأنتم عبيد للعبيد.
أنتم معتادون على التصفيق بعد انتهاء الحروب، فلماذا لا تقرعون طبول الحرب مرة؟
أنتم معتادون على الانحناء وتقبيل الأيادي، فلماذا لا تتعلمون انتصاب القامة وتقبيل الجبين؟
تميلون إلى من يمدحكم، وغضّ الطرف عمن يسيء اليكم.
أما أنا فأقول لكم: "قابلوا الإحسان بأحسن منه، وردّوا الإساءة بأسوأ منها".
تميلون إلى من يهنئكم بمناسباتكم التي لا تحصى، أما أنا فأقول لكم قد حان وقت سؤالكم لأنفسكم: لما الاحتفال؟
تميلون إلى الوعظ الساذج، والأقوال الجاهزة، وتبتعدون عمن يحثكم على التفكير.
ترحبون من يعالج آلامكم وقتيا ويعطيكم مخدرا مؤقتا، وتخشون الجراحة واستئصال الداء ابدا.
تميلون إلى فلسفة القضاء والقدر بنتيجة ما وصلت إليه مصائبكم، ولا تبحثون عن اسباب تلك المصائب.
أنتم صوت صارخ كالجليد بمقدور احقر شرطي أن يخرسه.
وأنا صمت هادم سأدخل كلّ الزوايا كالماء الذي يتحول سيلا ويجرف كلّ شيء.
قد أكون خياليا، ولكنكم لستم بواقعيين.
وقد تكون هذه الكلمات قاسية ولكنني لست خائنا، فابحثوا عن الخيانة في دواخلكم واجتثوها أولا.
*******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني