الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستفتاء البارزاني والوطنية العراقية الثانية (3/3)

عبدالامير الركابي

2017 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



مع بداية هذا القرن، وتكرارا، لم يعرف العراق، يقظة تواكب، او توازي الانتقالة الكبرى التي المت به، بين زمن "الدولة والحركة الوطنية الايديلوجية"، ومقتضيات الوطنية العراقية التاريخية البنيوية. وحتى في المناسبات والاحوال التي اتخذت فيها مواقف، اتسمت بالتفلت من الاطار العام للرؤى الايديلوجية، استمر هذا المرض المزمن حاضرا، فلم يكف عن الاطلال بين سطور"الوطنين"، ممن رفضوا اولا الغزو الاجنبي الامريكي، وواصلوا رفض مفاعيله وماترتب عليه، واقترحوا صيغا جديدة مناسبة، ومطابقة للحظة التاريخية، ولمقتضيات اسس الانتقال من الدولة القسرية الى المشاركة، وهو ماتمثل في شعار "المؤتمر الوطني التاسيسي العراقي" المرافق للغزو ومفاعيله، كخيار مضاد منذ 2003، وصولا لاستشراء الخطر الداهم الراهن في اولى تجلياته العلنية، وكانه طريق الى تقسيم كيان، لم ينشا بالاصل كنصاب تاريخي، ولابفعل بلوغ التشكل الوطني العراقي، درجة النضج الضروري لادماج المكونات الاجتماعية العراقية طوعا، وبناء لمبدا المشاركة الحية، التي تكرس ازدواجية ( التعددية / الوحدة) اللازمة حكما لسوية اي نظام وطني عراقي.
ولاينبغي ابدا الخوف من القول، بان العراق المعروف بالحديث، هو عراق ركب ككيان من خارجه، وليس بنتيجه نضج الاسباب الداعية لذلك برغم حضور اشكال منهاقد تكون اولية، فهذا الواقع، يجعل من مسالة الوطنية العراقية قضية حاضرة في طور التحقق كمهمة كبرى، مابعد ايديلوجية، فما حصل بعد العشرينات، وبالاخص منذ الثلاثينات، مع قيام المنظور الوطني الايديلوجي الحزبي، بظل الدولة المركبة من خارج النصاب الاجتماعي، هو بالاحرى حقبة تاريخية، من ضمن سيرورة التشكل الوطني، الذي لم يتوقف في حينه، بل استمرت مفاعيله صعدا، بغض النظر عن سعي القوى الايديلوجية لطمسه، وتشويه اليات وتجليات فعله في الواقع، وعليها هي بالذات، رغبة في تسييد منظوراتها، قبل ان يبدا مفعول روىء وفعل هذه القوى بالتراجع،وتتوقف قدرتها على الاحاطة بالواقع، الامر الذي يبدا بالتبلور منذ الستينات من القرن الماضي، ليصبح اليوم ظاهرة تحول، والزام موضوعي وتاريخي، ملقية على العقل العراقي تحديات استثنائية، بظل انهيار تجربة الحداثة في الدولة والحركة الوطنية، وتحولهما لانهيار شامل، وظواهر منتهية الصلاحية.
وكل هذا الذي يعاش بصيغة كارثة وشلل، وطغيان فعل قوى ادنى وعيا وتفكيرا، وقدرات، مما وجدت نفسها، او سعت لان تكون موكلة به، ومفترض بها التعامل معه كواقع وطني وتاريخي، ليس سوى لحظة دالة على عودة اولوية فعل الاليات الوطنية، وغلبتها على الايديلوجية، وتصادمها معها، كما على دخول اللحظة التي نقصدها، كمعطى خاضع لفعل العملية التاريخية الوطنية العراقية بالدرجة الاولى، لا العكس، كما يوحي الايديلوجيون بمختلف اصنافهم، فلا المنظور الطبقي، ولا القومي، ولا الليبرالي الشعبوي، ثبت انه يمكن ان يكون بديلا لفعل الاليات الوطنية المتفوقة، وقد تكون المتجاوزة لعموم المشروع الغربي الحديث، وتنتمي لعالم "مابعد غرب"، وان كان هذا مايزال مجهول الملامح، وفي طور التشكل، على الاقل على المستوى التعرفي التفكري.
وفي العالم، وضمنه العتبة التي نحن على مشارفها، ومنخرطون فيها الان، ومهما كان شكل تجليها كارثيا، قد تخطر لنا منظومة الاحكام الايديلوجية الموجودة كنهايات، تنتظر تبلور بديلها الوطني، بحيث يظن على سبيل المثال، ان هيمنة قوى" ماقبل الدولة"، بكل مسلكها وادائها المتعارض كليا، مع ابسط الاشتراطات الوطنية، او قواعد الحكم والتدبير السياسي العادية، ناهيك عن كل اشكال انتقاص السيادة الوطنية، بازاء مرااكز القوة الاقليمية، والاحتلال الامريكي،وفقدان ركائز الوحدة المجتمعية الكيانية، وغياب قوة الكيان المجتمعي الواحد بناء عليه، او ميل بعض المكونات، ومن هم بموقع " قيادتها" زورا، خلال المعبر الانتقالي التاريخي بين حقبتين ولحظتين، لاظهار نمط من انماط سلوك ماقبل الدولة، مجسدا في شعارات وميول مفتعلة، مغمسه بمفاهيم وشعارات ايديلوجية بالية، لاصلة تصلها بجوهرها، بقدر ماتلبي مصالح ضيقة، لقوى وفئات تعاني من اهتزاز مواقعها، وخشيه متعاظمة من فقدانها ماكانت تحلم به من سطوة وهيمنة احادية ابدية، لاينطبق عليها حتى تعبير الدكتاتورية، الا اذا كان مباحا تطبيقه على سلطات استبدادية، بترياريكة من جنس ينتمي لزمن اخر منقرض.
هل حدث اعلان البارزاني عزمه على "استفتاء" الشعب الكردي، حول مستقبله، وحقيقة رغبته في البقاء ضمن العراق، او الاستقلال عنه، حدث استثنائي، وهل هو خطير جدا حقا، او مما يمكن ان ينذر باحتمالات تقسيم العراق؟ النظرات والاراء السائدة اليوم، والشائعة عموما، يمكن ان تولد شعورا مفاده، بان مايحصل بهذه المناسبة، امر كارثي خطير فتهول النتائج المترتبة عليه والقابلة لان تنتج عنه فعلا، والسبب هو انغلاق منظومة التفكير الايديلوجية، ومعها اجمالي الرؤية الوطنية المتدنية المتاحة والمتوفرة، وضيقها، وانغلاق افاقها، بما يحول دون وضع التصرف البارزاني الحالي، ضمن اطاره المحدود والعارض الذي يستحقه فعلا، مع توخي عدم اهمال ماقد ينطوي علىيه من احتمالات، وبالاصل دوافع معاكسه لمايوحي واوحى به، بفعل ضعف مناعة المناخ الوطني.
ومع ترجيح ، كون البارزاني سوف يتراجع عن قراره في اللحظة الاخيرة، الا انه اذا لم يفعل، فالأغلب انه اصبح موقنا الان تماما، بانه خسر، وسيخسركثيرا، وستبدو تهديداته ومحاولاته ابتزاز الحكم الاتحادي المحاصصاتي، مخيبة كليا، وعلى الصعد كافه، الوطنية والاقليمية والدولية، التي تعاملت معه باستهانة،وباستخفاف وعدم اكتراث يليق به، كما فعلت ايران وتركيا، وهو عمليا قد هزم قبل ان يقدم على تنفيذ خطوته، وصار تراجعه واقدامه متساويان من ناحية افضائهما للخيبة والفشل القيادي، والوطني، في الوقت نفسه ظهر بهذه المناسبة، ان افق الوطنية العراقية، قابل للتحفير وللارتقاء الى مستوى متعد للايديلوجيات، او الصيغ الاكراهية، التي ظلت معتمدة سابقا بين المكونات الوطنية، فترسخ بهذه المناسبة، وثبت صواب احدى الاشارات الوطنية الكبرى المبكرة، والتي اطلقت بعيد الاحتلال عام 2003 منادية ب" المؤتمر الوطني التاسيسي العراق"، حيث الاطار المناسب كقاعدة، بعد انهيار الدولة الايديلوجية القسرية، لبناء عراق مشاركة، لاعراق غلبة مكون، او جهة، على الاخرين باسم تبرير ايديلوجي للوطنية والدولة "الحديثة"، ونظام المواطنية المزور.
لن يفضي مااراد البارزاني اعتباره تجربة ابتزازية، ومحاولة طفولية، خرقاء واقرب للعبثية، وباستخدام اساليب منتهية الصلاحية، لاي نهاية تتناسب بالفعل مع مصلحة الشعب الكردي، او العراقي، فما حدث ليس اكثر من مازق، ومحطة من محطات تخبط احد اطراف قوى العملية السياسية الطائفية المحاصصاتيه الجاهلة والمتخلفة، الادنى بنية وتفكيرا، والصغيرة على العراق، وموجبات قيادته الاستثنائية تاريخيا. في حين ستتعزز من هنا وصاعدا، وتصبح اكثر الحاحا، ثورة العراقوية، الاخذة بالتشكل في قلب نظام قوى ماقبل الدولة، منذ الغزو والاحتلال الامريكي، ان لم يكن منذ عقود قبله.
يسير العراق اليوم وسط التعثرات، مجتازا طور تاريخه الوطني الثاني، بعد الايديلوجي القسري، وهي عملية كونية تجديدية كبرى، يفصح خلالها العراق عن ذاته وكينونته المستمرة تشكلا وصعودا منذ القرن السابع عشر، يوم قامت اولى مظاهر عودة تشكله الوطني بعد انهيار الدورة الحضارية الثانية العباسية/ القرمطية، وتراجع مفاعيل "فترة الانقطاع الحضاري الثانية" 1258 / حتى ظهور "اتحاد قبائل المنتفك" في ارض سومر التاريخية تكرارا،وبدء الدورة الحضارية الثالثة الحالية، والجارية اليوم.
لا الوهابية، ولا الخمينية، ولا الحداثة المصرية الشامية المزورة،أومحمد علي، ومشروعه الفوقي المتشبه قسرا وبلا اسس بالغرب، لهم صلة بالحاضر، ففي هذه المنطقة، لاموضع يتختص بالفعالية والابداعية الحضارية الكونية في محيطه، ولا كينونة تشكل راهنة، متفاعله مع الحاضرومن نسيجه، سوى تلك التي ننتظرها من ارض مابين النهرين حيث ( الامبراطوريات/ الرؤى الكونية) /سرجون الاكدي / والتوحيدية الابراهيمة/، وصولا الى الامبراطورية العباسية، اطول الامبراطوريات الكونية عمرا،و مقابلها القرمطي.
العالم العربي، والمنطقة، والعالم، على موعد مع انبثاق حضاري راهن، مستقبلي، متجاوز للغرب، قاعدته العراق، ووطنيته الثانية النامية، اما العثرات، فهي لزوم مايلزم، وليجرب البارزاني وغيره، حظهم في مناطحة صخرة التاريخ، عند واحدة من اهم زوايا تحققه الحيوية وابداعاته، ودفق انقلاباته الكونية الكبرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا