الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة ونظرية المعرفة في الفلسفة الإسلامية

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2017 / 9 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يرد لفظ الحقيقة في اللغة بمعنى : الحق ، والصدق ، والصح ، واليقين ، والوجوب ، والرصانة ، ومقابلة التجاوز , يقول ابن منظور (ت711هــ) في لسان العرب : (( بلغ حقيقة الأمر أي يقين شأنه , وفي الحديث : لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه ؛ يعني خالص الإيمان ومحضه وكنهه , وحقيقة الرجل : ما يلزمه حفظه ومنعه ويحق عليه الدفاع عنه من أهل بيته ؛ والعرب تقول : فلان يسوق الوسيقة وينسل الوديقة ويحمي الحقيقة ... والحقيقة ما يحق عليه أن يحميه ، وجمعها الحقائق , والحقيقة في البلاغة : ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه ، والمجاز ما كان بضد ذلك ، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة : وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه ، فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة ، وحق الشيء يحق بالكسر حقا أي وجب ... وأحققت الشيء أي أوجبته , وتحقق عنده الخبر أي صح , وحقق قوله وظنه تحقيقا أي صدق , وكلام محقق أي رصين... والحق : صدق الحديث , والحق : اليقين بعد الشك ....))
أما الحقيقة في الاصطلاح فيبدو أن أمرها أصعب مما عليه في اللغة بسبب تعلقها في النسبة بين التصور والتصديق ، إذ أن معنى الحقيقة أول ما يتبادر إلى الاذهان ما تيقنت منه ، لكن كيف نتيقن من وجود شيء ما ، وهل ذلك ممكن ؟ نقول قد تعرَّف الحقيقة عن طريق التجربة العلمية ، فلا نستطيع أن ننكر أن جزيء الماء الواحد يحتوي على ثلاث ذرات مرتبطة ببعضها، ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين لأن الجمع بين هذه الذرات لا يولد شيئا ثانيا غير ذرة الماء في الظروف كلها , كما تعرف الحقيقة عن طريق الأضداد فنحن مثلا جميعا متأكدون من إننا نحلم في النوم وأن الأحلام ليست حقيقية لكن أفكاري في الواقع هي الحقيقية لأنها على الضد تماما من أحلامي في نسبة ارتباطها بالواقع , وقد تعرف الحقيقة عن طريق الثبات فحينما نقول : لقد ثبت للجميع بأن هناك رجلاً أسمه حمورابي أو المسيح أو أن هناك حادثة معروفة فإن هذه تعد حقائق لأن القرائن تثبت وجودها ، وقد تعرف الحقيقة أيضا عن طريق اقتراب الشيء من مثاله كأن نقول عن صورة ما إنها حقيقية بحسب درجة اتقانها .
لكن الحقيقة قد تلتبس على التعريف إذا عوملت بطريقة تجريدية ، فإذا قلنا عن زيد إنه إنسان حقيقي على اعتبار وجوده الواقعي بيننا فإن ذلك لا ينفي الشك في حقيقته الانسانية لأن زيداً لم يجمع كل خصائص الانسانية لكي نقول عنه إنه انسان ، وهذا ما يسمى في الفلسفة بالعلاقة بين الذات والماهية وهو مبحث دقيق ومجال خلاف حتى أنَّ الفارابي قال (( الوقوف على حقائق الأشياء ليس في قدرة البشر ، ونحن لا نعرف من الأشياء إلا الخواص واللوازم والأعراض......)) .
وعلى العموم فقد اتفق الفلاسفة على تسمية الموجودات العينية والذهنية بالحقائق الواقعية ، لأنها تتمتع بوجود مستقل عن العقل الذي يدركها , واتفقوا أيضا على تسمية المبادئ الكلية مثل مبادئ الرياضيات بالحقائق الأبدية.
لكن الحقيقة ارتبطت كثيرا بما تتمثل به في الفلسفة المعاصرة إذ يرى البرجماتيون إن الحقيقة تتمثل في الفكرة ذات النفع التجريبي , فيما يرى الماركسيون بأن الحقيقة هي الفكرة المعبِّرة عن الوجود الموضوعي ، ويرى الوجوديون إن الحقائق ترتبط بالحرية .
لابد من القول أن لفظ الحقيقة يقابل : الواقع الموجود بالفعل ، وهو ضد الاعتباري ، ويقابل أيضا الثابت ، وما هو ضد الممكن والخيالي ، ويقابل بالذي يتعلق بالذات أكثر من تعلقه بالمظهر أو الاسم ، ويقابل أيضا الواضح ؛ الخالي من الغموض واللبس.
وبديهي أن لكل شيء يستحضره العقل وجود في الذهن ووجود في الخارج مع التنويه أن هناك أشياء موجودة في الذهن لا وجود لها في الخارج مثل العنقاء أو الأشياء الخيالية , وهذا يعني أن هناك وجود في الذهن ووجود في الخارج ووجود كتابي كما وصفوه , لكن السؤال هل هناك تمايز بين وجود الكرسي في الذهن ووجوده في الخارج وهل أن الكرسي هو ذاته في الذهن والخارج ؟ أم أنهما موجود واحد ؟ وتعد هذه المسألة من أشد المسائل تعقيدا حتى يمكن القول أن الفكر البشري لم تشغله قضية مثلما شغلته هذه القضية بل أن موضوع الفلسفات كلها كان يدور مدار الجواب حول هذه المسألة , لكن الأغلبية من الفلاسفة سلموا بوجود العالم الخارجي بعد أن أنكره جماعة , وبما أن العالم الخارجي موجود فإنه قابل للإدراك , لكن ما الإدراك ؟ كيف يتم التعامل بين الأنا أو الذهن والعالم الآخر ؟ كيف أشعر بوجود الأشياء وأكون لها صورا تناسب أحجامها والوانها وهيئاتها ؟ قيل في ذلك بأن ما موجود في الذهن يمثل صورا للأشياء وليست الأشياء ذاتها , لكن ماهي مادة تلك الصور , يعني صورة الكرسي التي في ذهني مم تتكون , وكيف تتكون في الذهن وما علاقتها بالكرسي الحقيقي ؟
قيل في هذه القضية إن العقل يمتلك مبادئ الأشياء مثل مبدأ العلية وعدم التناقض والقابلية على التشكيل وهذه القابلية هي التي تجعله يقوم بوظيفة التركيب وانتاج الصور والقوانين لذلك قالوا بأن هناك علما حضوريا أي حاضرا في ذهن كل منا , وهناك علم آخر يسمى حصولي أو مكتسب وهو ما يتشكل بعد قيام الذهن بالكد والعمل من أجل توليد تلك الصور والقوانين والمعلومات .
وترتبط المسألة المتقدمة بمسألة المعقولات التي قسموها على معقولات أولية ماهوية ومعقولات ثانوية فلسفية ومعقولات ثانية منطقية وأرادوا بالأولى الكليات تعرض للذهن في الخارج وتتجسد في الخارج أيضا مثل مفهوم الحصان فهذا المفهوم لا يمكن له إلا أن يوجد في الخارج حتى في لحظة تصوره , أما المفاهيم الثانية أو الفلسفية فهي التي تعرض للذهن في الداخل لكنها تتجسد في موضوع خارجي كمفهوم الذكاء فليس هناك في الخارج وجود للذكاء إنما الوجود لشخص ذكي يتصف بالذكاء أما الذكاء فهو مفهوم ذهني , أما المعقولات المنطقية فهذه كليات لا تتجسد في الخارج أبدا كما في قولنا مفاهيم أولية وثانوية , فهذه لا وجود لها لا في التصور ولا في الحقيقة خارج الذهن فهي منحصرة داخل الذهن لا تفارقه .
والمعرفة تعني العلم بالأشياء , والعلم بالأشياء أما أن يكون حاضرا في الذهن كما مر أو متأتيا من عمليات ذهنية , وهذا ما يطلق عليه العلم الحضوري والعلم الحصولي .
والعلم الحصولي أو المكتسب يتكون من تصورات ومصاديق وهو أما كلي المعرفة أو جزئي وهو أيضا مشكك أو متواطئ , وهو أخيرا أما مشترك باللفظ أو مشترك بالمعنى .وهذه المسائل تارة نجدها في كتب المنطق وتارة أخرى نجدها في كتب الفلسفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو