الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات الواقع للعقل الإسلامي ومجتمعه في ظل عالم متطور

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 9 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن كمجتمع إسلامي طابعه العام محافظ وتقليدي في علاقته مع الأخر يتوجس من اي محاولة للتقرب منه أو التقريب بينه وبين ما يدور كونيا عليه أن يدرك أنه يواجه عالم معقد ومتشابك وغير مألوف لنا على الأقل بطبيعته الجديدة القائمة على التنوع والتعدد وحق الأختلاف، وهذا يتطلب منا أن نواجه الأزمة وخياراتها العديدة والصعبة على أنها خيارات بدية وحتمية لا يمكن الهروب منها أو حتى تأجيلها وفقا لما يتطور في شكلية هذه الروابط والعلاقات، لا ينفعنا التراخي والتردد وتأجيل القرار لمراحل لاحقة لأن عامل الزمن عامل قاتل وحاسم في تاريخ الإنسان، وما هو ممكن ومتاح الآن قد لا تجده في مرحلة لاحقة وقد تتعقدد الأمور فيه أكثر ويصبح الثمن المدفوع منا أكثر إيلاما وأشد قسوة.
ليس هناك تغير وتحول فكري وحضاري كوني وتجديد في أشتراطات الوجود والتألف معها بلا ثمن، وليس هناك تحولات بنيوية أو نسقية في الوعي أو في ممارسة هذا الوعي لا يرافقها عملية هدم وبناء ضرورية، وليس من المعقول أن نبني واقعنا خارج النظام الكوني لأننا نؤمن بمحددات خاصة فشلت على مدى قرون وعقود أن تنتشلنا من الواقع المزري، سلب فينا الوعي وغيبنا عن المشاركة الحضارية والبناء الكوني السليم الذي يتناسب مع حجم حضورنا الكمي والنوعي في هذا الوجود، الدين لم يكن يوما عائقا أمام التقدم ولا أمام عولمة الفكر وعولمة الإنسان طالما أنه أصلا موجه للإنسان عامة ولم يخص أمة أو مجتمع بالذات تحديدا ومقصدا، لكن ما يصدنا عن ذلك هو إرثنا التأريخي الذي تراكم من نتائج خروجنا عن فهم الدين كفكر مجرد يستنهض فينا الإنسان ويزايد على أصل الفكرة ويقزمها في حدود الذات المؤمنة.
هنا تستحضرني مقولة لوزير الخارجية الأمريكية الأسبق الدكتور هنري كيسنجر يلخص بعضا من إشكالياتنا مع الخيارات الصعبة، يقول كيسنجر (ان بناء الدول المستقرة لايتم بالخطب والشعارات وإنما بالأفعال)، القضية أذن قضية فعل وممارسة وتجسيد ووضع خطط عملية وعلمية تستند إلى تراكم الخبرة وتفعيل التجربة، فالبناء العالمي لم يكن وليد الشعارات ولم يكن صدفة أتت خارج سياقات المتوقع أو الممكن والمجتهد فيه، فعلينا كمجتع وكإنسان أن ننزع أنفسنا من شعارات وهتافات البعض ممن لا يرى في في الواقع أكثر من وجوده، وأن نعي حقيقة العمل وطرائق التفكير والتعقل والتدبر على حقيقتها ونمارسها بكل قوة.
علينا وبكل وضوح ودون أن نتردد أن نختار المستقبل وأن ننحاز له لأننا يجب أن نقتحم المصير وأن نحدد موقفنا منه، وبغير هذا لا يمكننا أن نبقى في حالة السبات وردات الفعل والتصرف بتلقائية بلهاء، لقد ردد هذا المنطوق زعماء عرب ومفكرين على مستوى الأكاديمي والمعرفي دون أن يضعوا شروطا وحدودا لهذا الخيار، يقول الملك الأردني عبد الله الثاني (إننا نعيش زمنًا حاسمًا يتطلب اتخاذ الخيارات الصحيحة، وهي غالبًا خيارات صعبة، في جميع أنحاء العالم، إن مستقبلنا كمجتمع دولي على المحك، ولكن من خلال عملنا المشترك، مسترشدين بقوة إيماننا، يمكننا أن نقلب الموازين لصالح السلام والازدهار) .
من تلك الخيارات الصعبة والحاسمة الإقرار بأن التعاون الدولي والأنفتاح والمشاركة البينية بين الشعوب والمجتمعات والأمم وحدها الطريق المفتوح للتطور والبقاء ضمن عالم مضطرب غير متوازن، وأننا في عالم متداخل مؤثر فينا أكثر من قدرتنا على التحفظ والممانعة والرفض لكل ما لا يتلائم مع مشخصنات الهوية الوطنية، أولا لتداخل الوطني مع المحيط وتشابك العلاقات الأقتصادية والثقافية والسياسية على أوسع نطاق، وهذا وحده يجعل من أهمية الوعي بالتعاون الدولي مسألة مهمة بدل أن يكون التدخل فوق الإرادة ودون خيار يحفظ لنا مصالحنا كما يحفظ للأخرين مصالحهم، وثانيا ليس هناك من بديل متاح يمكننا الأستعانه به والسير في طريقه لحل إشكاليات الواقع الموروث فعليا من الحقب الماضية.
بهذه النقطة بالذات علينا أيضا أن نسخر الخبرة التي يملكها ما يعرف بالنخب الحضارية داخل المجتمع الإسلامي لتكوين وخلق رؤية جديدة للواقع الذاتي والعالمي، وتحديد عملي وعلمي ورسم المسارات وتبيان شكل وحدود الحاجات الأساسية التي يجب أن تكون محلا للتعاون والتشارك بيننا كمجتمع ناهض والنظام العالمي الجديد، بمعنى أن لا نترك لهذه العلاقات حرية مطلقة بحجة ضرورة الأنفتاح والعمل المشترك ولا نهمل الجوانب الإيجابية منها، بل من الواجب أن نكون عملانيين وعقلانيين في تعاملنا مع القضية من باب أحتساب ما هو ممكن وما هو لا يتناسب مع ضروريات وأهداف التغيير والتطور بحسابات الغايات والمصالح الشمولية.
ومن الخيارات الصعبة التي على المجتمع الإسلامي عام وعلى العقلية الإسلامية تحديدا هي مغادرة الوعي التأريخي المزمن والمثقل بالمقدس النخبوي، والإقرار بفشل منطق التفرد النوعي المبني على قضية (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، ليس إنكارا لواقعها وأستنكارا لوجودها في العقل الديني، ولكن لأن موضوع الخيرية التي وعدنا بها النص لم تتبلور في الواقع العملي نتيجة التفريط بمواردها والأفراط في التغني النرجسي بها، الخير اليوم له معايير عملية تتمثل في قدرة المجتمع أيا كان في المساهمة الإيجابية بالمتراكم النوعي الحضاري وحسب، عندما يعيش المجتمع على هامش الحركة الكونية والأممية دون أن يساهم ولو بالقليل في بناء منظومة المعرفة والحضارة يكون قد أعلن عن نفسه فاقدا لأي مصدر من مصادر الخير الوجودي في حياة الإنسانية.
هذا الوعي مرتبط أساسا بمقولات التأريخية السلفية والتي هي الأخرى لم تنتج بالواقع أكثر من ثقافة وفكر جامدين في حدود التأريخ المقيد بالعصمة من التبدل والتطور، فلو كانت المنظومة الفكرية الإسلامية قد منحت حق الإبداع والتماهي مع الزمن قد تكون النتائج التي نحصدها اليوم هي غير النتائج التي تبنى على الحرية وأحترام وجود العقل الناقد المبشر بفكرة أن الحياة طابعها التغير والتبدل أستنادا إلى منطق اللزوم الحتمي، إن تصحيح مفاهيم الوعي وتجديد الإدراك به مبني على قانون الشواهد وليس على قانون المشهد الراهن، فالمشاهد التي تحيط بنا تثبت أننا في زاوية منسية ضبابية لا يمكن حتى توصيفها على أنها شواهد لأنها لا تعلن عن نفسها إلا في مواطن السلبية والتأزم المستمر مع الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س