الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة والجنون ... غرائب من حياة الفلاسفة

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2017 / 9 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حينما كنت طفلا صغيرا , كانت تستهوني القصص المؤلفة للصغار , فضلا على كتب الرحلات والبلدان , وعلى الرغم من بساطة هذا النوع من المؤلفات ومتعتها كان أبي ( رحمه الله ) كثيرا ما ينصحني بعدم الإكثار من قراءة تلك الكتب ( لكي لا أكون معقَّداً ) ــ بحسب رأيه ــ وتكررت هذه النصيحة من أقارب لي آخرين لا سيما حين أسرفتُ فيما بعد بقراءة كتب الفلسفة , وكانت تلك النصائح جلها تؤكد على أن كتب الفلسفة وعلم النفس تؤدي إلى الجنون , لكن تلك النصائح لم تجد لها عندي أي صدى أو قبول إذ وجدت في الفلسفة عالما لا يمكن أن تكتمل ثقافة المرء بدونه , لكني وبمرور الأيام وتنوع القراءات والاستغراق في عوالم الفلسفة الجميلة اكتشفت مما هو جدير بالطرافة والنكتة – فقد وجدت عددا غير قليل من الفلاسفة ــ كما تذكر سيرهم وأخبارهم المروية ــ قد عاشوا حياة أشبه بحياة المجانين , بل أن بعضهم عاش حياة الجنون بامتياز , فقد تصور فيثاغورس نفسه بأنه إله أو نصف إله , ودفن أحد الفلاسفة اليونانيين نفسه بالروث وعوَّد نفسه أن يتضور بالرمل لكي يعايش حياة الألم , وكان أحدهم يحمل فانوساً في النهار بحجة أنه يبحث عن الحقيقة , وقال أغلب الفلاسفة الشكاك اليونانيون بأنه لا يوجد شيء مطلقا لأننا لا نملك ما يثبت أن هناك شيئا وإن وجد شيء فلا نستطيع أن نخبر عنه الآخرين , فيما قال سويدنبيرغ بأن المسيح يوحي له بفلسفته , وقال ديكارت بأنه استوحى فلسفته من حلم رآه في النوم , أما أوغست كونت فقد أحب فتاة حد الجنون وحينما توفيت جعل منها إلهه وكتب خمسة مجلدات في ديانة شرعها هو من أجلها أطلق عليها ــ دين الانسانية ــ , وقد امتنع أحد الفلاسفة عن الكلام بحجة أنه لا فائدة منه لأنه لا ينقل ما نود التعبير عنه , فيما سكن أحد الفلاسفة في برميل صغير , أما هيراقليطس فقد كان مصابا بجنون العظمة ووصف فلاسفة عصره إنهم حيوانات لا يفقهون شيئا , وقام أكثر من فيلسوف بإحراق كتبه واتلافها منهم : أبو حيان , وتصور أحدهم بأنه طائر فألقى بنفسه من سطح داره ومات من ساعته , فيما أصيب نيتشه بجنون عنيف أدى بأخته إلى حجره في غرفة خاصة ولم يكف عن كتابة هلوساته , وكتب أحد الفلاسفة الوجوديين صفحات طويلة في رثاء كلب له كان قد مات , فيما قام فرنسيس بيكون بالوشاية بصديقه حتى أدى به إلى الاعدام وقد اعتكف أكثر من فيلسوف , وعاش أغلبهم في عزلة لانهم وجدوا بأن الناس أشرار لا خير يرتجى منهم .
فيما انتهج الفلاسفة الكلبيون حياة حيوانية صرفة حتى قيل بأنهم كانوا يعتاشون على الفضلات وينبحون كالكلاب بل إن بعضهم كان يتجول عريانا دون ملابس في الأسواق , وقال أحد الفلاسفة الفوضويين بأنه لا يوجد هناك ما يلزم الإنسان على أتباعه : لا دين , ولا دولة , ولا قانون , فيما ألزم أحد المتصوفة نفسه باتباع برنامج لكبح شهواته وذلك بأن ينام على فراش واحد مع فتاة جميلة دون أن يدنو منها .
كل هذه الحالات – إن صحت – رسخت عندي أن نصيحة والدي لم تكن مجانبة للصواب تماما , لكن السؤال الملح الذي ما انفك يلازمني هو : هل أن هؤلاء الذوات جنَوا نتيجة تعاطيهم الفلسفة , أم أنهم كانوا في الأصل أناسا مجانين امتهنوا الفلسفة ؟؟ ... وهل صحيح أن الفلسفة تؤدي إلى الجنون , أو أن الأمر كما قال أحد الفلاسفة : إن القليل من الفلسفة يؤدي إلى الجنون أما الإكثار منها فإنه لا محالة يؤدي إلى اليقين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م