الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قد تكون العزلة الاجتماعية خياراً

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 10 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما يكون الجوّ مسموماً لديك خياران: إما أن تنسحب، أو تخوض معركة معاكسة، ولا بأس أن تخوض المعركة لعدد من المرّات، وبعد الفشل تأخذ قرارك بالانسحاب. بصمت، وبدون استفزاز، كي تستطيع إقامة حوار مع ذاتك لمعرفة مكان الخطأ . هي العزلة التي تنقذك من السّموم أحياناً.
لو لم تلجأ إلى عزلة نفسك بنفسك فسوف تعزل، لأنّ الشّر هو الأقوى، وإذا كانت التكنولوجيا أتاحت لك البقاء على اتصال مع الأصدقاء وأفراد الأسرة من جميع أنحاء العالم ، و مع كل هذه التكنولوجيا في متناول أيدينا، وهناك الكثير من الذين يعيشون العزلة الاجتماعية الكاملة والذين يتعاملون مع الوحدة المنهكة، ولا تمتدّ لهم يد الدّعم. بل يهمشون من المجتمع.
لم يتجاوز العالم النّظرية العرقيّة التي تؤمن بسمو عرق على عرق، وضمن هذه النظرية العرقية العربية عموماً والسّورية خصوصاً. صفاء العرق، وسمو المنبت، فإما أن تحضّر موسوعة تستند من خلالها إلى وجودك على لائحة الأنبياء والأولياء، وإلا تلجأ إلى إغلاق نوافذ بيتك كي لا تمرّ منها ريح الكراهية، ونحن لا زلنا قبل القرن التاسع عشر حيث صاغ آرثر شوبنهاورالموقف: "إنّ الحضارة والثقافة الأسمى على الإطلاق، باستثناء الهنود القدامى والمصريّين، موجودة حصرًا لدى العروق البيضاء؛ وحتّى لو وجد لدى الشعوب ذات البشرة الداكنة، فإنّ لون المجموعة الأكثر بياضًا من باقي المجموعات هو الأسمى".
الحقيقة أنّني اكتشفت أنّني لا أستطيع إقناع أحداً بعدم وجود هذه النظرية. هو من حيث المبدأ سوري حر، وديمقراطي، ويسعى لصداقتك تحت شرطين، أن تنفق عليه، وتصفق له. لكنّه لا بد أن يشير إلى أصله الأسمى، وعرقه الأنقى وأنّه بركة عليك أن تحتفظ بها، وأقصد السوري من جميع المكونات، والذي أجاد ركوب أحصنة من الزيف تجعله فريق من الأبطال في بطل واحد.
أحياناً أتمنى العودة لجاهليّة العرب حيث تضمّ الكعبات -كل بناءٍ مربع فهو كعبة وفقًا للثعالبي- التي حظت بالتكريم والإجلال من أصحابها ، ومنها كعبة نجران
وهي أقدم كنيسة شيدت في شبه الجزيرة العربية جنوب السعودية وحج إليها العرب طيلة 40 عاما قبل الإسلام، وقيل إنها كانت مصنوعة من الجلد.
أليس جميلاً أن تبني كعبة لك تعيش قربها وأتباعك بطريقتك؟
تبين بعد " الثّورة" السّورية التي وئدت في المهد لتتحول إلى حروب طائفيّة وقومية، وحرب مناطق تدار على مسرح عرائس بيد خبيرة وماهرة ، أن المجتمع السّوري يمتلك ثقافة مشابهة لثقافة النّظام. تعتمد على الكره، والإيذاء، وأقصد بالمجتمع هو طبقة السياسيين الذين ينشرون الثقافة السائدة، وليس البسطاء، والمدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة.تبين أن المجتمع السّوري يعيش ثقافة الكراهية، ولا يؤمن بالمجتمع المتنوّع، وكلّ فئة قليلة، أو كثيرة فيه تؤمن أن عرقها الأسمى، لكن من يتعرّض للهجوم أكثر اليوم في سورية هم " العرب السّنة" كونهم مكون أساسي من مكونات سورية، وكأنّهم المركز الذي تزحف جهته كل المناطق في سورية لتخنقه، وقد يحارب أحدكم هؤلاء تحت حجة التّخلف، والإيمان، لكّننا في الحقيقة نملك القدر نفسه من التّخلف.
أحيط نفسي بعزلة عن مجتمعي " الأم" فقط كي لا أسمع تلك القصص المثيرة للغثيان، ولكن مهما كان الإنسان حريصاً لا يستطيع إلا أن يتواجد بينهم أحياناً.
بالصدفة التقيت في جلسة وجد فيها سوريان عربي، وكردي، ومع أنّهما كانا سابقاً ينتميان إلى الحزب الشيوعي، لكنهما شتما بعضهم البعض باللغة العربية وبهدوء كونهما ليسا في مكان عربي. ثم هدّد أحدهما الآخر وقال له: نحن في حضور غرباء سوف نعطيك الدّرس لا حقاً .
كان من المفترض أن أتحدث لخمسة دقائق عن التعايش في سورية، وكنت قد حضّرت ورقة كتبت فيها بعض الكذب الذي اعتبرته أبيضاً حول الـتّعايش. وعندما جاء دوري للحديث. اعتذرت، قلت للحضور، وخلال خمسة دقائق: أن نازية هتلر قد تكون أسهل، لأنّ بين الأوروبيين من كان ولا يزال يقف ضد اليمين المتطرف القومي الذكوري، وفي هذه اللحظة بالذات أشعر بالانتماء إلى جاهلية العرب، وأتحدّث من أطراف كعبة نجران التي كانت كنيسة شيدت في شبه الجزيرة العربية جنوب السعودية وحج إليها العرب طيلة 40 عاما قبل الإسلام، وقيل إنها كانت مصنوع من الجلد.
أشعر أنّني ألبس ثوباً فضفاضاً،، وأحيط خصري بشال، أعود جنّيّة شابّة وأخرج للشعراء من وادي عبقر أقول شعرهم الذي يفكرون به.
منذ تلك الجلسة اخترت العزلة الاجتماعيّة، أو بمعنى آخر، قبل الذهاب إلى نشاط، أو جلسة. أتفقد الحضور، فإن وجد فيه أمثال هؤلاء. غادرت معتذرة، وعدت لأغلق نوافذي على الهواء السّام وأتمتّع بوحدتي. أرغب أن أكون لا قومية، لا دينية، وأجد ضمن المجتمع من يشبهني ولو بحدّ أدنى ، وحتى الآن لم أجد. لذا عليّ الاكتفاء بنفسي، في بعض الأحيان أحاورني بشكل رائع، وأبتسم لي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة