الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردستان العراق ، كتالونية ، الصحراء : من الحكم الذاتي الى الاستفتاء وتقرير المصير .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


من نوادر النصف الثاني من التسعينات ، أن شهدت عدة مناطق من العالم ، دعوات للانفصال بالنسبة لبعض أقاليمها ، ودعوات للحكم الذاتي بالنسبة لبعضها الآخر .
والكل يتذكر استفتاء استراليا حول بقاءها او انسحابها من دول الكومنولث ، وهو الاستفتاء الذي كانت نتيجته البقاء ضمن التاج البريطاني .
فهل أضحى سلاح الاستفتاء وسيلة لفصل الدول وتقسيمها ، باسم الدفاع عن حقوق الأقليات ، او باسم حقوق الشعوب في نيل استقلالها ، وحريتها ، وتقرير مصيرها ؟
مؤخرا بزغ إلى سطح الأحداث ، المشكل الكردي ، ومشكل كتالونيا ، ومشكل الصحراء الذي عمر دون حل ، لما يناهز اثنتي وأربعين سنة . لكن الشيء المُستملح ، أن اطر جبهة البوليساريو الذين ربطوا بين استفتاء كتالونيا ، والاستفتاء المزمع تنظيمه في الصحراء ، وظّفوا الاستفتاء الكتالاني ، للتشفي والانتقام من مدريد من موقفها الغامض من قضية الصحراء ، واعتبروا ان العدالة الإلهية قد أنزلت حكمها ، والباقي سيكون ألباسْك ومقاطعات أخرى .
لكن بغض النظر عن موقف اطر جبهة البوليساريو ، فان ما أثار الاستغراب واجبر على طرح السؤال ، هو الموقف الأوربي والأمريكي الغامض ، والمتذبذب من الاستفتاء ، حيث تعاملوا معه من منظار سياسي لا حقوقي ، وهو نفسه موقف الدولة الجزائرية مما حصل بكردستان العراق ، وبكتالونيا ، وبالصحراء المغربية .
ان هذه الحربائية في التعامل مع نفس الوقائع ، هو أنّ موقف هؤلاء من الاستفتاء وتقرير المصير ، لا ينبع من إيمانهم الراسخ بحق الشعوب في تقرير مصيرها ، بل إنهم يوظفون الاستفتاء باسم حقوق الإنسان والشعوب المفترى عليها ، لخدمة مخططات كلونيالية صهيونية ، إزاء الشعوب التي تختلف معهم في العقيدة ، والاثنية ، وفي الجغرافية ، كما يوظفوه في ليِّ عنق الأنظمة وابتزازها ، بدعوى مساندة جزء من شعبها في تحقيق استقلاله بواسطة سلاح تقرير المصير ، اي ضرب الشعوب ببعضها البعض ، لتدمير الدول وتجزيء الشعوب كمخطط ينحدر من سايكس بكو القديم – الجديد بالمنطقة العربية والإسلامية .
ولنا ان نطرح السؤال ، عن تدعيم أوربة وأمريكا للاستفتاء وتقرير المصير بالصحراء المغربية من خلال قرارات مجلس الأمن الملتبسة ، ورفضهم للاستفتاء الشعب الكتالاني الذي اعتبروه غير دستوري ، رغم أن نتيجة الاستفتاء جاءت ب 99 في المائة لصالح الاستقلال ، كما أن هؤلاء الأوربيين المتضامنين والأمريكيين ، لم ينددوا بالقمع الذي سلطته سلطات مدريد على الكتالانيين الذين مارسوا حقا تعترف به الأمم المتحدة .
لكن هل كان لمسعود البرزاني ان ينظم استفتاء تقسيم العراق ، ويظهر انه تحدى العالم ، لو لم يأخذ الضوء الأخضر ، والدعم والمساندة من قبل باريس التي تبحث عن تدويل المشكلة العراقية ، وواشنطن ، ولندن ، وتل أبيب ، ولو لم تكن أنظمة رجعية عربية تقف وراء مطلب الأكراد بالانفصال عن العراق ، وهي السعودية والإمارات ؟
وبخلاف الصحراء المغربية ، فان إقليم كردستان العراق به أكراد ، لهم لغتهم ، وعاداتهم ، وتاريخهم . اي شعب ، كما كان الإقليم يتمتع بحكم ذاتي حقيقي منذ 1991 . ضمن العراق الموحد .
و كتالونيا مثل كردستان ، بها كذلك إقليم يتمتع بحكم ذاتي حقيقي ، وبتاريخ ، ولغة ، وشعب ضمن الاتحاد الاسباني المُكون للدول الاسبانية .
فكيف يعقل هضم رفض الأوربيين وواشنطن لاستفتاء كتالونيا ، وتأييدهم من تحت الستار لاستفتاء كردستان ، وعرقلتهم بل رفضهم لاستفتاء اسكتلنده ، ورفضهم لاستفتاء شبه جزيرة القرم باكرا نيا ، وتأييد الاستفتاء بالصحراء المغربية ، رغم ان الصحراء كانت تحتلها اسبانيا ، وعندما استردها المغرب أضحى مطلب الاستفتاء بمثابة حق يراد به باطل .
وإذا كان المغرب هو من وقف وراء صدور القرار 1514 الذي فقد مشروعيته منذ 1975 .
وإذا كان إقليم كردستان وكتالونية ، يتمتعان بحكم ذاتي حقيق
فهل كانت الأقاليم الصحراوية التي استردها المغرب ، تتمتع بحكم ذاتي تمّ إفراغه من مضامينه من قبل الحكم المركزي ، حتى يمكن تبرير الانتقال من الحكم الذاتي إلى الاستقلال ، وتكوين دولة مستقلة ، اي شرعنه الانفصال ؟ .
لكن ولفضح موقف الأوربيين وواشنطن من الاستفتاء وتقرير المصير ، أنهم ضغطوا بكل إمكانياتهم العسكرية ، والإيديولوجية ، والاقتصادية لفرض استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان ، لدعم المسيحيين كمسيحيين ، لا كمواطنين سودانيين يعيشون القمع والاضطهاد من قبل نظام الخرطوم .
فكيف نتصور قبول الأوربيين والأمريكان باستفتاء السودان ، وموقفهم من الاستفتاء بالصحراء المغربية ، ومناصرتهم من تحت الستار لاستفتاء كردستان ، لكن يرفضون استفتاء كتالونيا الذي مر شعبيا وبشكل ديمقراطي ، ورفضوا استفاء شبه جزيرة القرم الذي مر كذلك بشكل ديمقراطي ؟
وكيف استنكروا وضغطوا ، حتى تكون نتيجة استفتاء اسكتلنده لصالح البقاء ضمن الدولة البريطانية ؟
ان الاستفتاء الذي جرى في كردستان وبكتالونيا ، جرى بأقاليم تتمتع بحكم ذاتي حقيقي ، حيث هناك برلمان وحكومة وشرطة ، أي ان الإقليمين يتمتعان بالسيادة . لكن السؤال هل الاستفتاء المطالبين باجراه في الصحراء المغربية ، سيجري في مناطق تتمتع بحكم ذاتي حقيقي ، وتتمتع بحكومة وبرلمان وشرطة ، اي تتمتع بالسيادة ؟
ولنا هنا ان نتساءل : هل تتمتع الجمهورية الصحراوية بالسيادة ؟
بالرجوع الى القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، سنجد هناك ثلاث شروط او عناصر أساسية ، للحكم بوجود او عدم وجود سيادة لدولة . ان هذه الشروط :
1 ) الأرض . فبخلاف كردستان وكتالونيا اللتان تمارسان حكوماتهما السيادة فوق الأرض ، فهل تم إنشاء الجمهورية الصحراوية فوق الأراضي التي استرجعها المغرب في سنة 1975 ام انه تم إنشائها خارج هذه الأقاليم بالجزائر ؟
2 ) ممارسة السيادة . وبخلاف كردستان وكتالونيا اللتان تمارس حكوماتهما السيادة ، فهل تمارس الجمهورية الصحراوية سيادة ، غير السيادة الجزائرية المتحكمة في القرار ألصحراويي ؟
3 ) وبالرجوع الى التاريخ سنجد ، ان بكتالونيا وبكردستان شعب ، هو الشعب الكتالاني والشعب الكردي . لهما لغتهما وتقاليدهما ضاربتان في التاريخ . فهل يوجد بالصحراء المغربية شعب ام مجرد مواطنين مغاربة عاشوا أبدا من الدهر تحت الاستعمار الاسباني ، وعندما عادوا مع عودة الصحراء الى المغرب ، وجدوا نفسهم جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الشعبي المغربي ؟
فهل لغة أهل الصحراء ، ليست هي لغة الشعب المغربي بعروبييه وبربرييه الامازيغ ؟
وبالرجوع الى القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 ، فإننا لا نجد شيئا يرمز او يشير الى شيء يسمى شعبا ، بل ان القرار يتحدث عن سكان وقبائل كانت تربطهم علاقات قانونية مع الدولة المغربية .
ثم كيف تجوز المقارنة كما يحاول ان يفعل بعض الصحراويين الانفصاليين ، بين كردستان وكتالونيا اللذين بهما شعوب ضاربة في التاريخ ، وبين ما يسمى بالشعب الصحراوي الذي ظهر في أواخر 1977 ، وظهور الجمهورية الصحراوي في 1976 ، وتأسيس الجبهة في سنة 1973 ؟
ثم كيف نفهم هذه المقارنة الاعتباطية التي لا أساس لها ، مع التوصيات التي دأبت الجمعية العامة تتخذها ، بناء على توصية اللجنة الرابعة منذ 1960 ، التي تتكلم عن سكان وقبائل ، ولم يسبق ان تكلمت عن شعب ، وإلاّ ما كان للجزائر التي أسست جمهورية تندوف في سنة 1976 ،ان تسكت عن وجود شيء يسمى بالشعب الصحراوي ، وتنتظر أواخر 1977 لتفاجئ العالم بهذا الاكتشاف الغريب ( الشعب الصحراوي ) .
واذا كانت التاريخ يشهد بوجود شعبين كردي وكتالاني ، يعيشان ضمن اتحادين جغرافيين ، هما العراق واسبانيا ، فانه بالنسبة للصحراء المغربية ، فانه ليس فقط التاريخ والجغرافية من يشهد بمغربية الصحراء ، ومغربية سكانها ، بل حتى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الأوربية الصادر في 16 أكتوبر 1975 ، اعترف صراحة بمغربية الصحراء ، وبمغربية الصحراويين .
ومن خلال التحليل ، سنجد ان حُكم المحكمة هذا ، أجاب عن السؤال الأساسي الذي طرحه المغرب على قضاة المحكمة : هل كان المغرب أرضا خلاء قبل الاحتلال الاسباني ؟
ان جواب المحكمة عن السؤال ، إضافة الى اعتراف وشهادة التاريخ ، تكتشف من خلال اعتراف المحكمة ، بوجود رابطة قانونية مع الدولة المغربية . واذا كانت القوانين هي التي تؤكد ممارسة الدولة ، وأي دولة للسيادة ، فان الاعتراف بالرابطة القانونية هو اعتراف بمغربية الصحراء ، اي ان الصحراء قبل الاحتلال لم تكن ارض خلاء ، بل كانت أرضا مغربية .
ان حق الاستفتاء وتقرير المصير ، كما يؤكد على ذلك ميثاق الأمم المتحدة ، هو سلاح بيد الشعوب ، والقوميات ، والأمم المضطهدة والمجزأة ، في مواجهة العدو الوطني والقومي ، وليس أبداً حق الأقاليم ، والمناطق ، والقبائل ، والأديان ، والطوائف السرطان ، في التجزئة والانفصال عن الوطن ، وتقسيم وحدة الشعب ، ووحدة والأرض .
ان الحقيقة التي لا جدال فيها ، هي ان اخطر ما استطاع الاستعمار القديم والجديد ، والصهيونية والامبرياليين ، والعملاء المحليين الخونة عُبّاد الدولار ، ان يواجهوا به الجماهير الكادحة العربية ، في سبيل التحرر ، والوحدة ، والتقدم الاجتماعي ، هو اللعب على الطائفية المقيتة ، وعلى التفاوت ، والفروق الإقليمية ، والدينية ( سنة شيعة ) ، ( عرب كرد ) ، (مسلم مسيحي ) ، (عرب امازيغ ) ، وأشباهها ،من اجل إرساء التجزئة السرطان ، الذي كان ولا يزال يمزق الجسم العربي الإسلامي ، ويمنع الجماهير العربية والإسلامية الكادحة ، ان تتوحد وتوجه ضربتها القاسمة الى الوجود الامبريالي الصهيوني برمته بالمنطقة .
ومرة أخرى لماذا رفض استفتاء كتالونيا واستفتاء شبه جزيرة القرم ، واستفتاء الباسك وكرسيكا ووضع العصا في علجة استفتاء اسكتلندة ... الخ ، ولماذا دعم استفتاء الصحراء المغربية ، واستفتاء كردستان جنوب السودان ...الخ .
ملاحظة لا بد منها عن الحكم الذاتي : بعد استفتاء كردستان العراق واستفتاء كتالونيا ، بدأ البعض يتحدث عن الحكم الذاتي المغربي المقترح منذ 2007 ، وباتخاذ الاحتياطات في تنزيله عبر مراحل .
أولا . ان الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب في 2007 ، مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به . فلكي ينجح هذا الحل على الطرف المعني ، اي جبهة البوليساريو قبوله ، وهذه رفضته إطلاقا .
ثانيا ، لا يمكن للمغرب ان يطبق الحكم الذاتي من جانب واحد ، لان هذا يتعارض مع الطبيعة لعدة أسباب :
1 ) اذا طبق المغرب الحكم الذاتي من جانب واحد ، فهذا يعني ان المغرب هو من شكك في مغربية الصحراء وشكك في مغربية الصحراويين ، وليس هؤلاء الذين ظلوا متشبثين بالأرض ، هم من شكك في مغربية الصحراء ، وشكك في مغربية الصحراويين .
2 ) لا يمكن للمغرب ، ان يطبق الحكم الذاتي من جانب واحد ، على جزء من السكان الذين لم يعلنوا صراحة ، أنهم شعب متميز عن الشعب المغربي . ان القرار في هذا المسألة ، هو أممي وليس مغربي ، نظرا لوجود طرف ثاني منازع ومخاطب بهذا الحكم الذي يجب ان يعطي موافقته او عدم موافقته بشأنه .
3 ) ولنفترض ان الطرف الثاني المعني بالحكم الذاتي يكون قد قبله ، فان اي نقاش لمضامين وسلطات الحكم الذاتي ، ستجري تحت الإشراف الكامل لمجلس الأمن والأمم المتحدة . اي ليس المغرب من سيفرض شكليات واختصاصات الحكم الذاتي ، بل هذه سيحددها سقف المفاوضات الجارية بين أطراف النزاع بضمانات مجلس الأمن ، وهنا لا نستبعد ان تكون الصيغة النهائية لهذا الحكم ، قد أخذت شكل كفدرالية تعتبر المرحلة الأخيرة ، لما قبل الانفصال اذا حصل ما من شأنه ان يقلب الأوضاع بالداخل .
4 ) وإدراكا من النظام بفشل حل الحكم الذاتي ، وحتى يغطي على موت هذا الحكم الذي رفضه الانفصاليون ، طرح في الساحة كبديل حل الجهوية الموسعة الاختصاصات ، وهي جهوية لها أبعاد ضبطية صرفة ، أكثر منها تنمية اجتماعية واقتصادية . ان من يرأس الجهة هو الوالي ممثل وزارة الداخلية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا